الخميس, أغسطس 21, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالبطون الخاوية في فاشر السلطان : الامباز من طعام للمواشي إلى طعام...

البطون الخاوية في فاشر السلطان : الامباز من طعام للمواشي إلى طعام البشر … الفاشر تتلوى من الجوع !!

البطون الخاوية في فاشر السلطان : الامباز من طعام للمواشي إلى طعام البشر … الفاشر تتلوى من الجوع !!

تقرير: حسين سعد
في مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، تتكشّف مأساة صامتة، لا تطرق أبواب الشاشات، كما تفعل أصوات المدافع، مأساة الجوع التي تزحف على بطون الأطفال، وأجساد النساء، والشيوخ، بلا ضجيج ولا عنف، لكنها تفتك بكرامة الإنسان وأحلامه في الحياة، هناك، حيث كانت المائدة الدارفورية تزدهر بالتنوع والبهارات والعطاء، صارت الموائد خاوية، وأصبح (الأمباز) بقايا عصر الفول السوداني التي كانت تُرمى من قبل – أصبحت الوجبة الوحيدة في بيوت كثيرة… في فاشر السلطان، لا تُقاس المعاناة بعدد القتلى فقط، بل بعدد الأمهات اللواتي يُرضعن أطفالهن، وهُن جائعات، وبعدد الوجبات التي لم تُطبخ، وبعدد الأمعاء الخاوية، التي تعوّدت على الصمت، فالحرب المستعرة، جعلت من الغذاء ترفاً لا يملكه إلّا من نجا من الحصار والقصف، ونهب المخازن… الأسواق إنهارت، سلاسل الإمداد انقطعت، والمزارع أصبحت ميادين قتال، وفي ظل هذا الخراب، خرج الناس يبحثون عن ما يُبقيهم على قيد الحياة، فوجدوا في (الأمباز) تلك المُخلّفات التي لا تُؤكل عادة – طوق نجاة مؤقت، لا يسد الرمق، لكنه يؤخر الموت…

نساء الفاشر يصنعن العجائن من (الأمباز) ويخلطنه بالماء، ليُطعمن أطفالاً لا يعرفون طعم الحليب، رجال يطحنون القِشِر، ويجففون المخلفات ليطهوها على نار الأمل، أطفال يفتشون في المزابل عن ما يصلح للأكل، بينما العالم يكتفي بالصمت أو البيانات الباردة … الحديث هنا ليس عن مجاعة قادمة، بل عن جوع حاضر، ينهش الأجساد في صمت ويهدد بكارثة إنسانية وشيكة، فاشر (أبو زكريا) اليوم تمشي على حافة الهاوية، وأهلها يصارعون من أجل البقاء، بلا دواء، بلا ماء، بلا غذاء، إلّا ما تجود به مخلفات الطعام.

هذا التقرير الصحفي، يأخذكم إلى قلب المعاناة، حيث تُروى القصص على نار الصبر، وتُكتب المأساة بدموع الجياع، علّ من يسمع يُدرك، أن الصمت جريمة، وأن الجوع حرب لا تقل بشاعة عن الرصاص… في أزقة الفاشر، وأحيائها الشعبية، تغيّر شكل الحياة، وانقلبت أولويات الناس من البحث عن الأمن أو العلاج، إلى رحلة يومية مرهقة في سبيل لقمة تسدّ الجوع، الجوع لم يعد مجرد حالة طارئة، بل تحوّل إلى واقع دائم، يفرض شروطه القاسية على الجميع، حتى أولئك الذين كانوا يملكون يوماً قوت يومهم، أصبحوا بدون“ !.

صمت العالم يقتل الفاشر جوعاً

الأسواق بالفاشر التي كانت تعجّ بالخضروات، واللحوم، والبضائع، من كل مكان، تحوّلت إلى هياكل خاوية، لا صوت فيها سوى، لباعة يحاولون بيع ما تبقى من بقايا الغذاء، بأسعار لا تطالها أيدي الفقراء … التجار غادروا، المخازن نُهبت، الطرق قُطعت، والسلع الأساسية أصبحت حلماً بعيد المنال، أما المنظمات الإنسانية، فوجودها شحيح، وحركتها محدودة، بسبب انعدام الأمن، والتضييق، وعدم القدرة على الوصول. في ظل هذه الظروف، ظهرت أنماط جديدة من التضامن الشعبي، لكن الجوع أقوى من الإحسان، الناس يتقاسمون القليل الذي يملكونه، لكن، الكارثة أكبر من قدرتهم على المواجهة، حتى المنظومات الصحية أصبحت عاجزة عن التعامل مع حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، التي تتزايد بشكل مرعب، الوجوه باتت شاحبة، والأجساد نحيلة، والعيون تروي الحكاية قبل اللسان، ورغم كل هذا، لا تزال الدولة غائبة، والعالم يكتفي بالمراقبة، لا خطط عاجلة، لا جسر إغاثي فاعل وشافي وكافي، ولا ضغط حقيقي لإيصال المساعدات أو وقف الحرب التي حوّلت الغذاء إلى سلاح ضد المواطنين، وفي هذا المشهد الكارثي، تتعالى صرخات الأمهات، في الفاشر، الجوع ليس مجازاً، بل حقيقة تُعاش بكل تفاصيلها المؤلمة، و(الأمباز) ليس مجرد طعام الطوارئ، بل رمز لانهيار كل شيء: الاقتصاد، الأخلاق، والضمير الإنساني. هي محاولة لرصد أوجاع وآلام وأحزان الناس عن قرب، ووضعها أمام العالم، عسى أن تُسمع النداءات ويُكسر الحصار الصامت قبل فوات الأوان.

الأمباز شاهد على الإنهيار

يقول مواطنون في حديثهم مع (سودانس ريبورترس) إن أسعار المواد الإستهلاكية، ارتفعت بنسبة كبيرة، وسط إختفاء شبه تام لبعض السلع من الأسواق، وأرجع بعض التجار في الفاشر إرتفاع الأسعار وشح الحصول علي السلع الإستهلاكية، إلى صعوبات الوصول إلى المدينة، بسبب الحصار المفروض على الطرق البرية، وتعطل الإمدادات من الولايات الأخرى، بالإضافة إلى شح السيولة، وغياب الرقابة الحكومية، وأضافوا: نضطر لشراء السلع من مناطق بعيدة بأسعار مضاعفة، وبتكلفة نقل مرتفعة جداً، ممّا ينعكس على أسعار البيع للمواطنين، وفي ظل إستمرار الأزمة، تُعاني شريحة واسعة من السكان، خاصة الأسر النازحة والفقيرة، من انعدام الأمن الغذائي، ونقص الخدمات الصحية، في وقتٍ يشهد فيه الوضع الإنساني في دارفور تدهوراً خطيراً.

من جهته قال المدافع الحقوقي، والباحث بالمركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام، الأستاذ محمد بدوي، في حديثه مع (سودانس ريبورترس) إن سعر كورة الدخن بلغ (81) ألف جنيه نقداً، ومبلغ (140) ألف جنيه عبر تطبيق بنكك، والسكر (45) ألف جنيه نقداً، ومبلغ (90) ألف جنيه للكيلو عبر بنكك، بينما بلغ سعر ملح الطعام للكيلو (18) ألف جنيه نقداً، ومبلغ (315) ألف جنيه عبر بنكك، والدقيق مبلغ (80) ألف جنيه نقداً ومبلغ (120) ألف جنيه عبر بنكك،… ورداً علي سؤال (سودانس ريبورترس) بشأن هذه الإسعار مقرونة مع الندرة، ومقرؤة مع سؤال أخر، حول كم عدد المدنيين بالفاشر، ووضعهم الصحي والإقتصادي ؟. أجاب بدوي الإحصائيات غير الرسمية، والتي تعبر عن الواقع لاتسافها مع حركة وجود المدنيين، تقدر بنحو (740) الف مدني، هؤلاء، يمثلون السواد المنهك صحياً، واقتصادياً، فلا يمتلكون موارد للخروج من المدينة، لأنّه مكلف، ولسبب أخر، بينهم كبار سن وغيرهم، والسبب الثاني الإنهاك الاقتصادي، لا يمكنهم من الحصول على الموارد الكافية للحصول على الطعام، رغم ندرة السلع، وأضاف بدوي: خلال هذه الحرب حالة الفاشر ظلت محل مناورات وتكتيكات من كل أطراف الحرب، وهاهم المدنيين يدفعون الثمن، لأنّ الوضع – الآن – يتطلب إيصال الطعام والغذاء العاجل بالطرق المجربة في تاريخ إيصال المساعدات الانسانية للحالات المشابهة، ولعل الفاشر حالة وصلت وفقاً للقانون الدولي، بما يلزم المجتمع الدولى التدخل دون إنتظار موافقة الأطراف… وزاد محمد بدوي: الاستهتار بالمدنيين وسلامتهم وحياتهم بلغ مرحلة مصادرة الحق في الحياة، عبر شبح الموت جوعاً، وعلينا أن لا ننسي أنّ الواقع يشير وفقاً للتقارير الحقوقية الموثوقة إلى موت طفلين كل يوم جوعاً… على المنظمات السعي الجاد لفتح ممر آمن لدخول المساعدات، أو اللجوء من قبل المجتمع الدولي بما يشمل منظماته الأممية وغيرها، بإسقاط الطعام والدواء، وعلى المقاتلين داخل الفاشر، الالتزام بعدم التعرض لها، وتركها تصل للمدنيين المتضريين.

وكان برنامج الأغذية العالمي قد قال أن العائلات العالقة في الفاشر المحاصرة، تواجه خطر الموت جوعاً، فالمدينة معزولة عن وصول المساعدات الإنسانية، مما يترك السكان المتبقين دون خيار سوى الاعتماد على ما تبقى لديهم من إمدادات محدودة، من أجل البقاء على قيد الحياة… وقال البرنامج في بيان صحفي، لم يتمكن البرنامج من إيصال المساعدات الغذائية إلى الفاشر برّاً على مدار أكثر من عام، فجميع الطرق المؤدية إلى المدينة مقطوعة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات