السودان أرض البطولات والثورات(7)
كتب :حسين سعد
في العام 2020م إنخرط مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية،في عقد مشاورات مطولة مع الأجسام النقابية بهدف التوافق علي قانون موحد للنقابات،وكنت في تلك الفترة ضمن الفريق العامل في الأيام حيث أجرينا مشاورات موسعة مع الخبراء في مجال النقابات،وكذلك الأجسام المهنية المكونة لتحالف المهنيين والقانونيين،ومكاتب النقابات في الأحزاب السياسية والمزارعين ،وبادرت تلك الكيانات النقابية والسياسية بطرح مسودة قانون للنقابات ،فعمل مركز الأيام علي جمع تلك القوانين لجهة وضعها في قانون موحد للنقابات،وفي ذات العام سلم وفد رفيع المستوي ضم ممثليين للأحزاب السياسية والنقابات وتجمع المهنيين ومركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية الذي كنت وقتها مديراً للاعلام بالمركز وضمن الوفد سلم الوفد وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية في الحكومة الانتقالية الأولي لينا الشيخ مشروع قانون نقابات العاملين2020 م ،وبادر مركز الأيام بجمع كل المشاريع القانونية التي دفعت بها تلك الجهات وعقدت سلسلة من الاجتماعات والمشاورات حتي تم التوصل الي الصيغة القانونية،لمشروع القانون الذي يضم سبعة فصول حيث تناول الفصل الأول أسم القانون وبد العمل به بينما ناقش الفصل الثاني أهداف التنظيمات ومشروعية نشاطها،أما الفصل الفصل الثالث فقد تناول البنيان النقابي،وخصص الفصل الرابع لإدارة التنظيمات، والنظام الأساسي للنقابات والاتحادات في وقت ناقش الفصل الخامس التفرغ النقابي وضمانات أعضاء اللجان بينما ناقش الفصل السادس المسجل ونائبه وإجراءات إنشاء التنظيمات،تعيين المسجل وسلطاته واستئناف قراراته وأخيرا خصص الفصل السابع للعقوبات،بينما قالت المذكرة التي تم تسليمها مع القانون للوزيرة ان الذين شاركوا في الإجتماعات والمشاورات إهتدوا بالمبادي والمرجعيات الفكرية المتمثلة في تاريخ الحركة النقابية السودانية وما طرأ عليها من تأثيرات بأحداث سياسية واجتماعية واقتصادية فضلا عن الاهتداء باتفاقية الحرية النقابية وكفالة حق اتنظيم النقابي واتفاقية (98) التي أصدرتها منظمة العمل الدولية التي حرمت تدخل المخدم في شئون النقابة، وعلي وجه التحديد إغراء العاملين بالإمتناع عن الإنضمام الي النقابة اوالتدخل في إدارتها،يذكر ان الجهات التي بادرت بمشروعات قوانيين هي :تجمع المهنيين -الحزب الشيوعي-الجبهة الديمقراطية للمحاميين-حزب الامة القومي-حزب البعث العربي الاصل -الحزب الوطني الاتحادي الموحد -تجمع تصحيح واستعادة النقابات العمالية -النقابات الشرعية-المركز السوداني للحقوق النقابية وحقوق الانسان.
دعوة للنقاش والتوافق:
وفي نوفمبر 2020م،نظم مركز الأيام وبالتعاون مع مكتب النقابات بتجمع المهنيين السودانيين، ندوة (الحركة النقابية – الفرص والتحديات) بالقاعة الكبرى بوزارة التعليم العالي بالخرطوم ،وأبتدر محجوب محمد صالح الندوة، ودعا للمزيد من النقاش للتوفيق بين مشروعي القانونين، اللذين أعدتهما وزارة العمل، وتجمع المهنيين السودانيين بالتعاون مع مركز الأيام، وقال محجوب في ورقة قدمها في الندوة بعنوان: (الراهن النقابي بين الفرص والتحديات) أن المسألة لا تحتمل الانقسامات، لأن أغلب الأسس المتعلقة بتأسيس العمل النقابي، أصبحت متفقاً عليها وواردة في إتفاقيات ومواثيق دولية،وأشار محجوب، إلى أن مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية اهتم بمسألة النقابات في الفترة الانتقالية، ذلك حينما لاحظ تعدد مسودات قوانين النقابات التي بلغت (11) مسودات، ونجح في توحيدها في مشروع قانون واحد موحد لقي قبولاً من كل المشاركين في المناقشات، وقال إنه بعد أن تم تقديم مشروع القانون الموحد، اتضح أن هناك قانوناً آخر أعدته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية،ودعا محجوب، لبذل مزيد من الجهد للإسراع في توحيد مشروعي القانونين في قانون واحد، لتتسنى إعادة تأسيس الحركة النقابية على أسس متفق عليها من الجميع، وخاصة حسبما ذكر (أنه ليس هناك خلاف كبير بين القانونين)
النقابات والاتفاقيات الدولية:
ومن جانبه انتقد القانوني عمر الفاروق شمينا في ورقته (الحركة النقابية، القانون، الاتفاقيات والمعاهدات الدولية)، انتقد قانون (المنشأة) الذي قال إنه ظهر لأول مرة في عام 1971 ووصفه بأنه استثناء، وبعد أن سرد شرحاً له، قال إن النقابة تقوم على الصنعة، الحرفة، المهنة والقطاعات وليس المنشأة،وشدد شمينا، على أن القانون الموحد الذي دفع به تجمع المهنيين للحكومة هو أكثر قانون عمالي ناضج، وأبان أنه نتاج جهد أكاديمي وفني ضخم مصحوب بتجربة عملية ثرة، وأشار إلى أنه لا يتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، حيث يتح الاستقلالية والوحدة والديمقراطية،وأبدى شمينا، استغرابه من دفوعات وزارة التنمية الاجتماعية والعمل بأن القانون الموحد هو قانون أحزاب سياسية، واعتبرها حجة واهية وضعيفة تؤكد المحاولات التي تود إبعاد الحركة النقابية من الساحة السياسية واستبدالها بمنظمات المجتمع المدني،كما انتقد شمينا، جمع العامل لعضوية نقابتين، وقال إن قوانين العمل الدولية تقول إنه لا يجوز إنشاء أكثر من نقابة واحدة للعمال، ولفت إلى أن قانون الوزارة يجرد النقابات من أهم مميزاتها وهي الاستقلالية عبر تضمينها للسلطات الواسعة لمسجل العمل، وقال إن القانون الموحد الذي شارك هو في إعداده يعطي حق التسجيل لمسجل قضائي، وذكر أن الاتفاقيات الدولية تقوم على ثلاثة أضلاع هي (الحكومة، المخدمين، العمال)، وأن القانون الدولي يمنع تدخل تلك الجهات في حقوق وشؤون العمال..
مقاومة ومصادمة
ومن جهته شارك الخبير القانوني والنقابي صديق الزيلعي، بتسجيل صوتي من العاصمة البريطانية لندن، وتحدث عن السمات والمميزات التي تميزت بها الحركة النقابية في السودان، وأكد أنها بدأت واستمرت ديمقراطية تعمل على انتخابات القيادات من القواعد، إلا أن الفترات العسكرية والشمولية عملت على تدجين الحركة النقابية وجعلها خادماً للسلطة وليس العمال،وقطع الزيلعي، بأن النقابات ظلت مقاومة ومصادمة وتدافع بشراسة عن حقوقها وتعمل على صون الممارسة الديمقراطية، وتكافح الانقسامات التي تعتريها، بجانب دعمها وتأسيسها للحركات النقابية في الوطن العربي وأفريقيا،واعتبر الزيلعي، أن التحدي الذي تواجهه الحركة النقابية حالياً هو المحاولات المستميتة لإبعادها من السياسية، ودعا لإبعاد الأحزاب السياسية من النقابات، وليس إبعاد النقابات عن السياسة باعتباره حقها المشروع ويمثل دورها الوطني الرائد، وطالب بالمحافظة على التاريخ الناصع للحركة النقابية التي تميزت بالصدام والوطنية والوحدة والديمقراطية،وذكر الزيلعي، أن هنالك انقطاع أجيال وانقطاع معرفي نتيجة للتغييب المتعمد للنقابات طوال الـ(30) عاماً الماضية، ودعا لتأهيل وتدريب النقابيين المستقبليين، ونبه إلى أن النقابات قامت في السودان قبل إصدار القانون الذي ينظمها في عام 1948م، وامتدح التوحد الذي قام بها الأطباء وانضمامهم في جسم واحد، بالإضافة لدور رائد الصحافة محجوب محمد صالح، بقيامه بتوحيد الوسط الصحفي حول النقابة.
هجوم على العمل
وهاجم نقابيون وأعضاء في اتحاد عمال السودان (الشرعي) الذي قامت حكومة النظام المخلوع بحله بمجرد وصولها للسلطة، هاجموا محاولة النظام المخلوع قتل الحركة النقابية السودانية، وأبدوا استغرابهم من سلوك حكومة الثورة التي تعمل على السير في ذات نهج النظام المخلوع،وقال عضو اتحاد النقابات الشرعي عكاشة عبد الرحمن، إن من أبرز تحديات الحركة النقابية في الوقت الراهن هو قانون وزارة التنمية الاجتماعية والعمل التي تعمل على إجازته، ورأى أن هذا القانون يحتوي على مغالطات فنية واستراتيجية ضخمة، تقوض استقلالية وحيادية وديمقراطية الحركة النقابية،وأضاف أن حديث الوزارة عن مواءمة قوانينها مع منظمة العمل الدولية هو عبارة عن تغبيش للوعي، ولفت إلى أن منظمة العمل الدولية تهدف لكسر شوكة الحركة النقابية،وفي ذات الوقت قال النقابي محجوب كناري، إن العمل النقابي في الأساس هو عمل سياسي مطلبي احتجاجي، وأكد على أن الفراغ النقابي الحالي هو عمل مقصود ومدبر له، وتابع: (هنالك جهات سياسية دولية ومحلية تهدف لإفراغ الحياة السياسية في البلاد من النقابات حتى يتسنى لها تمرير مشروعها السياسي والسيطرة على مفاصل البلاد) واعتبر كناري، أن هناك استهداف ممنهج للقيادات النقابية المستقبلية في الوقت الراهن، بهدف تحجم دورهم وتخويفهم وجبرهم عن التراجع عن مشاريعهم(يتبع).