7/14/2022 10:21:37 AM
النيابة العامة فقدت مهنيتها واستقلاليتها
الصادق علي حسن المحامي
يكتب :
حينما وصل النظام البائد للسلطة في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م، اول ما استهدف وقد أحكم قبضته على الجيش وجهازه أمنه الذي طغى في ممارسته، استهدف الأجهزة العدلية والقضاء ووزارة العدل وديوان النائب العام ، فالغى النظام البائد نظام المعاينات المعمول به منذ استقلال السودان واستخدم منسوبيه في الداخل كما قام بإستجلاب الذين هاجروا منهم إلى دول الخليج واليمن وليبيا ليعملوا في وظائف واعمال منها مهن هامشية ليعودوا للبلاد وقد استولى تتظيمهم على الحكم والدولة ليشغلوا مباشرة وظائف الخدمة العامة في الدولة بلا تأهيل او تجارب، وقد تم جلب آلاف من اليمن ومن باب شريف في السعودية ومن العراق ومن سوق الضلام بليبيا مباشرة للوظيفة العامة ليشغلوا مهام القضاء ووزارة العدل وديوان النائب العام وهم يفتقرون لمقومات الوظيفة العامة، بعضهم لم يستخرجوا حتى شهاداتهم الجامعية من الجامعات التي تخرجوا فيها، وكان النظام البائد يرمي إلى تحقيق التمكين.
قبيل اقتلاع النظام البائد بثورة ديسمبر المجيدة لا زلت اتذكر انني ذهبت لوزارة العدل والنائب العام في متابعة وفي مكتب وزير الدولة للعدل والنائب العام والذي كان قد شغل ذلك المنصب في ايامه الأولى وكان ذلك في أواخر عهد النظام البائد، كان وزير الدولة المشار إليه يتحدث مع معاونيه على ضرورة الإلتزام بالنظم العامة في الوزارة والتقيد بالقانون وتطبيقه، وبعد ذهاب احد مساعديه قلت له بانه حينما يختل الإلتزام بالنظم العامة خاصة في الأجهزة العدلية والتي وصلت في ممارساتها ان يتدخل وزير العدل الأسبق عبد الباسط سبدرات لمنع تنفيذ امر قبض صدر ضد رئيس نادي رياضي وبتوجيهات شفهية مثلا ، اوحينما تقوم وزيرة دولة بالوزارة في تاريخ آخر وهي تور الدبة والتي وصلت للوزارة بتقديرات حزبية باستخلاص ابنها من تطبيق القانون والإجراءات الجنائية ضده وتباشر بنفسها وهي في قمة الهرم العدلي العصف بالقانون يصعب الحديث عن دولة قانون ، تحدث وزير الدولة المشار إليه عن حرص الوزارة وعن الوزير وعن نفسه وبان توجيهات صارمة صدرت من الوزير، وفي عهدهما سيطبق القانون بحذافيره، وقال تقدموا لنا في الوزارة بالشكاوي والمذكرات وسترون النتيجة، وسرّد لي قصة طريفة بانه قد تم تعيين مستشارا بالوزارة في وقت سابق وكان ذلك المستشار في أولى ايامه بالوزارة والديوان يأتي وهو يضع على رأسه كاب جوكية سباق الخيل وينظر إلى السماء ويبحلق ثم يخرج، وصادفه يوما ما الوزير على تلك الحالة ومن يومها تم إصدار توجيهات صارمة للتقيد بالمعاينات، وكان ردي له بانه من المؤكد بان التعيين قد تم ومن خلفه زوجة نافذ في النظام ولم يرد، هكذا كانت تدار الدولة واجهزتها وحينما ذهب النظام البائد لم تكن لقوى الحرية والتغيير التي وقعت على الوثيقة الدستورية المعيبة اي خطط استراتيجية كما اغفلت إستعادة الحياة الدستورية للبلاد ولو فعلت ذلك لعاد الجيش إلى ثكناته ولم احتاج الشارع ليطالب مجددا بحل المليشيات والدعم السريع كما وما احتاج الشارع ليطالب بدستور وحكومة مدنية، فبمجرد الإستعادة الإجرائية للدستور المؤقت والمعطل في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م، كانت كل التدابير المتخذة منذ إنقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م تصبح باطلة كما ويفقد الذين حصلوا على الوظائف العامة مثل أولئك الذين جلبوا من سوق الضلام بدولة ليبيا بلا معاينات وتربعوا على الوظائف العامة من خلال القفز على الزانة وسياسة التمكين الحزبي مثل غالبية اعضاء منسوبي النيابة العامة، كما ولم يكن هنالك حاجة إطلاقا لما تم تسميته بقانون التفكيك، فكل التصرفات التي تمت في ظل النظام البائد تصبح باطلة بالإستعادة الإجرائية وكان المطلوب فقط القانون الذي ينظم استرداد واستلام الأموال العامة التي تم اخذها بواسطة مراكز ستكشف الإستعادة الإجرائية بطلانها من منشائها وبمراجعة المراكز التي اُنشئت تحت غطاء القانون .
ونتيجة لعدم إستعادة الحياة الدستورية ظلت الأجهزة الأمنية للنظام البائد مهيمنة وتمارس إنتهاكات حقوق الإنسان حتى في ظل حكومة د حمدوك كأن لم تحدث ثورة بالبلاد، وفي دارفور ظلت اوامر الطوارئ التي اصدرها المخلوع البشير سارية المفعول وكان يطلق عليها بالأوامر المستدامة والمؤسف حقا انه في عهد رئيس الوزراء د عبد حمدوك وفي اواخر عهد مولانا الدومة تمكنت الأجهزة الأمنية بولاية غرب دارفور من اعتقال (٢٨) من المواطنين من اماكن متفرقة ومن دون اسباب وكان ذلك في يوم ٢٥/ ٤/ ٢٠٢١م، وبحسب افادات المعتقلين تدخلت بعض عناصر الإدارات الأهلية لدى الأجهزة الأمنية بالولاية فأفرجت عن سبعة منهم ممن تجمعهم صلات القرابة بالقيادات المشار إليها وبعد قضاء تسعة اشهر كاملة في الجنينة تم نقل المتبقين منهم وعددهم (٢١) محتجزاً إحتجاز غير مشروع إلى سجن الهدى امدرمان.
بحسب إفادة احد المعتقلين المُرحلين وهو النور سنين ناصر لا تجمع بينهم اي صلات او نشاط لا سياسي لا غيره وانهم اعتقلوا من عدة اماكن متفرقة وكان بينهم اطفال وهم تلاميذ بمرحلة الأساس وان (١٢) من المعتقلين بسجن الهدى امدرمان من زملائه ينتمون إلى قبيلة المساليت و (٦) منهم عرب و(واحد) من التاما و(واحد) من البرقو و (واحد) الهوسا ولا تجمعهم اي صلات سابقة كما لا يعرفون بعضهم قبل الاعتقال.
هذه الواقعة فضحت ممارسات الأجهزة الأمنية كما وكشفت عن طغيان ممارسات الأجهزة الأمنية في ظل حكومة حمدوك وقد تعاظمت الإنتهاكات التي صارت مقننة عقب ذهابه .
علمنا في هيئة محامي دارفور بهذه الواقعة الصادمة بالمصادفة من خلال إتصالات من بعض ذوي المعتقلين ثم من المعتقلين انفسهم وفور سماعنا تقدمنا بمذكرة للنائب العام المكلف والحقنا المذكرة بمتابعات كما تواصلنا مع النائب العام السابق مولانا مبارك محمود والذي بدوره تحرك حتى يجد المحتجزين حقهم في العدالة والإنصاف ويلحقوا بفرحة العيد المبارك مع ذويهم، ولكن نما إلى مسامعنا بان النائب العام المكلف مولانا خليفة احمد خليفةر تاخر في الفصل في الطلب بسبب مرضه وقد لزم منزله ، وفي مؤسسات الدولة المحترمة لا يعطل المرض عمل الدولة بخاصة الأعمال المرتبطة بالحقوق والحريات ووقف الإنتهاكات من قبيل شاكلة الممارسات المذكورة، بل في دولة القانون حينما يصل إلى مسامع النائب العام، (إذا لم يكن خاضعا للتاثير السياسي) حتى من دون اي مذكرة او طلب بمثل هذه الوقائع والإنتهاكات الجسيمة لهرع بنفسه بالإنتقال الفوري إلى مكان إرتكاب جريمة الإحتجاز غير المشروع ولقام بإنفاذ القانون.
من الأطفال الذين تم احتجازهم بحسب افادة احدهم بانه من المحاميد وانه تم اعتقاله ثم ترحيله إلى سجن الهدى وهو لا يعلم السبب فقط قبضوه وحبسوه ونقلوه وان من قام بذلك الدعم السريع.
في المتابعة هنالك إفادات غريبة بان المحتجزين قد يصلحوا كشهود والمعروف ان الشاهد إذا امتنع عن تكليف أَوامر المحكمة تتخذ المحكمة بشأنه الإجراء المناسب وهنا ليست هنالك بلاغات جنائية مفتوحة أومنظورة امام اي محكمة او جرائم مرتكبة في الأساس، كما وهنالك قواعد بشأن حماية الشهود لا حبسهم ووصفهم بأمانات لدى السجن ،
السؤال، اترى هل قد تكون هنالك شهادة محتملة بوقائع وقد تكون منتجة في جرائم ارتكبت بالفعل يمكن ان يقدمها هؤلاء المحتجزين الذين احتجزوا بالمخالفة للقانون بما فيهم الأطفال والذين وضعوا أمانات ولاية غرب دارفور بسجن الهدى امدرمان في سابقة ليست لها اي مثيل في تاريخ الممارسة الأمنية والعدلية بالبلاد، وعماذا يخشى هولاء الذين يقفون خلف هذه الإجراءات وعلى انفسهم من الأطفال تلاميذ مرحلة الأساس الذين حرموا من مدارسهم وحبسوا مع بالغين بمعتقلات الجنينة ثم بسجن الهدى.
(هذه هي الدولة في عهد البرهان وحميدتي) وسبحان الله.