د التوم حاج الصافي زين العابدين .خبير علاقات دولية .
مصر نفوذ ممتد، تحالف متقاطع، ووجدان شعبي يقرأ ما وراء السطور
منذ أن انفجرت الحرب في السودان، تكشّفت أدوار الإقليم بوضوح غير مسبوق. ومع مرور الوقت، بات دور مصر محور حديث الشارع، والخبراء، واللاجئين، والجنود، وكل من يتابع المشهد. فالنفوذ المصري على الجيش السوداني لم يعد “تحليلاً”، بل أصبح حقيقة شعبية يتداولها الناس بثقة كاملة.
علاقة قديمة صنعت تبعية واضحة
العلاقة بين مصر والجيش السوداني ليست وليدة الحرب، بل موروث عقود من التدريب العسكري والتنسيق الاستخباراتي والدعم السياسي المباشر. رأت مصر في الجيش السوداني “ضمانة استراتيجية” لحدودها ومياهها، فبنت معه شبكة نفوذ لا تقف عند حدود التعاون، بل تتجاوزها إلى التأثير في القرار السياسي والعسكري داخل السودان. وبالنسبة للشارع السوداني، لم يعد السؤال: هل لمصر تأثير؟ بل: إلى أي مدى يصل هذا التأثير؟
الإسلاميون السودانيون… ورقة مصرية لا عقائدية
من أخطر ما كشفته الحرب أن مصر لم تحارب الإسلاميين السودانيين كما حاربت الإخوان داخل حدودها؛ بل وظّفتهم لخدمة أمنها. استخدمت القاهرة علاقاتهم بالتنظيم الدولي للإخوان لكشف مسارات وخطط الإخوان المصريين، ومنعت أي محاولة لإعادة تموضعهم عبر السودان. فجاء التحالف معها براغماتياً: مصر فوق الإسلاميين، لا معهم. وهذا ما جعل السودانيين يدركون أن القاهرة تعاملت مع الإسلاميين كأداة لا كشريك.
نفوذ أم سيطرة؟ الشارع تجاوز النقاش النظري
في قواميس السياسة يُقال: “نفوذ مصري كبير على الجيش السوداني.” لكن في الشارع، التعبير أكثر حدّة: “الجيش السوداني أقرب لمصر من قربه لشعبه.” ويستند هذا الشعور إلى مشاهد ملموسة: اصطفاف سياسي مصري كامل مع الجيش، تطابق خطاب الطرفين، حادثة وجود قوات مصرية في مروي، غياب أي ضغط مصري لوقف الحرب أو حماية المدنيين. بالنسبة للمواطن السوداني، هذه الصورة تكفي ليشعر بأن قرار الجيش يتحرك في اتجاه القاهرة أكثر مما يتحرك نحو الخرطوم.
صورة مصر في الوجدان السوداني: من الشقيقة الكبرى إلى اللاعب المصلحي
لم يعد الشارع السوداني يرى مصر كدولة شقيقة، بل كقوة إقليمية تبحث عن مصلحتها أولاً وأخيراً. وتتلخص النظرة الشعبية اليوم في أربع نقاط:
● مصر تدعم الجيش، لا السودان.
● كلما ضعف السودان زاد نفوذ مصر.
● القاهرة تريد جيشاً تابعاً يحمي مصالحها المائية والأمنية.
● معاملة السودانيين داخل مصر عززت الشعور بأن الشعب لا يهم القاهرة.
ولذلك انتشر بين الناس قولٌ مرير: “مصر تريد جيشاً مطيعاً وشعباً صامتاً.”
حرب استخبارات صامتة… ضربت مصر فيها الإخوان بالإخوان
يرى السودانيون اليوم أن مصر نجحت في تحقيق هدفين في آن واحد:
● تحييد الإسلاميين السودانيين وتحويلهم إلى مصدر معلومات.
● منع الإخوان المصريين من العودة للمنطقة عبر السودان.
هكذا اكتمل مشروع القاهرة: نفوذ على الجيش + استخدام الإسلاميين + دولة سودانية مكشوفة.
وأخير وليس اخرا
فالسودانيون اليوم لا يحتاجون وثائق ليفهموا حقيقة الدور المصري؛ الحرب نفسها كانت كاشفة لكل شيء. وما استقر في الوجدان الشعبي هو: “مصر لا ترى السودان دولة مستقلة، بل مساحة نفوذ.” و”الجيش السوداني أقرب لمصر من قربه لشعبه.” سواء كانت هذه ،القراءة قاسية أو دقيقة، فقد أصبحت حقيقة وجدانية تحكم تعامل السودانيين مع مصر اليوم، وستبقى ترسم حدود العلاقة بين البلدين لفترة طويلة قادمة.

