الأحد, سبتمبر 21, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالسودان: حمي الضنك تُزهق الأرواح بصمت ؟

السودان: حمي الضنك تُزهق الأرواح بصمت ؟

السودان: حمي الضنك تُزهق الأرواح بصمت ؟

كتب:حسين سعد
ما يحدث اليوم من موت فاجع في السودان بسبب إنتشار حمي الضنك التي حصدت الأرواح بجانب الكوليرا والملاريا ، ليس مجرد أزمة صحية محدودة، بل هو مأساة إنسانية وحقوقية تتكشف فصولها يومًا بعد يوم، فمن جهة، يقف المواطنون وجهاً لوجه أمام وباء قاتل مسنود ببعوضٍ يجد البيئة المثالية للتكاثر وسط شبكات مياه متدهورة وغياب حملات الرش، فأزمة الصحة بالسودان بوصفها المرآة الأكثر قسوة لما تعانيه البلاد من حرب وحصار يخنق بعض المدن مثل الفاشر وكادوقلي ، لم تعد الأمراض مجرد تهديد طبي محدود، ومن جهة أخرى، يتجلى الانتهاك السافر لحق أساسي تكفله المواثيق الدولية: الحق في الصحة، الحق في الحياة، والحق في الكرامة، في بلادي صار الوصول إلى الدواء رفاهية، وأصبحت المستشفيات أطلالًا، حيث دمرت الحرب الكارثية (90%) من المستشفيات، وبعضها صار ثكنات عسكرية ويضطر الأطفال والنساء والكهول إلى مواجهة الأوبئة بلا حماية، فنحن أمام كارثة صحية لا تقل بشاعة عن ويلات القصف والنزوح، إنّ المرض، في مثل هذا السياق، لا يختار ضحاياه بقدر ما يُفرض قسرًا عليهم نتيجة غياب الرعاية وانهيار أنظمة الحماية، وهنا، يلتقي الطب بالقانون، ويلتحم الجانب الإنساني بالحقوقي، ليكشف عن مأساة مزدوجة: مواطن عليل لا يجد سريرًا أو دواءً، ومواطن مُهدر الحقوق لا يجد دولة أو مؤسسات تنصفه.
صرخات في العزلة:
المصيبة والفاجعة الكبري في أعلان غرفة طؤاري الكبابيش بجنوب الخرطوم حالة الطوارئ الصحية بأيديهم، هذا لا يعكس فقط تفشي حمى الضنك، بل يُجسّد بوضوح إنهيار الدولة في أهم واجباتها حماية حياة مواطنيها وضمان حقهم في الصحة التي إنهارت بفعل الحرب اللعينة، المرض هنا لا يطرق الأبواب بهدوء، بل يقتحمها بعنف، حاملاً معه الحمى المرتفعة والصداع الحاد وآلام المفاصل، ومهدداً بموجة وبائية واسعة في ظل غياب المبيدات والأدوية وضعف المرافق الصحية، وقالت غرفة طؤاري الكبابيش في بيان لها إنها سجلت زيادة في حالات الاصابة بالضنك وصفتها بالمقلقة، وقالت الغرفة إن الوضع الصحي يتطلب تدخلاً عاجلاً من السلطات الصحية والمنظمات الإنسانية والدولية لتوفير الأدوية والمحاليل الوريدية والمبيدات اللازمة للحد من انتشار المرض ، وفي حي السلمة المدينة الخيرية المجاور للكبابيش تحدث مع المحامي جمال جبريل الذي أشار الي تزايد حالات الاصابة بالمرض بشكل متزايد ، ومن جهته كتب الناشط بغرفة طؤارئ السلمة وجنوب الحزام عمار حسن كتب في صفحته في الفيس بوك قائلا: إن كل منزل من منازل الخرطوم به شخص أو شخصان مصاب بحمى الضنك وفي بعض الحالات كل العائله مصابة بحمي الضنك ويحتاج كل مصاب إلي مبلغ 100الف للعلاج. وأشار إلي إرتفاع قيمة درب البندول من 2.500الف جنيه الي 7الف جنيه في جميع الصيدليات وإرجع ذلك إلى مضاربات السوق وإستغلال تجار الأزمات، وفي المقابل تخوف أطباء من أن يقود إستمرار تفشي المرض إلى أزمة وبائية واسعة، خاصة في ظل الحرب التي أضعفت النظام الصحي وأدت إلى انهيار كثير من المستشفيات، وطالبوا بضرورة إطلاق حملات توعية عاجلة، وتوزيع الناموسيات، وتكثيف حملات الرش، إلى جانب تعزيز قدرة المراكز الصحية على استقبال المصابين.
أطفال بلا مناع ونساء بلا علاج:
وفي ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم أعلنت الاستاذه نفسيه احمد العباس مدير المرحلة الثانويه بولاية الجزيره عن تعطيل الدراسه بجميع المدارس الثانوية لمدة خمسة عشر يوما اعتباراً من يوم الأحد 2025/9/21 وتنتهي يوم السبت 2025/10/4 بسبب تفشي حمى الضنك والملاريا، وكانت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، أخصائية الباطنية والأوبئة وعضو فرعية خصوصي أم درمان وعضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان،قد أكدت في حديثها مع مدنية نيوز تفشي أمراض حمى الضنك والملاريا بولاية الجزيرة، حيث تم تسجيل 688 حالة إصابة بحمى الضنك بينها 127 حالة وفاة، إضافة إلى 1467 حالة إصابة بالملاريا نتجت عنها 231 حالة وفاة، وكشفت د. أديبة، في حديثها لـ مدنية نيوز ، عن تكدس المرضى في المستشفيات القليلة التي ما زالت تعمل، بجانب النقص الحاد في الكوادر الطبية وعدم توفر الأدوية المنقذة للحياة، وإستعجلت د. أديبة السلطات الصحية الولائية والمحلية بضرورة التحرك السريع عبر حملات رش المبيدات، وردم البرك، وإزالة النفايات، وتوفير الأدوية بجميع المستشفيات العاملة حالياً، وفي ولاية جنوب كردفان وصفت السيد الأوضاع الصحية بأنها (كارثية بمعنى الكلمة) في ظل الحصار المفروض على مدن وقُرى الولاية، خاصة كادوقلي والدلنج، حيث يواجه المواطنون شبح المجاعة والأوبئة في غياب شبه كامل للخدمات الطبية، وأكدت اديبة في حديثها مع مدنية نيوز اليوم معاناة 350 ألف مواطن من سوء التغذية، بينهم أطفال ونساء حوامل ومرضعات وكبار السن ومرضى الأمراض المزمنة، مما أدى إلى ضعف المناعة وانتشار واسع للأمراض، وأشارت أديبة الي تسجيل أكثر من 5 آلاف إصابة بالكوليرا، بينها 942 حالة في كادوقلي وأكثر من 1027 حالة في الدلنج، إلى جانب انتشار حمى الضنك (829 حالة مؤكدة) والتايفويد والملاريا بأشكالها المختلفة، فضلاً عن إصابة 250 شخصاً بالسل.


وباء صامت يهدد الأرواح:
إن تفشي حمى الضنك يُظهر هشاشة النظام الصحي السوداني في ظل الحرب، وضعف البنية التحتية الصحية، حيث تفتقر المستشفيات والمراكز للأدوية الأساسية وأدوات التشخيص، وغياب حملات الوقاية من رش ومكافحة البعوض، مما ترك المواطن يعتمد على وسائل بدائية، وتدهور شبكات المياه والصرف الصحي التي ساعدت في خلق بيئة خصبة لانتشار البعوض الناقل للمرض، هذه المؤشرات الصحية تعكس أن الخطر أكبر من قدرة المجتمع المحلي على إحتوائه، وأننا أمام احتمال تحوّل الأزمة إلى وباء واسع النطاق إذا لم تتم الاستجابة بسرعة في ظل إنتشار الأوبئة مثل حمى الضنك، الملاريا، الكوليرا، وسوء التغذية الحاد بين الأطفال، وشح الدواء والمحاليل الوريدية، حيث يعتمد المرضى على مساعدات نادرة تأتي عبر قنوات إنسانية مثقلة بالقيود، هذه المؤشرات ليست مجرد أرقام ، بل هي حكايات عن أسر تفقد أحبّتها لأمراض يمكن علاجها بسهولة في ظروف طبيعية، وعن أطفال يموتون بسبب لدغة بعوضة لأن المجتمع الدولي تقاعس عن مد يد العون في الوقت المناسب، أزمة الصحة من منظور حقوق الإنسان فهي كما قلنا أعلاها انتهاك صارخ للحق في الصحة، فالدولة ملزمة – حتى في أوقات الحرب – بتأمين البيئة الصحية الأساسية، لكن الواقع يظهر غيابًا شبه كامل لدورها، وكذلك المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية تضامنية بموجب القانون الدولي الإنساني لتوفير المساعدات الطبية دون عراقيل، فالمواطن السوداني محروم من أبسط حقوقه الوقاية من مرض معروف، والعلاج المتاح عالميًا، إن غياب التدخل الجاد يضع المواطنين في مواجهة الموت البطيء، ويفضح فشل كل الأطراف في حماية الحياة كأقدس حق إنساني، فالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ينص بوضوح على الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، وكذلك القانون الدولي الإنساني يُلزم أطراف النزاع بتأمين المساعدات الطبية والمدنية دون عرقلة، فالمسؤولية تقع على عاتق الدولة أولاً، ثم على المجتمع الدولي، لضمان توفير بيئة صحية آمنة، حتى في أوقات الحرب، إذًا، فإن ترك المواطنين يواجهون الأوبئة بلا حماية أو دواء ليس عجزًا إداريًا فحسب، بل هو جريمة صمت وإخلال بالواجبات الإنسانية. فالمطلوب لهذا الواقع الكارثي هو وقف الحرب أولا ، وإطلاق تدخل عاجل من السلطات والمنظمات لتوفير الأدوية والمحاليل الوريدية والمبيدات، وتنفيذ حملات رش وقائية واسعة تستهدف المناطق الموبوءة وتجاورها، وتوزيع الناموسيات وتكثيف حملات التوعية المجتمعية حول الوقاية، وتعزيز قدرات المراكز الصحية عبر الدعم اللوجستي وتوفير أدوات التشخيص السريع، وتدخل عاجل للمنظمات الدولية لتأمين الإمدادات الطبية، وخاصة الأدوية الأساسية والمحاليل الوريدية وأجهزة التشخيص، وحماية الكوادر الطبية عبر الضغط على أطراف النزاع لوقف استهداف المستشفيات وضمان سلامة العاملين الصحيين، وإشراك المجتمع المحلي في حملات التوعية والوقاية، خاصة فيما يتعلق بالنظافة العامة واستخدام المبيدات.
في الختام:
إنّ حمى الضنك ليست مجرد وباء عابر، بل جرس إنذار يقرع أبواب الضمير الإنساني والحقوقي معًا، كما أن ترك المواطن يواجه الحمى والموت بوسائل بدائية، فذلك يعني أننا أمام جريمة صمت أكثر فتكًا من المرض نفسه، لان الحق في الصحة ليس منّةً ولا هبة، بل هو شريان حياة يوازي الحق في الأمان والغذاء، وحين يُحرم المواطن من سرير وقطرة دواء وناموسية تحميه من لسعة بعوضة، فإن الإنسانية برمّتها تكون قد خسرت معركة أساسية، فاليوم يقف السودان أمام اختبار قاسٍ: إما أن تُرفع الاستجابة إلى مستوى التحدي لإنقاذ الأرواح، أو أن يُترك المرض يكتب فصوله بدماء الأبرياء لان موت طفل بسبب لسعة بعوضة أو قلة قطرة دواء، فذلك ليس قدرًا محتومًا بل جريمة ترتكبها يد الإهمال والتقصير، فالدفاع عن الحق في الصحة اليوم ليس ترفًا، بل هو معركة وجودية لإنقاذ أرواح على حافة الموت، وأمل في أن يبقى للإنسان السوداني الحق في أن يحيا بكرامة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات