الخميس, نوفمبر 20, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةإثيوبيا وإريتريا: جذور التوتر ومعادلات الأمن المتعارضة في القرن الإفريقي

إثيوبيا وإريتريا: جذور التوتر ومعادلات الأمن المتعارضة في القرن الإفريقي

ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
ملخص ورقة سياسات:
قدم وزير الخارجية الإثيوبي، جيديون تيموثيوس هسسبون، في خطاب ألقاه بجامعة أديس أبابا، تصوراً شاملاً للسياسة الخارجية الإثيوبية إزاء التطورات الراهنة، واضعاً مجموعة من المرتكزات التي تسعى من خلالها إثيوبيا إلى تفسير دوافع التوتر وتحديد مقاربتها المستقبلية. في وقت تشهد منطقة القرن الإفريقي حالة متجددة من التوتر بين إثيوبيا وإريتريا، تعكس جذوراً عميقة في بنية العلاقة بين الدولتين وتعيد إبراز التباينات الكبيرة في رؤيتهما للأمن الإقليمي.
المعطيات:

  • ترى أديس أبابا أن حاجتها للوصول إلى البحر تمثل ضرورة وجودية للدولة الإثيوبية، إذ يستند اقتصاد يعتمد عليه أكثر من 130 مليون نسمة إلى ممرات تجارية مستقرة وآمنة تتيح استمرارية النمو. ولذلك، تعتبر إثيوبيا أن ضمان منفذ بحري آمن ليس مطلباً تفاوضياً، بل جزءاً من أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي. ويترافق هذا المطلب مع تأكيد إثيوبي قوي على مفهوم “الاستقلالية الاستراتيجية”، الداعي إلى رفض أي ترتيبات إقليمية أو تدخلات خارجية تهدف إلى إضعاف دول المنطقة أو فرض مسارات سياسية تجعلها تابعة أو منفصلة عن مصالحها الوطنية.
  • يتهم الخطاب الإثيوبي القيادة الإريترية بانتهاج سلوك سياسي وأمني يصطف بصورة متكررة مع الأطراف المناهضة لإثيوبيا، الأمر الذي تعتبره أديس أبابا سلوكاً لا يعزّز الاستقرار الإقليمي ولا ينسجم مع متطلبات بناء بيئة آمنة في القرن الإفريقي. ويذهب الخطاب إلى أن قلب السياسة الإريترية يرتكز على ما يسميه “عقيدة إسياس”، وهي عقيدة تتبنى فكرة أن أمن إريتريا وبقاء نظامها السياسي مرهونان بحالة الضعف أو الانقسام أو عدم الاستقرار داخل إثيوبيا. وترى أديس أبابا أن اعتماد مثل هذه العقيدة يؤدي إلى استدامة الصراع بدل إرساء أسس سلام طويل الأمد.
  • تضيف إثيوبيا إلى ذلك، أن القوات الإريترية تنتشر داخل عدد من الإدارات المحلية التابعة لسيادتها، وأن أسمرة تقدّم دعماً مادياً لجماعات مسلحة مناهضة للحكومة الإثيوبية. وتشدد على أن هذه الأفعال تشكل انتهاكاً لسيادتها وتعدياً واضحاً على القانون الدولي، يخولها ممارسة حقها في الدفاع عن النفس. ورغم امتلاكها هذا الحق، فإن إثيوبيا تؤكد أنها اختارت ضبط النفس حرصاً على عدم الانزلاق إلى حرب مفتوحة ذات كلفة بشرية وإقليمية عالية، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى أن هذا الضبط لا يمكن أن يكون غير محدود أو غير مشروط.
  • رغم هذا المناخ المتوتر، تطرح إثيوبيا مقاربة بديلة تسعى إلى تقديم التكامل الاقتصادي كمدخل لمعالجة جذور التوترات الأمنية بين الدولتين. فهي ترى أن الاندماج الاقتصادي المؤسسي قادر على بناء الثقة وتعزيز التعاون الأمني على المدى البعيد، بما يحدّ من دوافع الصراع التقليدية. وتدعو الحكومة الإثيوبية إلى حوار بنّاء مع إريتريا، وتناشد المجتمع الدولي ممارسة ضغط متوازن يشجع أسمرة على التخلي عن سياسات الاستفزاز والانخراط في مسار سياسي يهدف إلى خلق بيئة مستقرة ومتعاونة.
    مقاربات اسمرة واديس ابابا:
  • تحليل هذه المرتكزات يشير إلى أن التوتر بين البلدين ليس وليد اللحظة، بل يعكس اختلافاً عميقاً في الرؤية الاستراتيجية، حيث تستند إثيوبيا إلى مقاربة تنموية تضع الوصول إلى البحر في صلب أمنها القومي، فيما تعتمد إريتريا على منطق “التوازن عبر الإضعاف” الذي يرى في قوة إثيوبيا تهديداً وجودياً. وقد أدى هذا التعارض البنيوي إلى دورة طويلة من انعدام الثقة والاحتكاكات الحدودية، كان آخرها الاتهامات الإثيوبية بالوجود العسكري الإريتري داخل أراضيها ودعم جماعات مسلحة. وتضع هذه المعطيات إثيوبيا أمام معادلة حساسة: الحفاظ على حقها السيادي في الرد من جهة، وتجنب التصعيد العسكري الشامل من جهة أخرى، خاصة في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها بعد حرب تيغراي.
  • على الرغم من هذا التعقيد، فإن الطرح الإثيوبي يبرز توجه براغماتي يقوم على أولوية التنمية والاستقرار على حساب المواجهة المستمرة. فالمسار الاقتصادي التكاملي يمثل، وفق الرؤية الإثيوبية، الآلية الأكثر قدرة على تفكيك بنية الصراع التاريخي عبر خلق مصالح مشتركة تشجع على التهدئة. غير أن نجاح هذا المسار يظل مرتبطاً بمدى استعداد إريتريا لإعادة النظر في عقيدتها الأمنية، وبمدى توفر دعم دولي وإقليمي منظم يدفع نحو حوار شامل يضمن احترام السيادة ويؤسس لبيئة من التعاون المستدام.
  • في ضوء ذلك، تبدو المنطقة أمام مسارين محتملين: الأول يتمثل في استمرار نمط العداء التقليدي بين إثيوبيا وإريتريا، بما يحمله من مخاطر على استقرار القرن الإفريقي وتعميق هشاشته؛ والثاني يقوم على إحداث تحول استراتيجي نحو تكامل اقتصادي وسياسي قادر على معالجة جذور الصراع وبناء أمن طويل الأمد. وبينما تظهر إثيوبيا استعداداً واضحاً للحوار وتجنب التصعيد، تبقى الخطوة التالية رهن تغيّر في النهج الإريتري ودور فعّال للمجتمع الدولي في دعم خيار الاستقرار.
    الخلاصات:
    ** ينطلق الصراع من اختلاف جذري في العقيدة الأمنية للدولتين: فإثيوبيا تعتبر الوصول إلى البحر ضرورة وجودية لأمنها القومي، بينما تبني إريتريا أمنها على إبقاء إثيوبيا في حالة ضعف وهشاشة، وفق ما تسميه أديس أبابا “عقيدة إسياس”.
    ** إثيوبيا ترى أن السلوك الإريتري يهدد الاستقرار الإقليمي، إذ تتهم أسمرة بدعم جماعات مسلحة، ووجود قوات داخل الأراضي الإثيوبية، واتباع سياسة اصطفاف مع الخصوم الإقليميين لإثيوبيا، بما يفاقم حالة عدم الثقة ويعيد إنتاج التوتر.
    **إثيوبيا تطرح بديلاً يقوم على التكامل الاقتصادي الإقليمي، فهي ترى أن الاندماج الاقتصادي يمكن أن يخفف من النزعات العدائية ويخلق مصالح مشتركة تُحوّل مسار الصراع من المواجهة إلى التعاون. كما تدعو المجتمع الدولي للضغط على إريتريا للانخراط في حوار حقيقي.
    ** تقف المنطقة أمام سيناريويهن رئيسيين، استمرار التوتر والعداء، بما يعمّق هشاشة القرن الإفريقي ويزيد مخاطر الصراعات الحدودية. او تحول استراتيجي نحو التكامل السياسي والاقتصادي، وهو السيناريو الذي تفضله أديس أبابا، لكنه يتطلب إرادة إريترية وتدخلاً دولياً منظماً.
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات