6/4/2022 12:22:35 PM
ملاحظات كارثية أولية حول البيانات المالية لبنك الخرطوم
الهادي هبَّاني 02 يونيو 2022م
في زيارة تفقدية للبيانات المالية لمجموعة بنك الخرطوم بغرض تحليلها خلال الخمسة سنوات الماضية 2016 - 2020م لفتت انتباهي بعض الملاحظات الهامة التي لا تحتمل الانتظار حتي الإنتهاء من كل التحليل وهي تحديدا ثلاث ملاحظات ترتبط ببعضها البعض وفيما يلي تفاصيلها الكارثية باختصار وشرح غير مخل.
أولا: الملاحظة الأولي وهي ملاحظة تمهيدية، هي أن مجموعة بنك الخرطوم مملوكة بنسبة 29.49% لبنك دبي الإسلامي، و22.76% مملوكة لفضل محمد خير وقد آلت لوزارة المالية عام 2019م إلا أنه حتي تاريخ هذه البيانات المالية اي حتي 31 ديسمبر 2020م لم يتم نقلها للوزارة، و4.41% لبنك التنمية الإسلامي، و3.21% لمصرف أبو ظبي الإسلامي، 2.47% لصلاح بن راشد بن عبد الرحمن الراشد (إماراتي)، و2.22% لمصرف الشارقة الإسلامي، و35.44% عبارة عن أسهم أقل من 2% لم يتم ذكر أسماء مالكيها. وتتلخص الملاحظة في أن 37.39% عبارة عن رأسمال إماراتي منها 34.92% مملوكة لبنوك إماراتية إسلامية. وهذا يصنَّف ضمن ما يعرف بمخاطر التركزات الاستثمارية علي جنسية واحدة وعلي بلد واحد مما يجعل البنك معرض لمخاطر أية تقلبات سلبية تصيب الاقتصاد الإماراتي. هذا مع ملاحظة احتمال أن تكون ال 35.44% غير المفصح عن أصحابها في البيانات المالية متضمنة حصص لمؤسسات أو أفراد إماراتيين الأمر الذي يفاقم درجة المخاطر. وهذا يعكس ضعف الرقابة والإشراف لبنك السودان المركزي علي الاستثمارات الأجنبية بالذات في قطاع هام واستراتيجي كالقطاع المصرفي والذي يجب أن تقوم سياساته الرقابية والإشرافية علي مبدأ تنويع المخاطر ومنع تضارب المصالح والهيمنة علي القرارات الخاصة بأحد أهم وأعرق البنوك السودانية في يد جنسية واحدة أو بلد أجنبي أو مستثمر واحد علما بأن بنك الخرطوم قد تم بيعه في صفقات مشبوهة في ظل النظام البائد ويجب أن تتولي حكومة الثورة القادمة مهمة استعادته بالكامل لملكية السودان كما كان دائما في السابق مع التحقيق في كل ملابسات بيعه وملاحقة كل الضالعين في تلك الصفقات وتقديمهم للقضاء.
ثانيا: للبنك مجموعة من الشركات التابعة له هي شركة سنابل للأوراق المالية، شركة الفهد لنقل وحفظ الاصول الثمينة المحدودة، شركة واحة الواحة، الشركة القومية للتجارة والخدمات المحدودة، شركة ارادة للتمويل الاصغر، شركة كنار للاتصالات المحدودة. وبغض النظر عن ملاحظاتنا العديدة علي هذه الشركات والتي سنتطرق لها لاحقا عند الانتهاء من تقريرنا عن تحليل البيانات المالية كلها. إلا أن ما يهمنا هنا أن البنك قد قام بتمويل بعض هذه الشركات التابعة له كما هو مبين في صفحة 42 من الإيضاحات المتممة للبيانات المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2020م بملغ كبير بلغ 3,643,894,000 جنيه (3.6 مليار جنيه) ما يعادل 66,084,403 دولار (66.1 مليون دولار) مقدرة بحسب سعر إقفال الدولار ذلك الوقت والبالغ 55.14 جنيه للدولار الواحد كما هو مبين في صفحة 52 من البيانات المالية المذكورة. وهذا يعتبر أمر كارثي ويكشف تواطؤ بنك السودان المركزي بسكوته عن هذا الأمر حيث لا يجوز السماح للبنوك بتمويل الأطراف ذات الصلة بهذا الحجم من سقوف الائتمان ومن المفترض الا تتجاوز نسبة تمويل الأطراف ذات الصلة عن نسبة معينة تتراوح عادة ما بين 5% إلي 10% من قاعدة رأس المال. وبما أن قاعدة رأس مال بنك الخرطوم قاعدة متدنية جدا تبلغ حسب البيانات المالية المذكورة ما قيمته فقط 2,295,985,000 جنيه (2.3 مليار جنيه) ما يعادل 41,639,191 دولار (41.6 مليون دولار) بسعر 55.14 جنيه للدولار فإن الحد الأقصى الذي يمكن السماح به لتمويل الأطراف ذات الصلة علي أساس 5% يجب الا يتجاوز 115 مليون جنيه أي ما يعادل 2.1 مليون دولار كحد أقصي وحتي هذا المبلغ يعتبر كبيرا. أي أن البنك قد قام بتمويل الأطراف ذات العلاقة ممثلة في الشركات التابعة له والتي يمتلك فيها أكثر من 51% من أسهمها بما يعادل 1.6 مرة ضعف رأس ماله الأساسي أو قاعدة رأسماله شاملة رأس المال المدفوع والاحتياطيات وعلاوة الإصدار والأرباح المرحلة أي ما يعادل حوالي 160% ضعف رأس المال وهذه كارثة حقيقية غير مسبوقة. وإذا كانت تعليمات بنك السودان المركزي وسياساته الإشرافية تسمح بذلك فهذه هي الكارثة الأكبر. ومثل هذه التجاوزات كفيلة لوحدها للتحقيق مع محافظ البنك المركزي وكل طاقم إدارة الرقابة المصرفية بكل أقسامه وإحالتهم للقضاء الفوري.
ولا تنتهي الكارثة عند هذا الحد، بل أن بنك الخرطوم يعمل في السودان ويقوم بمثل هذه المخالفة الكارثية لأعراف الرقابة علي المصارف ونسبة كفاية رأس المال لديه حتي 31 ديسمبر 2020م حسب البيانات المالية المذكورة صفحة 43 تبلغ فقط 7.31% وهي نسبة أقل من المعيار الدولي لاتفاقية بازل البالغة 8% من الأصول المرجحة بأوزان المخاطر وأقل من معيار البنك المركزي السوداني نفسه البالغ 12%. بمعني أن بنك الخرطوم وفقا لهذه النسبة يجب أن يغلق فورا ويتم فرض غرامة عليه ومطالبته بزيادة رأس ماله فورا وبدون أي تأخير أو يغلق أبوابه ولحين ذلك لا يسمح له باستغلال ودائع العملاء.
ثالثا: قصور رأس مال بنك الخرطوم إلي ما دون 12% من إجمالي الأصول المرجحة بأوزان المخاطر حسب تعليمات بنك السودان المركزي يعني أن البنك يقوم باستغلال ودائع العملاء لتحقيق مصالح المساهمين (ومنهم حوالي 37.39% إماراتيين) ومراكمة أرباحهم وثرواتهم دون أن يساهموا من أموالهم الخاصة بالحد الأدني من رأس المال الذي يغطي كافة متطلبات التحوط لمخاطر الائتمان ومخاطر السوق ومخاطر السيولة والمخاطر التشغيلية. فقد بلغت ودائع العملاء بموجب عقد المضاربة المطلقة أي ودائع الاستثمار والتوفير ما قيمته 157,002,301,000 جنيه أي (157 مليار جنيه) وتبلغ قيمة الودائع تحت الطلب أي الحسابات الجارية والتي تمثل تمويل مجاني للبنك ما قيمته 70,292,705,000 جنيه (70.3 مليار جنيه). أي أن إجمالي ودائع العملاء تبلغ 227,295,006,000 جنيه أي (227.3 مليار جنيه) وإذا قمنا بقسمة قيمة هذه الودائع علي قيمة رأس المال الأساسي للبنك البالغ 2,295,985,000 جنيه ستكون قيمة الرافعة المالية (99:1) (99 إلي 1) وهي رافعة مالية كارثية لم تحدث في تاريخ البنوك الحديث علي مستوي العالم وهي تعني بكل بساطة أن أصحاب البنك (و37.39% منهم إماراتيين) مقابل كل جنيه يدفعونه من أموالهم الخاصة يستدينون أو يستغلون 99 جنيه من أموال المودعين السودانيين وهي نسبة أعتقد من المفترض ان يتم تسجيلها ضمن موسوعة جينيس، فقد بلغت نسبة الرافعة المالية لبنك ليمان براذرز الأمريكي في لحظة انهياره كأول بنك استثمار ينهار في الأزمة المالية 2008م (44:1) أي مقابل كل دولار دفعه أصحاب رأس مال البنك من مالهم الخاص استدانوا 44 دولار من المودعين أصحاب ودائع الاستثمار وقد كانت رافعة مالية غير مسبوقة وقتها.
للأسف الشديد كل يوم يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن من يحكم السودان هم الفاسدون وهم المافيا الاقتصادية التي لا تملك ضمير ولا تعرف مبادئ أو وطنية ولا يهمها غير مراكمة ثرواتها واستغلال عرق الشعب وطاقاته وموارده لتحقيق مصالح شبكات المافيا الممتدة في الداخل والخارج ولا تقدم للشعب غير القمع والقهر والقتل والإخفاء القسري والإذلال وهذا وضع لا ينفع معه غير مواصلة النضال بلا هوادة من أجل الحل الجذري ولا شيء غير الحل الجذري من أجل الرمي بكل هذه المافيا وهذا الدمل إلي مزابل التاريخ وفتح الطريق علي مصراعيه لبناء وتقدم السودان.
وإلي اللقاء في باقي الملاحظات عندما ننتهي من تحليل كافة البيانات المالية. وأرجو أن تضع قوي الثورة الحية في مواثيقها وبرامجها استعادة بنك الخرطوم وغيره من مؤسسات الشعب المنهوبة كأحد أهم الأهداف بعد ملاحقة ومحاسبة كل من أسهم في التفريط فيها وبيع أسهمها في صفقات خاصة خلف الكواليس.