مستقبل العلاقات السودانية المصرية بمقر الحزب العربي الديمقراطي الناصري(٥).
بقلم : الصادق علي حسن.
الخطة ب :
الحزب العربي
تناولت في ستة مقالات سابقة تحت عنوان اضطراب وتضارب في خطاب قائد الدعم السريع وكنت قد توقفت في التناول بأن الخطاب المذكور يمثل إيذانا بالإعلان عن دخول البلاد في مرحلة الحرب الأهلية ، فالخطاب المذكور تجاوز مرحلة الحديث عن شعارات الديمقراطية وإبداء الحرص عليها أو مجرد الإشارة بأن الحرب من أجلها ولتسليم السلطة للمدنيين ونحى حميدتي في خطابه إلى المواجع الشخصية تجاه شركاء الأمس وأعداء اليوم (البرهان/الكباشي/ العطا/ إبراهيم جابر) بصورة غلبت الخاص على العام، وفي العام أتهم قائد الدعم السريع الطيران المصري بالمشاركة في الحرب وضرب قواته بجبل موية وحى إستبسال قواته وصمودها وذكر أن هذه جولة وخسارة لن تضعف من عزيمة قواته وتوعد بالإنتقال إلى الخطة ب .
رسالتان إلى القاهرة والشعب السوداني :
في خطاب حميدتي عدة رسائل منها رسالة مزدوجة إلى القاهرة والشعب السوداني وفي الرسالة المزدوجة أتهم حميدتي القاهرة بالمشاركة في الحرب بالطيران الحربي وأنها قصفت قواته في منطقة جبل موية ومناطق أخرى وأن الإنتصار الذي تحقق على قواته بالمنطقة المذكورة بفعل الطيران المصري ودعا قواته للمضي في الحرب والإستبسال كما في الرسالة المزدوجة رسالة لحلفائه وجنوده وللشعب السوداني ولجماهير المناطق المتأثرة بالقصف الجوي وبالنظر إلى ردود الأفعال فإن رد الخارجية المصرية كان سريعا وعنيفا ووصفت القاهرة لأول مرة الدعم السريع بالمليشيا ونفت ما نسب إلى القاهرة من تدخل في الحرب أما على مستوى ردود الأفعال الأخرى فلم تظهر أي ردود أفعال مؤثرة وأقتصرت الردود على التراشقات المتبادلة بين أنصار الطرفين المتحاربين في الوسائط ، لم أرصد لاحقا أي تصعيد إعلامي بين القاهرة وحميدتي بعد خطاب حميدتي المثير للجدل وبيان وزارة الخارجية المصرية وفي صالح كل الأطراف عدم الإنجرار نحو التصعيد الإعلامي والبحث عن خيارات الحلول السلمية للأزمة فالحرب قد انتقلت إلى دائرة الحروب الأهلية والهوية ومن الحكمة البحث في محاولات إيقافها وقد تعددت أطرافها والأصابع الخارجية بأجنداتها .
تعدد مراكز الحرب وفقدان السيطرة عليها :
لقد تعددت مراكز إدارة الحرب ونشأت مراكز لقوى جديدة ولا يملك البرهان القرار المطلق بمعزل عن حلفائه كما لا يملك حميدتي القرار المطلق عن تحالفاته ، ولم تعد أسباب الحرب محصورة في صراعات السلطة والثروة وقد صارت من أسباب الحرب قضايا الإنتماء والهوية بإعلان قيادات أهلية معتبرة ودعوتها لمنسوبي قبائلها من الطرفين لخوض الحرب .
خطاب الاستنفار وتفكيك الجيش:
صحيح عاد المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي إلى المشهد السياسي وقيادة الحزب المذكور والحركة المذكورة هي من تدير الحرب وقد فقدت تأثير السلطة تستخدم الاستنفار الجهوي والقبلي لتعيد إنتاج التحالفات القبلية بعد أن فقد الخطاب الديني تأثيره، ولا يكترث الحزب المذكور بأن الاستنفار القبلي والجهوي سيؤدي قطعا لمواجهات قبلية وأهلية وتفكيك الجيش السوداني نفسه فغالبية الجنود في الجيش السوداني من مناطق غرب السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق وبمناشدة نظار القبائل لمنسوبي قبائلهم للحرب سيؤدي ذلك الخطاب إلى تفكيك موقف الجيش وقد يجد بعضا من جنوده أنفسهم يقاتلونه بتغلب الولاءات القبلية عليهم وستفقد الدولة جيشها الموحد بأبنائه بعد تغلب القبيلة على الإعتبارات الأخرى .
استنفار المؤتمر الوطني :
تحت غطاء الاستنفار يقود حزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي الحرب وهما لا يكترثان لمآلات الأوضاع بالبلاد بفهم إنتهاز الفرصة للعودة إلى السلطة مرة أخرى، إن الباحث الملم بالأوضاع يجد أن المؤتمر الوطني عبارة عن تنظيم سياسي اقتصادي وقد سقطت تجربته السياسية والإقتصادية بعد ثلاثين عاما من الاستحواذ على السلطة بالبلاد ولا توجد حركة إسلامية على أرض الواقع وقد قبرت الحركة المذكورة مع زعيمها الترابي حتى مظاهر هذه الحركة الشكلية مثل حلقات الترابي الجماعية مع تلاميذه واتباعه ومظاهر الصيام الجماعي والقوافل والرحلات إلى القرى والأرياف وأركان الجامعات والندوات العامة لم تعد موجودة ، رئيس الحركة الحالي علي كرتي مستثمر يستثمر في علاقات التنظيم الخارجية ولا يطرح أي أفكار حول النهج الإسلامي كيف؟ وقد لا يفقه عن الدين الإسلامي أكثر من أئمة المساجد والزوايا بالأحياء ولا يمتلك كاريزما رجل الدين الذي يؤثر في خطابه على المتلقي، حتى بقية منظومته السياسية لا تمتلك أطروحات عن الدين والحياة العامة ولا حول الفكر الحزبي كمثال ما الذي يطرحه عثمان كبر رئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية ومجلس شوراه؟ والآن في النزاع على رئاسة حزب المؤتمر الوطني برز الاصطفاف ما بين مجموعة عمر البشير وأحمد هارون وعلي كرتي من جهة ومجموعة إبراهيم محمود من جهة أخرى حيث لا يوجد فكر حزبي للمؤتمر الوطني ولا نهج إسلامي لبقايا حركة الإسلام السياسي بعد رحيل زعيمها الشيخ الترابي الذي كان بارعا في استغلال الدين وتوظيفه لأغراضه الشخصية وزعامته الدنيوية . إن الأحزاب والكيانات التي مثلت قوى ثورة ديسمبر المجيدة أضاعت فرصة عزل المؤتمر الوطني من الحياة العامة بالبلاد وليس المشهد السياسي فقط وتفتقر هذه الأحزاب للفكر الثاقب لمناهضة المؤتمر الوطني بالرأي والحجة وقيادتها لا تمتلك الثقة بنفسها كما ولم تستفد من تجربة قرنق الذي تمكن من مقارعة المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي دون غطاء ثورة شعبية كاسحةكغطاء ثورة ديسمبر المجيدة وقد تمكن قرنق من تحويل منبر التفاوض ،الذي حشد له المؤتمر الوطني عصارة عضويته ، لمنبر يسود فيه فكره وتوجهاته ويستخلص منه ما لم يتمكن من أستخلاصه بالبندقية والحرب ، إن قيادات الأحزاب والكيانات السياسية الحالية تهاب المؤتمر الوطني وتخشاه ولا تزال تتمسك بشعارات عزله من المنابر وفات عليها بأن العزل الحقيقي قام به الشارع السوداني وأن وجود المؤتمر الوطني وظاهرة حركة الإسلام السياسي في أي منبر فرصة لإدانته وتحميله المسؤولية التامة ، مسؤولية إنهاء وجود الدولة المدنية ، مسؤولية الحرب الدائرة وغيرها ولكن القوى السياسية والأحزاب تنظر للمنابر بأنها تؤسس لمنح مشروعية المشاركة في السلطة وليس الشعب السوداني ومرجعياته. عاد حزب المؤتمر الوطني المشؤوم للمشهد السياسي بفعل السياسة الخرقاء لقوى الحرية والتغيير ومن بعد ذلك تنسيقية تقدم .
حرب الهوية :
المتابع عن كثب للشأن السوداني يُدرك بأن الحرب الدائرة ستوصل البلاد إلى دائرة الفوضى الشاملة وفقدان السيطرة على إدارتها كما وأن وسائل وقفها لم تعد المؤتمرات وورش العمل والاجتماعات بل المدخل لذلك التأسيس القاعدي السليم لإنتاج الحلول المبنية على المشاركات الشعبية ومعالجة الأزمة الناتجة عن الاصطفاف القبلي والجهوي والتشكيك في الهوية الوطنية ، إن الخطاب المسجل بالفيديو من ناظر قبيلة التعايشة من منطقة رهيد البردي بولاية جنوب دارفور والموجه للبرهان يُكشف عمق هذه الأزمة،إن تحويل خطاب الحرب إلى خطاب يشمل كل المكونات القبلية والاجتماعية مما لا علاقة لها بالحرب أنتج اصطفاف الحمية القبلية .