7/17/2022 7:14:31 AM
تراجع السودان عن منح روسيا قاعدة عسكرية في البحر الاحمر
تعتقد المخابرات الأمريكية أنّ السودان رفض طموحات موسكو في إنشاء أول قاعدة بحرية لها في أفريقيا.
تراجعت آمال روسيا في إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، وفقًا لمسؤولين استخباراتيين أمريكيين تحدّثوا لـ”فورين بوليسي” شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
وكان المسؤولون الأمريكيون يراقبون عن كثب الصفقة بين موسكو والخرطوم، والتي تم الإعلان عنها لأول مرة في أواخر عام 2020. وكان من المقرر أن تمنح الصفقة – إذا تم إبرامها – لروسيا موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر، حيث تمر حوالي 30% من حركة الحاويات في العالم في كل عام.
وستكون القاعدة البحرية هي الأولى لروسيا في أفريقيا، والتي يخشى المسؤولون الأمريكيون أن تستخدمها موسكو لإبراز قوتها في مناطق أبعد بالمحيط الهندي.
ولكن على ما يبدو أن طموحات روسيا البحرية في البحر الأحمر تتعارض مع الديناميكيات الداخلية المعقدة داخل القيادة العسكرية السودانية، التي استولت على السلطة من حكومة انتقالية بقيادة مدنية في أعقاب انقلاب في أكتوبر من العام الماضي. وعلى الرغم من أن نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد، الجنرال محمد حمدان دقلو – المعروف باسم حميدتي – قد احتضن موسكو، إلا أن قائد الانقلاب ورئيس الدولة الفعلي، الجنرال عبد الفتاح البرهان، سعى إلى تجنب تنفير الغرب وحلفائه الرئيسيين الآخرين في المنطقة، بما في ذلك مصر.
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي “إنهم (القيادة العسكرية) مترددون جداً في منح روسيا إمكانية الوصول إلى هذا الميناء. إنهم يواصلون محاولة التأخير والقيام بتكتيكات التأخير”، وأضاف: “نرى أنه من غير المرجح أن يتم إبرام اتفاق بشأن القاعدة الروسية في بورتسودان في أي وقت في المستقبل القريب، وأن روسيا تتطلّع إلى البحث عن خيارات أخرى إذا لم تنجح في الحصول على قاعدة بورتسودان”.
في السنوات الأخيرة، حققت روسيا تقدماً كبيراً في أفريقيا كجزء من طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوسيع نفوذ بلاده العالمي على الرغم من تضاؤل قوتها الناعمة واقتصادها الهزيل. وحتى في الوقت الذي توجه فيه موسكو مواردها العسكرية في غزوها الفاشل لأوكرانيا، فقد وسعت بصمتها في المناطق غير المستقرة ومناطق الصراع في أفريقيا، بما في ذلك مالي وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. فقد استفادت من مبيعات الأسلحة، وحملات التضليل، وما يُسمى بمجموعة فاغنر المرتزقة، التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها وكيل للجيش الروسي، مما أعطى الكرملين تأثيراً خارجياً مقارنة باستثماراته الأجنبية المباشرة الصغيرة في القارة.
وقال جوزيف سيجل، مدير الأبحاث في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يوم الخميس: “يمكن القول إن روسيا اكتسبت نفوذاً أكبر في أفريقيا على مدى السنوات القليلة الماضية من أي جهة خارجية فاعلة أخرى”.
وتذبذت المناقشات حول القاعدة البحرية الروسية في السودان على مر السنين، مما دفع بعض المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت غير مطروحة للنقاش حقاً.
وقال سيجل لـ”فورين بوليسي”: “أعتقد أن ما يحاول الجيش السوداني القيام به هو اللعب على جميع الجوانب. إنهم يريدون مغازلة الروس، ولكن في الوقت نفسه، أعتقد أن الجيش يدرك أن الروس لا يجلبون الكثير من المال، وأن أي أموال، أي رأس مال استثماري، يجب أن يأتي من خلال عودة المانحين الغربيين”.
ولم ترد السفارة السودانية في واشنطن على طلب للتعليق. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “إن المضي قدماً في مثل هذا الاتفاق البحري أو أي شكل آخر من أشكال التعاون الأمني مع روسيا من شأنه أن يزيد من عزلة النظام العسكري بالسودان ويقوض الاستقرار في القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر بشكل عام”.
وبدأت المحادثات بين بوتين والرئيس السوداني السابق عمر البشير حول التفاوض على وجود بحري روسي محتمل في السودان العام 2017.
وبعد الإطاحة بالبشير في انتفاضة شعبية عام 2019، تم تجميد الاتفاق في الوقت الذي سعت فيه حكومة انتقالية إلى إنهاء العُزلة الدولية للبلاد.
وفي أواخر عام 2020، بدا أن موسكو توقع وتنشر من جانب واحد نسخة من اتفاقية إنشاء القاعدة التي تمتد لـ25 عاماً، في محاولة واضحة لإجبار السودان على ذلك.
ودعت نسخة من الاتفاق إلى السماح لموسكو بالاحتفاظ بما يصل إلى 4 سفن بحرية متمركزة على ساحل البحر الأحمر السوداني. وفي المقابل، كانت روسيا ستزود السودان بمعدات عسكرية ومساعدات حكومية أخرى.
لكن رئيس أركان الجيش السوداني الفريق أول محمد عثمان الحسين قال في يونيو 2021، إنّ الاتفاق قيد المراجعة، مشيراً إلى أن المجلس التشريعي، وهو الهيئة المسؤولة عن الموافقة على مثل هذه الإجراءات خلال الحكومة الانتقالية، لم يتم تشكيله بعد.
وتمثل الانتكاسة انتصاراً صغيراً مُحتملاً للولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه إلى إضعاف نفوذ كبار منافسيها الجيوسياسيين في أفريقيا، حيث تسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما من خلال تعميق التعاون الأمني مع الحكومات الأفريقية، على الرغم من أن الحكومات الأفريقية تشعر بالقلق من تصويرها على أنها بيادق في منافسة جيوسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وقال شيدي بلايدن، وهو مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون الأفريقية، للجنة في مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع يوم الثلاثاء: “إن خصومنا يدركون جيداً الإمكانات الاستراتيجية لأفريقيا ويكرسون الموارد والوقت لتعزيز شراكاتهم في القارة”. “وكجزء من مشاركتها، توفر روسيا و[الصين] بشكل روتيني مواد تدريبية ودفاعية للدول الأفريقية”.
عبر أفريقيا، يتم إرسال مرتزقة ونشطاء سياسيين مرتبطين بروسيا من مجموعة فاغنر – وهي شبكة من الشركات ومجموعات المرتزقة المتحالفة بشكل وثيق مع وزارة الدفاع الروسية – لتأمين الوصول إلى احتياطيات الموارد الطبيعية المربحة مع دعم الأنظمة المحاصرة، وغالبًا ما يغادرون تاركين في أعقابهم اتهامات بارتكاب فظائع لا تُوصف.
وأعرب مسؤولون أمريكيون وفرنسيون، عن قلقهم من الفظائع التي ارتكبتها مرتزقة فاغنر في مالي، حيث أحبط المجلس العسكري التعاون مع الدول الغربية بشأن التعاون في مكافحة الإرهاب، وبدأ في تعزيز العلاقات مع روسيا بعد تولي السلطة في انقلاب العام الماضي. وتعمل مجموعة فاغنر في السودان منذ عام 2017، حيث حصلت على امتيازات تعدين الذهب المربحة، وقدمت الاستشارات السياسية للبشير قبل الإطاحة به من السلطة.
وفي السنوات التي تلت ذلك، حاول الروس أيضًا اللعب على جانبي السياج مع سماسرة السلطة الرئيسيين في السودان، كما يعتقد المسؤولون والخبراء الأمريكيون، وهو ما أشارت إليه زيارة حميدتي إلى موسكو في فبراير/ شباط، وهي الزيارة التي تزامنت مع قرار روسيا بشن غزو واسع النطاق لأوكرانيا.
وقال كاميرون هدسون، الخبير في العلاقات الأمريكية الأفريقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إن استراتيجية روسيا في السودان كانت تطوير العلاقات مع الجانبين: استخدام مجموعة فاغنر لتطوير علاقات تجارية وغير رسمية مع حميدتي، مع محاولة توطيد العلاقات العسكرية الثنائية الرسمية مع البرهان.
ومع ذلك، قال خبراء إن روسيا قلقة أيضًا من التورط في صفقة موانئ كبرى، حيث لا تزال الأزمة السياسية في السودان في حالة تغير مستمر، ولا تزال الحكومة العسكرية تصارع من أجل الحفاظ على قبضتها على السلطة في مواجهة رد فعل شعبي واسع النطاق ومظاهرات حاشدة من أجل انتقال ديمقراطي.
وقال هدسون، – الذي عمل سابقاً في وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية -: “من الواضح أن هناك أزمة سياسية بالسودان في الوقت الحالي، ودور الجيش موضع تساؤل”. “إن الرمال السياسية تتغير كثيراً في السودان في الوقت الحالي، لدرجة أن هذا النوع من الترتيبات، حتى لو تم الإعلان عنه كما تم، سيكون موضع تساؤل”.
روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تضغط من أجل المزيد للوصول إلى موانئ البحر الأحمر في المنطقة. مؤخراً دخلت الإمارات في المعركة في الأسابيع الأخيرة، حيث طرحت صفقة ميناء بقيمة 6 مليارات دولار من شأنه أن ينافس ميناء بورتسودان. إن رغبة الحكومة الواضحة في استمالة المستثمرين الأجانب – حتى في الوقت الذي تواجه فيه حسابات سياسية – هي علامة للخبراء على أن المزيد من أصول الدولة جاهزة للاستيلاء عليها. وعلّق هدسون: “إنه مجرد استيلاء على المال”. “إنهم مفلسون تماماً، لذا فهم يبيعون أصول الدولة بأسعار عالية لأنهم بحاجة إلى ضخ نقدي”.
وتشهد المنطقة ازدحاماً، حيث أنشأت الصين أول قاعدة بحرية خارجية لها في جيبوتي عند مدخل البحر الأحمر. وتعتبر جيبوتي أيضًا موطناً للقاعدة الأمريكية الدائمة الوحيدة في أفريقيا.
ويعتقد مسؤولو المخابرات الأمريكية أن آمال روسيا في إنشاء قاعدة ببورتسودان قد تكون بعيدة عن الأنظار، فقد قالوا إن من المرجح أن تبحث موسكو عن خيارات أخرى على طول ساحل البحر الأحمر.
على سبيل المثال، في عام 2018، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مُحادثات مع نظيره الإريتري، عثمان صالح، حول إنشاء مركز “لوجستي” على الساحل الإريتري، ظاهرياً للزراعة والتجارة، ولكنه يُمكن أن يؤدي أيضاً إلى تعاون عسكري أوثق.
وعلّق مسؤول كبير في المخابرات الأمريكية قائلاً: “ربما لا يكون هذا شيئاً يجب القيام به غداً”. “هذا وصول استراتيجي طويل الأجل، وهو أمرٌ يحاولون الوصول إليه، لذلك قد يكون هناك نهج الانتظار والترقُّب”.
المصدر: فورين بوليسي