الثلاثاء, فبراير 4, 2025
الرئيسيةمقالاتالروابط الثقافية والتعليمية والاجتماعية ، المدخل السليم لتمتين العلاقات السودانية المصرية (٣)...

الروابط الثقافية والتعليمية والاجتماعية ، المدخل السليم لتمتين العلاقات السودانية المصرية (٣) .

الروابط الثقافية والتعليمية والاجتماعية ، المدخل السليم لتمتين العلاقات السودانية المصرية (٣) .

بقلم : الصادق علي حسن .

الوسائل السياسية النمطية :

العلاقات السودانية المصرية نشأت مرتكزة على روابط أزلية متينة بين شعبي البلدين ، وتعززت بالمصالح المتبادلة الناشئة من مورد الحياة الرئيس بمجرى الوادى (المياه)، القاسم المشترك بين كل شعوبه وراوفده، وتميز موقع السودان وقد جمع بين صفتي مورد المياه بروافده ،والمجرى الأطول بين رصفائه من دول الحوض، ليصبح جسر التلاقي والتواصل بين كل شعوب ودول الوادي ، وصاحب الدور الأعظم، إن موقع السودان ودوره يتيحان له الحفاظ على كل مصالح دول الحوض والروابط الإنسانية والمصالح الأخرى المشتركة في تناغم وانسجام باعتماد السياسة الحكيمة، واحترام إرادة الشعوب ونظمها القائمة من دون التدخل في شؤونها الداخلية . لم تكن للنخب السودانية المتعاقبة على حكم البلاد نظرة ثاقبة تجاه إفريقيا ودول حوض وداي النيل وراوفده ، وأضاعت قياداته فرص التأثير الإيجابي التي كانت بين يديه ،ومبذولة أمامه ، لم تول الإهتمام بإفريقيا وشعوبها، كما لم تبذل الجهود اللازمة للمحافظة على الوضع التنموي والاقتصادي وأسس التعليم المتين وتطويره ،وانشغلت منذ الاستقلال في صراعات السلطة ، كما أغفلت تعدد الأثنيات والثقافات في المجتمعات السودانية للتعبير عنها بوصفها هوية رسمية للبلاد، ورعت رسميا الثقافة العربية فخلقت الغبن المتوارث لدى الأجيال المتعاقبة من أصحاب الثقافات والأعراق الأخرى، لقد فشلت النخب السودانية في تحويل استقلال البلاد من المستعمر إلى مشروع لدولة كبرى بإفريقيا، حرة بإرادتها المستقلة، متماسكة بشعبها، قوية في تجربتها السياسية ،وقد ترك المستعمر بالسودان أفضل جهاز مدني وإداري في إفريقيا ، ونظام حديث للتعليم المتطور ،ومشروعات البنية التحتية، وخزانات المياه ومشروعات الكهرباء والرى بالجزيرة ومحالج القطن ومزارع الخضر والبستنة بمدن وأرياف البلاد والسكك الحديدية والنقل النهري والبري ،والجيش الموحد والشرطة الموحدة والقضاء المستقل ونظم الديمقراطية الحديثة القائمة على قواعد تأسيس مرجعيتها التفويض الإنتخابي ، وبدلا عن البناء على الموروث وتعليته تنمويا واقتصاديا ، وترسيخ تجربة الحكم المدني الديمقراطي، كان من هموم النخب السودانية المشغولة بالسلطة تأكيد الهوية الرسمية الآحادية للشعب السوداني بمعزل عن مكونات هوياته الأخرى ، وتجاهل تميزه الذي يقوم على تعدد تكويناته الاثنية والثقافية . وقد كان الباب مفتوحا للقادة السودانيين وقد نالت البلاد استقلالها في الأول من يناير ١٩٥٦م أن تكون لها القيادة والريادة والتأثير الإيجابي المستمر في قارة إفريقيا وصدارة دولها في المحافل الدولية، ولكنها أهملت منذ استقلالها قضايا القارة ، ولم تنشط بوضوح لتساند قضايا التحرر في حقب الاستعمار أو في رعاية شراكات الروابط الثقافية والمصالح الاقتصادية مع دول إفريقيا عقب استقلالها ، في مصر كان للزعيم المصري جمال عبد الناصر نظرة ثاقبة تجاه إفريقيا، كما وكان الأكثر تأثيرا في قضايا القارة وعلى حركات التحرر فيها . أثناء زيارة لقائد جبهة تحرير غانا كوامي نكروما للقاهرة وأثناء معاملة بنكية خاصة به بأحد بنوكها ، أعجب بموظفة مصرية تعمل به ورغب في الاقتران بها، ولكن أمها رفضت بشدة ،ووصل الأمر الخاص بنكروما إلى مسامع الرئيس جمال عبد الناصر الذي سارع بالتدخل وتسهيل موافقة الأم، واتمام الزواج، وعند استقلال غانا صارت الموظفة المصرية (فتحية) زوجة وأم أبناء كوامي سيدة غانا الأولى ويحمل أبنهما الذكر الأول اسم جمال عبد الناصر ، بنيل غانا لاستقلالها نشأت تلقائيا العلاقات الدبلوماسية المزدهرة، وقد تم فتح سفارتين بعاصمتي البلدين وتدشين الخطوط الجوية بين أكرا والقاهرة وتأسست الروابط التجارية والاجتماعية . في دولة الكنغو كنشاسا كان الرئيس عبد الناصر حاضرا في محاولات إجلاء زعيمها الرئيس باتريس لومبما اول رئيس للبلاد عقب استقلالها ورائد من رواد حركات التحرر الإفريقي ،والذي تم حصاره وقتله على أيادي رفاقه الذين صاروا مطية للاستعمار البلجيكي بقيادة موبوتو . إن الباحث في تاريخ حركات التحرر الوطنية في إفريقيا وفي تاسيس منظمة الوحدة الإفريقية في مايو ١٩٦٢م، يجد الدور الكبير لكوامي نكروما في غانا وجوليس نايريري في تنزانيا وجومو كنياتا في كينيا، وباتريس لوممبا في الكنغو وموغابي وجوشو انكوما في زيمبابوي والشاعر أول رئيس للسنغال المستقلة ليوبولد سنغور، وجمال عبد الناصر في مصر وآخرين من الزعماء الأفارقة من ذوي الدور الفاعل المؤثر وقد كان نصيب السودان الحضور و، مساهمته الأبرز من خلال انشودة آسيا وإفريقيا المشهورة للشاعر تاج السر الحسن الذي قام بكتابتها في عام ١٩٥٦م في الذكرى الأولى لمؤتمر حركة عدم الإنحيار الذي عقد بباندوق بإندونيسيا وكان الشاعر تاج السر طالبا، وقام بأداء قصيدته الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي بالخرطوم في حضور الرئيس جمال عبد الناصر الذي أعجب بها عام ١٩٦٠م . إن بصمات عبد الناصر لم تكن في إفريقيا وقضايا التحرر بل أمتدت لآسيا وكان من ضمن الرؤساء الثلاثة(جواهر لال نهرو الهند – تيتو يوغسلافيا – عبد الناصر مصر) الذين قاموا بتطوير أفكار الرئيس نهرو للابتعاد عن محوري الحرب الباردة وتبني نهج عدم الإنحياز عقب الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩م- ١٩٤٥م) والتزام الحياد تجاه سياسات المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة(حلف الناتو) والشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي (حلف وأرسو).

دور الروابط الثقافية والتعليمية والاجتماعية في صياغة مستقبل الشعوب .

الروابط الإنسانية هي التي تشكل مستقبل الشعوب وفي إفريقيا والسودان لعب الجامع الأزهر الشريف والطريقة التجانية دورهما الأبرز في نشأة العلاقات العلاقات الإنسانية بين شعوب دول القارة الإفريقية وترسيخها ، لم يكن لعلماء الجامع الأزهر الشريف ولا السادة الدعاة من رجال الدين من منسوبي الطريقة التجانية أي أهداف أو خطط سياسية سوى الدعوة للدين بالموعظة الحسنة ، لم يتم وقتذاك تأسيس المنظمات والوكالات بإسم الدين لتوظيفها في المآرب السياسية وظلت رسالة الجامع الأزهر الشريف في السودان وإفريقيا تشكل حجز الزاوية في بناء العلاقات الإنسانية بين الشعوب وساهم الرواق الذين يأتون من كل أنحاء بلاد العالم لمجالس العلوم الدينية والعقلية والفلك والحساب (رواق سنار / رواق دارفور / رواق دار مساليت) ورواق إفريقيا الذين يفدون إليه من سلطنات إفريقيا مثل (تمبكتو- صكتو- برنو – كانم وداي ) وتلاميذ رجل الدين الأشهر بإفريقيا عثمان دانفوديو ويقومون للدراسة ونيل الإجازات العلمية من العلماء وينطلقون لنشر العلوم الدينية والمعارف. كان رواق العلم طوال فترات اقاماتهم لغرض نيل العلم بالجامع الأزهر الشريف يجدون المسكن والماكل والملبس مجانا، ولم تكن هنالك أموال أو استثمارات ضخمة لبنوك تسمى إسلامية أومنظومات عالمية مثل جماعة الإخوان المسلمين أو الحركات الجهادية المتطرفة التي تمارس الإرهاب بإسم الدين . لقد كانت رسالة الجامع الأزهر رسالة مجتمعية منذ تاسيسه ، إن الجامع الأزهر بحسب المصدر (تاريخ الأزهر) هو أقدم جامعة علمية متكاملة تم انشاءه على يد جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي عام ٩٧٠ أي بعد عام من تأسيس مدينة القاهرة . إضافة لدور الجامع الأزهر الشريف، لعبت البعثة التعليمية المصرية في السودان ،والثقافة بشتى ضروب الآداب والفنون والموسيقى والمسرح أدوارا هامة في ترسيخ روابط العلاقات الشعبية، لم تقم بها الدبلوماسية الرسمية ، ولا يزال للدور الشعبي الذي يعتمد على التلقائية اثره في تجسير العلاقات وتعزيز المصالح الإنسانية المشتركة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات