الأحد, ديسمبر 28, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال وآثاره على أمن البحر الأحمر

الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال وآثاره على أمن البحر الأحمر


ذوالنون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 26 ديسمبر 2025 اعتراف إسرائيل رسميًا بـ “جمهورية أرض الصومال” ذات الحكم الذاتي كدولة مستقلة وذات سيادة، في خطوة وصفها مكتب نتنياهو بأنها “تتماشى بروح اتفاقيات إبراهيم لتوسيع التطبيع مع العالم العربي” (رويترز). هذا الإعلان جاء في لحظة حسّاسة على المستويات الإقليمية والدولية، ما أثار نقاشات واسعة حول انعكاساته على الأمن الإقليمي، القانون الدولي، والنظام الأفريقي.
الإطار الدولي وردود الفعل الرسمية:
ردّت وزارة الخارجية الصومالية على الاعتراف الإسرائيلي باعتباره انتهاكًا لوحدة وسيادة أراضي الصومال، وهو ما ورد في بيان رسمي نشره الإعلام الصومالي. دول عربية وإفريقية أخرى عبّرت عن رفضها للإجراء، حيث دانت مصر وتركيا وجيبوتي الاعتراف، بينما أعلنت السعودية دعمها الكامل لـ “سيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها”، معتبرة الاعتراف “خطوة أحادية لا تتوافق مع القانون الدولي” (بيانات رسمية من وزارات خارجية مصر والسعودية وجيبوتي وتركيا، (ABC News).
وفي الوقت ذاته، أثار الاعتراف الإسرائيلي اهتمام صحف ومراكز تحليلية غربية. فقد أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن هذه الخطوة تمثل أول اعتراف دولة من نوعه من دولة غربية أو شرق أوسطية، وهو أمر لم يحدث منذ إعلان أرض الصومال استقلالها الأحادي عام 1991.
التحليل الجيوسياسي: من خطوة ثنائية إلى عقدة إقليمية:
يمثّل الاعتراف الإسرائيلي بـ “أرض الصومال” أكثر من إجراء دبلوماسي ثنائي؛ فهو يحمل أبعادًا جيوسياسية تشير إلى دور إسرائيلي متنامٍ في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. وقد ذهب محللون في رويترز إلى أن موقع أرض الصومال الاستراتيجي المطل على خليج عدن وقربه من اليمن يجعل الاعتراف ذا بعد أمني واضح، خصوصًا في سياق الصراع مع الجماعات الحوثية المدعومة من إيران.
ويُنظر إلى الخطوة أيضًا كإشارة لتعميق الوجود الاستخباراتي والإستراتيجي في المنطقة، وهو ما أكد عليه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تقرير صدر في نوفمبر 2025، حين رأى أن أرض الصومال يمكن أن تصبح قاعدة مراقبة استخبارية للحوثيين، مركز دعم لوجستي للحكومة اليمنية الشرعية، ومنصة محتملة لعمليات مباشرة ضد الجماعة ذاتها،) المعهد الإسرائيلي نوفمبر 2025(.
ومع انتشار أنباء عن زيارات لمسؤولين عسكريين أميركيين كبار إلى أرض الصومال، بما في ذلك كبار ضباط القيادة الأميركية في القرن الأفريقي، وتوقع زيارة وفد أميركي إضافي قريبًا، أُشير في تقارير إعلامية إلى انقسامات داخل الإدارة الأميركية حول الاعتراف، حيث يخشى بعض كبار المسؤولين أن يعرّض الاعتراف التعاون الأميركي الأوسع في الصومال ضد الجماعات الإرهابية للخطر (ABC News).


الجانب القانوني: الاعتراف والقانون الدولي والنظام الأفريقي:
من زاوية القانون الدولي، تبقى الخطوة الإسرائيلية مثار جدل قانوني. فمن ناحية، يقيس القانون الدولي وجود الدولة بحسب معايير “اتفاقية مونتفيديو” (1933)، التي تحدد عناصر الدولة بوضوح: شعب مستقر على الدوام، إقليم محدد، حكومة، وقُدرة على الدخول في علاقات دولية. ورغم أنّ أرض الصومال تتمتع بهياكل إدارية مستقرة، إلا أن غياب الاعتراف الدولي العام، بما في ذلك من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، يعني أن اعتراف دولة منفرد لا يحدث تحولًا قانونيًا مستقراً في وضع الإقليم، أمنيًا أو سياديًا.
أضف إلى ذلك أن الاتحاد الأفريقي يتبنى نهجًا قانونيًا يتمثّل في الحفاظ على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار لمنع الانفصال المفرط والتفكك الحاصل للدول الأعضاء. وقد عبّر الاتحاد الأفريقي عن رفضه الواضح لأي اعتراف خارجي بمنطقة انفصالية خارج مسار دستوري أو داخلي متفق عليه، معتبرًا في قرارات قمة سابقة – كما نقلت CBS News عن هيئات الاتحاد – أن أي تغيير في الحدود يجب أن يكون نتيجة تفاهم داخلي أو مسار مقرر من المجتمع الدولي.
وبناء عليه، فإن الاعتراف الإسرائيلي يُعدّ مخالفة ضمنية لهذه القواعد؛ فهو لا يغيّر الوضع القانوني للصومال في الأمم المتحدة ولا يعترف به الاتحاد الأفريقي كدولة ذات سيادة، لكنه يضع المبدأ القانوني أمام اختبار حقيقي في ظل توترات السياسة الدولية التي تتشابك مع الاعتبارات الأمنية.

الانعكاسات الإقليمية والدولية للأمن البحري والسياسي:
من منظور أمني، قد يسهم الاعتراف في تحويل المنطقة من فضاء نابض بالتعاون الإقليمي إلى ساحات تنافس استخباراتي ودبلوماسي. الصحف الغربية – مثل الغارديان ورويترز – أشارت إلى أن هذا الاعتراف قد يُعقّد وضع البحر الأحمر وساحل القرن الإفريقي، حيث تتقاطع مصالح مصر ودول الخليج، وأمن الملاحة في باب المندب، وقربها من اليمن، ما يجعل المنطقة أكثر عرضة للتدخلات الخارجية والصراعات غير المباشرة.
بالنسبة للصومال نفسه، فإن الاعتراف يشكل انتهاكًا مباشرًا لوحدته السياسية ويضع الحكومة الفيدرالية في موقف دفاعي، مع احتمال تصعيد دبلوماسي قوي من مقديشو ضد إسرائيل والدول التي قد تحذو حذوها. ويمكن أن يُسهِم ذلك في منح الأصوات الانفصالية مزيدًا من الشرعية السياسية داخليًا، ويُعقّد العلاقات مع الأقاليم الأخرى في الصومال.
أما على المستوى الإقليمي، فيرى مراقبون أن الاعتراف قد يؤثر على مواقف دول مثل إثيوبيا، التي قد تدعم الخطوة ضمنيًا بسبب مصالحها في الوصول إلى منفذ بحري، لكنها في الوقت نفسه تخشى تداعيات عدوى الانفصال داخل أراضيها؛ بينما تتعامل جيبوتي مع التطور كتهديد وجودي لحضورها الاقتصادي والعسكري كمركز عبور بحري عالمي، وهو ما نقلته ABC News عن مصادر دبلوماسية.
ومن زاوية أخرى، ترى القاهرة أن وجود أي نفوذ إسرائيلي مباشر قرب باب المندب قد يشكّل تهديدًا للأمن القومي ولأمن خطوط الملاحة في البحر الأحمر، في وقت يتسع فيه نطاق الصراعات في الشرق الأوسط، خاصةً في ظل الصراع في غزة وتوازنات النفوذ الإيراني والعربي.
خلاصة التقدير:
1. تكلفة سياسية عالية: إذا ظل الاعتراف معزولاً دوليًا، فإن أثره السياسي سيدفع ب”أرض الصومال” نحو عزلة أكبر في الساحة الدولية، ما قد يحوّله إلى كيان رمزي، لكنه يكبد الإقليم وأطرافه الداخلية كلفة دبلوماسية غير مسبوقة.
2. تصعيد محتمل: الخطوة تُنبئ بإمكانية تصعيد دبلوماسي في علاقات إسرائيل مع الدول العربية والإفريقية، غير بعيد عن تحوّلات محتملة في ملفات أخرى تتداخل فيها المصالح الأمنية والاقتصادية.
3. تأثيرات على استقرار القرن الإفريقي: الاعتراف لا يخدم الاستقرار الإقليمي، بل يُمكن أن يكون محفزًا على عدوى انفصالية في دول إفريقية أخرى، ويدخل المنطقة في حسابات صراع شرق أوسطي أوسع، ما يُعرّض الأمن البحري في البحر الأحمر والتوازنات الإقليمية لخيارات أكثر حدة.
4. منطقة اشتباك دولي: الخطوة تحوّل منطقة كانت مستقرة نسبيًا إلى نقطة احتكاك محتملة في صراع دولي وإقليمي على النفوذ والموارد والأمن البحري.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات