الدعارة القسرية: تأثيرات حرب السودان على النساء والفتيات
تقرير : السودانية نيوز
الدعارة القسرية
سلط المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام، الضوء على الوضع وتقديم معلومات حول الممارسة المتنامية كأحد تأثيرات حرب السودان على النساء والفتيات . وويوثق المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام في هذا التقرير تجارة الدعارة القسرية في مدينة نيالا، جنوب دارفور، كدراسة حالة لما يجري في السودان .ويهدف التقرير إلى تسليط الضوء على الوضع وتقديم معلومات حول الممارسة المتنامية كأحد تأثيرات حرب السودان على النساء والفتيات.
ودعا المركز الافريقي للعدالة والسلام في التقرير ، الأطراف المتحاربة إلى الكف عن استخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي كأداة للحرب في السودان لضمان سلامة الناجيات وأطفالهن، واتخاذ جميع التدابير اللازمة للتخفيف من معاناتهم.
ودعا السلطات السودانية إلى اتخاذ تدابير حماية عاجلة للضحايا/الناجيا ت ومحاسبة الجناة. بجانب تعديل القوانين الوطنية، مثل القانون الجنائي، التي تميز ضد المرأة ؛ لتشمل جرائم الدعارة القسرية.
ويجب على الأطراف المتحاربة السماح بدخول المساعدات الإنسانية في أقرب وقت ممكن لإنقاذ الفتيات والنساء من الدعارة القسرية.
شهد السودان العديد من الحروب الأهلية منذ عام 1955، ومن ثم وقع عددا من اتفاقيات السلام في محاولة لاستعادة السلام .وعلى سبيل المثال، وقعت حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2005 اتفاقية السلام الشامل واتفقتا على إنهاء الحرب الأهلية الثانية .ولسوء الحظ، أدى فشل كلا الطرفين في الوفاء بالتزاماتهما في كثير من الأحيان إلى ظهور سلسلة جديدة من النزاعات واتفاقيات السلام اللاحقة، مثل توقيع اتفاقيات سلام دارفور من قبل حكومة السودان والجماعات المتمردة في دارفور في سن ة 2006 وسنة 2011 وسنة 2020 لإنهاء الحرب الأهلية في دارفور.
في جميع هذه النزاعات استخدم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات كأداة للحرب، سواء من خلال الانتهاكات الجنسانية أو الإهمال أو الاستغلال السياسي .ومما يؤسف له أن قد تجاهل النساء في جهود صنع السلام في السودان رغم أنهن كن الفئة الأكثر تضرر ا . وتمثل النساء غالبية ضحايا النزوح واللجوء في المخيمات على سبيل المثال، في عام 1983 كانت غالبية النازحين في معسكرات الكنابي من الإناث. وفي الوقت الحالي، فإن النسبة الأكبر من النازحين واللاجئين في المخيمات هم من النساء والفتيات .وبالإضافة إلى ذلك، فإن النساء هن أمهات الجنود الأطفال، وزوجات الجنود والمتمردين، وكذلك أمهات الأطفال المولودين من الحرب. وقد أدى غياب سياسات العدالة والسياسات
الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية إلى تعريض النساء والفتيات لهذه الانتهاكات. كما أن القوانين التقييدية والقمعية مثل قانون النظام العام تزي د من إيهان حقوق المرأة في السودان.
سلطت ثورة ديسمبر 2018 الضوء على الدور المهم للمرأة حيث مثلت النساء 60 ٪ من المتظاهرين. ومع ذلك، اتهُمت الأطراف المتحاربة بارتكاب العديد من الانتهاكات ضد النساء والفتيا ت في الحرب الجارية الآن في السودان.
مقدمة
اندلع النزاع المسلح في السودان في 15 أبريل 2023، بين الجيش )القوات المسلحة السودانية( وقوات الدعم السريع إثر نزاع المطامع في السلطة .وقُتل1 ما يقدر بنحو 20,000 شخص وأصيب الآلاف بجروح .وف ر أكثر من 10 ملايين شخص )أو أكثر من واحد من بين كل خمسة أشخاص( من ديارهم ،منهم 8.1 مليون شخص نزحوا داخل السودان و2.4 مليون آخرين عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة وغيرها من البلدان .هذا ويجري نهب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة دون تعوي ض.
وبرغم الجهود والمحاولات لإنهاء النزاع، لا تزال القوات المسلحة السودانية تصر على الشروط المسبقة
قبل الانضمام إلى أي مفاوضات لإنهاء الحرب .وقد قوبل المدنيون الذين يطالبون بوقف الحرب بالاعتقالات التعسفية والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة أثناء الاحتجاز .وعلاوة على ذلك ،ظ ل المدنيون في معاناة
على أيدي الأطراف المتحاربة ولا سي م ا في المدن الت ي تحاصرها قوات الدعم السريع، مثل الفاشر في شمال دارفور، ومدينة سنار في وسط السودان.
وتتطابق المظاهر الواضح ة للحرب، بما فيها القتل والقصف وما إلى ذلك، مع الانتهاكات ضد الأفراد مثل الاختفاء القسري والعنف الجنسي والاعتقالات التعسفية والتعذيب أثناء الاحتجاز.
وقد استخدم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله المختلفة ضد النساء والفتيا ت على نحو خاص، ومن ذلك ،على سبيل المثال ، العبودية الحديث ة؛ إذ تختطف النساء والفتيات ويتم استعبادهن واستخدامهن في العمل اليدوي وفي المزارع وإجبارهن على ممارسة البغاء وتوجيه الإساءا ت اللفظية والإهانات لهن والتمييز ضدهن.
واستخدمت الأطراف المتحاربة خطاب الكراهية لإحداث الشقا ق بين السكان وزيادة تأجيج الحرب .ويقوم خطاب الكراهية دائما على معاملة الآخرين أو وصفهم بأنهم” أدنى من” أي مقارنتهم بالحيوانات والحشرات، لتبرير الانتهاكات ضدهم، بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية والذبح والقتل العنيف في الأماكن العامة وما إلى ذلك.
مع استمرار تصاعد الحرب، من الواضح أن الأطراف المتحاربة مهتمة فقط بإظهار القوة والقتال من أجل الموارد على حساب المدنيين الذين يعانون من الانتهاكات. هذا وتمثل إطالة أمد الحرب والحرمان من الوصول إلى المساعدات الإنسانية الأساسية، سواء عن طريق منع دخولها أو نهبها، انتهاك ا للقانون الإنساني الدولي ، مما يفضي إلى سلسلة من الانتهاكات الأخرى مثل الدعارة القسرية والعبودية الجنسية.
الدعارة القسرية
تمثل الدعارة القسرية والانتهاكات ذات الصلة من نفس النوع جرائم ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، “انتهاك كرامة الشخص، ولا سيما المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة .”وفي عام 1949، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية قمع الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير. إذ تحل هذه الاتفاقية محل العديد من الاتفاقيات السابقة التي تناولت بعض جوانب الدعارة القسري ة وتتناول أيض ا جوانب أخرى من البغاء. وهي تعاقب على شراء البغاء وا لإغراء ب ه وكذلك على تعهُّد بيوت الدعارة.
ويمكن تعريف الدعارة القسرية عموما على أنها إجبار شخص ما على الانخراط في فعل أو أكثر من الأفعال ذات الطبيعة الجنسية مع شخص آخر للحصول على منافع مالية أو غيرها مقابل الطعام والمال والسكن والمخدرات وما إلى ذلك .ولا يتعين بالضرورة أن تحصل الضحية نفسها على المنفعة التي يتم الحصول عليها مقابل الدعارة القسرية، بل يمكن أن يحصل عليها طرف ثالث أيض ا . ويع رف المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين الدعارة القسرية بأنه ا شكل من أشكال العبودية يتعارض مع حماية الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية.
أما القانون الجنائي السوداني فإنه يصن ف الانتهاكات الجنسية على أنها زنا، حتى عندما يكون الحمل ناتجا عن الاغتصاب .ويعد هذا الإطار القانوني إشكاليا على نحو خاص لأن الدعارة القسري ة لم يتم تعريف ها صراحة على الرغم من التعديلات التي أدخلت في عام 2009.
والأطفال المولودون من الدعارة القسرية وغيرها من أشكال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع
الاجتماعي هم أضعف ضحايا هذه الجرائم الشنيعة. ويؤدي عدم حصول الأمهات والأطفال على الرعاية الصحية إلى تفاقم المعاناة .وتواجه النساء والفتيات مخاطر صحية كبيرة ،منها التعرض للأمراض المنقولة جنسيا مثل فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الفيروسي B. كما أن الفتيات الصغيرات معرضات بشكل خاص للإكراه على البغاء والمخاطر الصحية المرتبطة به .كما أن الإجهاض الآمن ليس خيار ا في ظل غياب الرعاية الصحية التي يمكن الوصول إليها .وفضلا عن ذلك، يزيد سوء التغذية وندرة الغذاء من تفاقم التحديات التي يواجهها الضحايا المكرهين على ممارسة البغاء.
وفي السودان الآن، لجأت النساء والفتيات إلى عرض الجنس على الجنود والمقاتلين مقابل الطعام والمال، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الحرب )فقدان مصادر الدخل، وعدم الحصول على المساعدات الإنسانية، ومحاصرة المدن، وتقييد الحركة(.
وقد شهد الضحايا أنه في بعض الحالات تحولت العلاقة الحميمية إلى اغتصاب وإساءة جسدية/لفظية .فقد شهدت إحدى الضحايا للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام أن “… في بعض الأحيان لا يدفع الجنود ما تم الاتفاق عليه قبل الانخراط في العلاقة الحميمي ة، ولكن بد لا من ذلك نتعرض للضرب والتنمر والإساءة اللفظية .دعيت ذات مرة عاهرة قذرة وأنني لا أستحق حتى جنيها واحدا
لقد لعبت النساء دورا حاسما في إنقاذ ضحايا العنف الجنسي إما مباشرة أو من خلال المناصرة .وقد وثق المركز الأفريقي سابقا حادثة ساعدت فيها والدة الجاني ضحية على الفرار بعد اختطافها واستعبادها جنسيا .
ويواجه ضحايا البغاء القسري وصمة عار كبيرة من المجتمع، تتفاقم بسبب التحديات التي تشمل الحمل غير المرغوب فيه وما يليه من أمومة، والافتقار إلى السكن، والاعتراف القانوني بالمولود.
وقد رصد المركز الأفريقي زيادة في البغاء القسري في مدينة نيالا، جنوب دارفور، إذ تتبعنا وجود العديد من المنازل المستخدمة لهذه الممارسة، والتي تشمل مجموعات من النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 17 و 25 عاما . وقد بدأ أحد هذه الأماكن أنشطته في وقت مبكر من بداية الحرب ولا يزال حتى الآن يستخدم كبيت للدعارة وبيت آمن لإبقاء المختطفين في انتظار دفع الفدية .ويعمل هذا المكان تحت حماية ضباط بقوات الدعم السريع ويشرف عليه ضابط برتبة رائد في قوات الدعم السريع.
الوسطاء (القوادون) في تجارة الدعارة القسرية
في التجارة غير المشروعة للدعارة القسرية والاستعباد الجنسي، توجد أطراف ثالثة تعرف باسم “القوادين” الذين يتواصلون مع الضحايا مباشرة أو من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل مجموعات
الواتساب .ويحصل هؤلاء القوادون على مقابل جزئي من الجناة قبل جلب الضحية، ويتم دفع المتبق ي عند الانتهاء من “العمل .”وقد وقع القوادون في حبال هذه الممارسة غير القانونية بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية الناجمة عن الحرب .وتتعرض القوادات للتهديدات المرتبطة بطبيعة عملهن في الشوارع، مما يجعلهن عرضة للاستغلال والإكراه .وفي بعض الأحيان، يجُبرن على تسهيل ممارسة الجنس القسري بين الجندي/ المقاتل وبين الضحية التي تعاني من وضع إنساني سيئ مماثل.
أبلغ مصطفى )اسم مستعار(، وهو سائق سيارة أجرة ،المركز الأفريقي أن هناك مقهى شعبي في حي الأندلس في نيالا، جنوب دارفور، يستخدم لهذه التجارة ، وتدير المتجر امرأة تحت غطاء بيع الشاي .”… اعتدت على ارتياد هذا المقهى خصيص ا . ذات مرة، لاحظت 4 أو 5 فتيات، تتراوح أعمارهن بين 17 و25 عاما ، يجلسن بالقرب من صاحب ة المحل. فسألتها عنهن بدافع الفضول .فذكرت لي أن الفتيات ينتظرن الزبائن .فاستفسرت عن المقابل المالي فأخبرتني أنه يتراوح بين 20000 إلى 50000 جنيه سوداني) نحو 7 – 2- دولار أمريكي(، حس ب الاتفاق والحالة المادية للزبون. كما أخبرتني أنها كانت مجرد قوادة تكسب ما بين 10000 و20000 جنيه سوداني عمولة على كل معاملة…” .
الدعارة القسرية في مدينة نيالا
أدى تقسيم المدينة إلى قسمين، أي شمال وجنوب نيا لا، من قبل اللجنة المحلية لوقف إطلاق النار إلى النزوح المبكر للسكان في مايو 2023. وظل الباقون في المدينة يعيشون في خوف من استهدافهم بسبب إثنيته م أو مهنتهم أو انتمائهم السياسي.
بعد اندلاع هذه الحرب الحالية، فر الآلاف من مدينة نيالا، لا سيما من المناطق المحيطة بمقر الفرقة 16 للقوات المسلحة السودانية، والتي استولت عليها قوات الدعم السريع وحولتها إلى قاعدة له ا ومركز احتجاز.
واصلت القوات المسلحة السودانية محاولة استعادة مقارها من خلال القصف الجوي المتقطع لمحيط الفرقة مما أدى إلى فرار السكان من وسط المدينة، وتحويل نيالا إلى مدينة أشباح.
استغل المتورطون في الدعارة القسرية هذا الحال واحتلوا المنازل المهجورة تحت ستار بيع الطعام والشاي لمقاتلي قوات الدعم السريع المتمركزين عند نقاط التفتيش وداخل المقر .وهذه البيوت هي مواخي ر دعارة للبغاء القسري، حيث يستضيف القوادون الفتيات والنساء بعد رؤيتهن في الأسواق. ويذكر أنه في بعض الأحيان، يتم إجراء صفقات بين الزبون والفتاة أو المرأة في السوق، وعند الدفع يتم توجيههم إلى بيت الدعارة.
وتقع بعض هذه المنازل )بيوت الدعارة( في أحياء السينما والجمهورية والمزاد وا لامتداد والواد ي وأستتخدم بعض هذه المنازل) المنزل الكائن بحي الوادي( للعبودية الجنسية والاحتفاظ بالمختطفات قبل دفع الفدية من قبل أسرهم .وتجد هذه ا لاماكن الحماية من ضباط في قوات الدعم السريع.
شهادات الشهود
تقول مريم )اسم مستعار( ، البالغة من العمر 26 عام ا ، وهي بائعة في سوق الأندلس بنيالا، إن الدعارة أصبحت منتشرة على نطاق واسع هذه الأيام. وتعزو ذلك إلى الوضع الاقتصادي الصعب، وتضيف أن بعض النساء لديهن أطفال يحتاجون إلى الطعا م وا لشراب وأن الأزواج لا يقدمون لهم ذلك وبالتالي يجبرونهن على ممارسة البغاء. وأضافت أن بيع الشاي لم يعد يكف ي تكاليف الطعام والضروريات الأخرى.
وواصلت مريم القول بأن الفتيات يذهبن مع من يدفع أكثر. “… بعض الفتيات ليس لديهن عمل في السوق ولكنهن يأتين مع صديقاتهن للبحث عن الزبائن. وشكلت النساء الآن مجموعات، يتعاونن للعثور على الزبائن. ولا يوجد مبلغ محدد بل يكون حسب الاتفاق ، ولكن عادة ما يتراوح بين 20000 و50000 جنيه سوداني .وفي بعض الحالات، ينتهي الأمر إلى حمل الفتيات، خاصة اللواتي تتراوح أعمارهن بين 17 و20 عام ا . أعرف خمس فتيات حملن بهذه الطريقة .وفي بعض الأحيان لا يدفع الزبائن وبد لا من ذلك يسيئون معاملة الفتيات لفظي ا وجسدي ا .”
وقالت شاهد ة آخرى للمركز الأفريقي إن بعض النساء يقدمن أنفسهن للرجال مقابل الطعام والشراب فقط وليس المال.
وقالت حواء )اسم مستعار(، وهي بائعة خضروات تبلغ من العمر 29 عام ا ، إن ممارسة الدعارة زادت بعد اندلاع الحرب العام الماضي. وأضافت أن النساء أصبحن يائسات لدرجة أنهن سيذهبن مع الرجل مقابل القليل من المال. وأشارت إلى مبانٍ ومنازل محددة في حي الوحدة الواقع جنوب الأندلس، معروفة بهذه الأنشطة .وأوضحت أنها اضطرت إلى هذا العمل بسبب الوضع الاقتصادي و لأن عملها بالكاد يكفي احتياجات أسرتها. إذ قالت حواء إن لديها أربعة أطفال غادر والدهم قبل الحرب ولم يعد. وأعربت عن رغبتها في ترك هذا العمل بمجرد أن تجد وسيلة بديلة لكسب لقم ة العيش.
وقالت نادية )اسم مستعار(، وهي سيدة أعمال تبلغ من العمر 45 عام ا تعمل في إعدا د وبيع الخمور المحلية المعروفة باسم” المريسة” في حي الرياض الشمالي: “… قبل الحرب، كنت أعد الخمر فقط وكان لدي زبائن منتظمون يأتون إلى بيتي لشراء الخمور وشربها. أما بعد الحرب فغيرت الأمور وعرض علي بعض الزبائن إحضار رفيقات لهم إلى بيتي لقضاء بعض الوقت معهن. وافقت وجهزت احدى الغرف بسرير كبير وطاولة بمبلغ يتراوح بين 30,000 و50,000 جنيه سوداني حسب الاتفاق والقدرة المادية .ومعظم الزوار الراتبين هم من اللصوص وجنود قوات الدعم السريع والميليشيات. ثم بدأت فيما بعد بإحضار بعض النساء اللواتي كن على استعداد لممارسة الجنس مقابل المال، عادة مقابل 20000 جنيه فقط أو أقل من ذلك. “…
وبحسب عبد الله )اسم مستعار(، أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في نيالا، فإن الدافع الأساسي وراء الدعارة القسرية هو الوضع الاقتصادي المتردي والظروف المعيشية القاسية. وهذا يؤثر بشكل خاص على النساء المتزوجات اللائي يضطررن إلى إعالة أطفالهن أو معاليهن .وعادة ما يتم جذب الفتيات غير المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 17 و22 عاما إلى هذا العمل للحصول على منافع مالية.
تطورات أخرى
رابعا – الوضع الإنساني
واجهت الجهود المبذولة لفتح طرق المساعدات الإنسانية تحديات بسبب عدم تعاون القوات المسلحة السودانية. وقد أعرب الجيش القوم ي صراحة عن عدم رغبته في المشاركة في مختلف منابر السعي للسلام مثل منبر جدة، مما أدى إلى فشل المنبر.
وبعد عدة مفاوضات، في 6 أغسطس 2024، بدأت مجموعة من المنظمات الدولية ،تشمل منظمة الأغذيةالعالمية، وأطباء بلا حدود ، واليونيسيف، في نقل المساعدات الإنسانية من تشاد إلى السودان عبر حدود إدري في غرب دارفور .ولسوء الحظ، في 10 أغسطس 2024، انهار الجسر المؤدي إلى الجنينة، عاصمة غرب دارفور بسبب الأمطار الغزيرة مما أدى إلى وقف تدفق المساعدات إلى السكان في وضع الهشاشة.
كما تسببت الأمطار الغزيرة في انهيار جسر مورني الذي يربط ولايتي غرب ووسط دارفور، مما زاد من تعقيد إمكانية الوصول إلى أي من ولايات دارفور.
المدن المحاصرة
للولايات الخاضعة للسيطرة الكاملة لقوات الدعم السريع وصول محدود أو معدوم إلى المساعدات الإنسانية.
كما شجع انهيار الخدمات المدنية وانعدام الأمن على السرقة والنهب.
سيطرت قوات الدعم السريع في أكتوبر 2023 على مقر الفرقة 16 العسكرية وبسطت سيطرتها على جميع أنحاء جنوب دارفور، وهي ثالث ولاية اكتظاظ ا بالسكان في السودان، بعد الخرطوم والجزيرة .وتعد جنوب دارفور ثاني أكبر ولاية ذات أهمية اقتصادية في السودان بسبب ميزتها في التجارة الحدودية مع دول وسط إفريقيا وجنوب السودان وتشاد والكاميرون، إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال إمداد الولايات في وسط وغرب دارفور . والقبضة الأمنية المشددة هي السمة الرئيسية لقوات الدعم السريع في نيالا .إ ذ تم تفعيل الاعتقالات ذات الدوافع الإثنية بنا ء على مظهر ا لأفراد من جماعات المساليت والزغاوة والفور بشكل خاص، لأنهم يشتركون في نفس الجذور ا لإثنية للقوات التي تشكل “القوة المشتركة” وقادة الحركات المسلحة المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية، أو لأهداف تتعلق بأسباب اقتصادية.
وقد اعتمدت قوات الدعم السريع نفس التكتيكات القديمة التي استخدمها النظام السابق مثل الاعتقالات التعسفية والاحتجاز السري، لا سيما في نيالا .ومن ناحية أخرى، واصلت القوات المسلحة السودانية عمليات القصف الجوي المكثف دون أخذ المدنيين في الاعتبار. وتستهدف التفجيرات مراكز الاحتجاز والقواعد التي تسيطر عليها قوات الدعم ا لالسريع، مما أسفر عن مقتل وإصابة معتقلين ومدنيين. وقد و ث ق المركز الأفريقي مؤخر ا حادثة قصف وحدة القوات الجوية التابعة للقوات المسلحة السودانية عدة مواقع لقوات الدعم السريع في نيالا مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين والمعتقلي ن .
أزمة اقتصادية وانتشار الفقر
يعاني السودان حالي ا من أزمة اقتصادية؛ فقد كان للحرب تأثير مدمر على الأداء الاقتصادي للسودان .إذ تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسبب تدمير القدرة الإنتاجية وتعطيل الأنشطة الاقتصادية، مع تناق ص الخدمات مما أدى إلى انخفاض النمو ف ي جانب العرض .أما في جانب الطلب، فق د أدى فقدان الدخل والنزوح الهائل إلى انخفاض الاستهلاك . واستفاد رجال الأعمال من الوضع من خلال فرض أسعار باهظة للسلع .وأدت الأمطار الغزيرة والفيضانات إلى قطع طرق المساعدات وتدمير المحاصيل في المزارع مماأدى إلى تفاقم الوضع السيئ أصلا .
كما ع رضت الأمطار الغزيرة السكان للأمراض المنقولة بالمياه مثل الملاريا والإسهال والتيفوئيد والكوليرا دون الحصول على الرعاية الطبية.
دفع واقع الحرب إلى جانب تدهور الظروف الاقتصادية في السودان الفتيات والنساء إلى البحث عن وسائل أخرى لكسب الدخل .
وأصبحت الأسواق المكان الرئيسي للعمالة اليدوية وغير الماهرة مثل بيع الأغذية والمشروبات.
في خضم هذا الوضع الاقتصادي السيئ، ترددت النساء ، المثقلات به م مصير الأطفال الجياع، في الأسواق في وقت فيه أن الذين يترددون على أكشاك الطعام والشراب غالبا ما يكونون أفراد ا في قوات الدعم السريع أو الميليشيات المتحالفة معها .فهذه هي المجموعات الوحيدة التي تحصل على بعض الأموال من دخله م أو من عائدات النهب .فوجدت العديد من الفتيات والنساء أنفسهن ينخرطن في تجارة الجنس بدافع الضرورة الاقتصادية، حيث تعمل الأسواق كمراكز رئيسية “للعثور على عمل.”
آثار الحرب على المجتمعات الرعوية/البدوية
ألقت الحرب المستمرة في السودان بظلال قاتمة على مختلف الولايات السودانية ولكن تأثرت جنوب دارفور بشكل خاص، حيث أنها مسقط رأس أكبر عدد من مقاتلي قوات الدعم السريع ) تتمتع قوات الدعم السريع
بعلاقات قوية مع المجتمعات الرعوية( . فجنوب دارفور هي واحدة من مراكز الإنتاج الرعوي، وقد ساهمت مشاركة هذه المجتمعات في دعم قوات الدعم السريع في انهيار وإهمال الإنتاج الرعوي مما أدى إلى وقوع خسائر واسعة النطاق، وزيادة عدد الأسر التي فقدت معيلها الأساسي أو الوحيد.
تقاعس الدولة عن حماية المدنيين
يعيش المدنيون ولا سيما في المدن المحاصرة في رعب وخوف من السيطرة العسكرية للطرف الذي يستولي على المدينة. وقد مارست السلطات العسكرية الفعلية سلطة غير قانونية وغير مشروعة على
المدنيين في هذه المناطق تحت رقابة الدولة. وتشمل هذه الانتهاكات تقييد حرية التنقل والتعبير، أي حرية التعبير للمناهضين للحرب، والمطالبين بالمساعدات الإنسانية، والمحتجين على سلوك الجنود. إ ذ يتعرضون للاعتقال والاحتجاز التعسفيين.
كما استغل الجناة الوضع الإنساني الرهيب إ ذ يحتاج المدنيون إلى الغذاء والماء والاحتياجات الأساسية الأخرى فيخضعون المناطق الواقعة تح ت سيطرتهم للحكم العسكري بمراسيم الطوارئ التي تضفي الشرعية على أعمالهم، وترتكب هذه الانتهاكات في ظل غياب نظم قانونية فاعلة.
وتواصل الأطراف المتحاربة ارتكاب انتهاكات مختلفة بحق السكان دون عواقب .فعلى سبيل المثال، قد يتعرض المحتجز للعنف الجنسي وغيره من أشكال التعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية أو غير الرسمية طالما كان هناك اعتقاد بأن المتهمين “لا يستحقون” معاملة عادلة .وفي معظم الأحيان ينتهي الأمر بسجنهؤلاء المحتجزين زورا لفترات طويلة دون توجيه تهم إليهم أو تقديمهم إلى المحاكم.
خاتمة
إن حماية واحترام الحقوق المدنية المكفولة بموجب القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية هي الخطوة الأولى لاستعادة السلام وإنهاء العنف في السودان. ويشمل ذلك ضمان الوصول إلى المساعدة الإنسانية .وفي حالات العنف الجنسي، يكون الأفراد المسلحون والجماعات المسلحة مسؤولين بشكل فردي أو بالوكالة ولا يكون الدفع بحجة الموافقة/ التراضي كافيا في ظل هذه الظروف.