الجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات “البحير”: نهاية حرب، أم نهاية حلم؟!
عندما أشعل الإخوان المسلمون شرارة حربهم في 15 أبريل، لم يكن يدور بخلدهم على الإطلاق أن هذه الحرب نفسها هي التي ستفتح الطريق أمام تغيير جذري حقيقي في بنية الدولة السودانية؛ تغيير يسعى لتفكيك السودان القديم، وبناء دولة على عقد اجتماعي جديد.
دولة تؤسس لسلام مستدام، ولمواطنة متساوية، ولتنمية متوازنة، وعدالة شاملة لمختلف مناحي الحياة.
وفق رؤية واضحة لبناء سودان جديد:
علماني، ديمقراطي، لا مركزي، موحد طوعياً برضا وقبول أهله جميعًا، وبإرادتهم الحرة، يقوم على قيم الحرية والعدالة والمساواة.
رغم أن دولًا تجتمع الآن وتنفض، مُثنى وثلاث ورُباع، تسعى -على استحياء- لإنهاء حرب السودان،
إلا أن يقيني أنها حرب لن تنتهي، رغم كل هذه المساعي المرتبكة والخجولة،
سوى بنتيجة واحدة: نهاية ما يُسمى بالحركة الإسلامية السودانية، وكل ما تناسل عنها من جيوش وفيالق، ألوية وكتائب، وأذرع أُخطبوطية، وواجهات صُورية،
بل وما نشأ حولها من طبقات، ومصالح، وتحالفات.
وبالطبع، فإن النهاية الحتمية لهذه المنظومة المتكاملة ليست نهاية حزب فحسب، ولا مجرد نهاية حرب أشعلها هذا الحزب.
إنما هي نهاية حُلم، حلم دولة أُريد لها أن تقوم على القواعد النظرية لدول أخرى على شاكلتها، تتبنى أيضًا أيديولوجيا “الإسلام السياسي”، كجمهورية الملالي الشيعية في إيران، والإمارة السُّنية لطالبان في أفغانستان.
ولأهمية هذا النموذج بالنسبة لكافة حركات الإسلام السياسي، التي تتملكها شهوة تغيير العالم بأسره، فقد شكّل نجاح أول ثورة شعبية ذات طابع سلمي في قطع تواصل تجربة أول نظام للإخوان المسلمين في المنطقة، وصل واستقر في السلطة لنحو ثلاثة عقود أو يزيد، صدمة كبرى أصابت كل من يتبنى هذه الأيديولوجيا على مستوى العالم.
على أية حال، فقد مثّل اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة موجة قلق، تعبّر عن هزيمة نفسية عميقة لكل الحركات الإسلامية العالمية، وعلى رأسها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وكل الأطياف التي ترفع شعار: “الإسلام هو الحل”.
إذ عندما قال هذا الشعب المسلم بالفطرة كلمته المزلزلة: “تسقط بس”،
كأنما قال للإخوان المسلمين في كل الدنيا:
شكر الله سعيكم، فاليوم لكم دينكم ولي دين.
دينٌ غايته السيطرة على النفس، لا على الآخرين، على حد قول العارف جلال الدين الرومي.
فالمتدين الحقيقي هو من يَهمه تغيير ذاته، خلافًا للمهووس دينيًا، الذي لا يشغله سوي تغيير الآخرين.
إنه تدين يجري على عكس دين هذه العصبة، الدموي العنيف، الذي يعتقد أتباعه أن لا مجد سيعود له، ما لم ترق كل الدماء.