الصادق علي حسن يكتب : أخطاء بلنكين وبيرييلو (١)
أخطاء بلنكين وبيرييلو
كنت قد كتبت ستة مقالات سابقة بعنوان فشل مفاوضات جنيف قبل انعقادها محدودية رؤى الوسطاء والأطراف ووردت لي عدة تعليقات وملاحظات من القراء أنصبت حول ضرورة التمسك بالأمل والبناء على النقاط الإيجابية في المبادرة الأمريكية المتمثلة في ضرورة وقف الحرب والتفاؤل بدلا عن بث روح الإحباط خاصة وأن الشعب السوداني لم يتبق له سوى الأمل في وقف الحرب ، كما ومن الإجحاف حرمانه حتى من بصيص هذا الأمل في وقف الحرب، فقمت بتغيير عنوان سلسلة المقالات المتبقية إلى طوق نجاة، وكتبت عن الأمل والتفاؤل في الجهود الأمريكية والحذر من نتائج القصور ، ولكن كما توقعت فإن مفاوضات جنيف لم تبرح مكانها بل فتحت مفاوضات جانبية في جدة ومحتملة في القاهرة وجرت المفاوضات بجدة والمحتملة بالقاهرة لتبحث في شروط قبول البرهان إرسال وفدا منه إلى مفاوضات جنيف وليس ذهابه بنفسه كما كان مخططا له من الجانب الأمريكي.
أخطاء بلينكن وبيرييلو :
لأول مرة تتكشف للرأي العام السوداني بصورة وأضحة أخطاء الدبلوماسية الأمريكية وقصورها في بحث الأزمة السودانية ، ومن الأخطاء، تعاملت الدبلوماسية الأمريكية بثقة متناهية وكأنها تمتلك القرار أو كأنها أجرت مشاورات كافية وحصلت من الطرفين على الموافقة بالمشاركة بصورة قاطعة مع أن مبعوث الرئيس الأمريكي توم بيرييلو حتى قبيل فترة قصيرة من الزمن المحدد لبدء مفاوضات جنيف ذهب إلى بورتسودان وأرسل من مطارها رسائله إلى البرهان ، ولكن لم يبدر من البرهان ما يشير بالموافقة، الوزير بلينكن نفسه قام بإجراء اتصالين بالبرهان للإنضمام للمفاوضات خلال فترة قصيرة وفيهما بذلت الخارجية الأمريكية الوعود للبرهان مما أظهر القصور والإرتباك في وساطة الدبلوماسية الأمريكية ، الإرتباك الأمريكي الذي ظهر مٌكن البرهان لأول مرة من استغلال وسائل دبلوماسية في الحوار مع الولايات المتحدة وحقق لنفسه ولنظامه مكاسب دبلوماسية معتبرة ، بحسب إعلام مجلس السيادة خاطب وزير الخارجية الأمريكية انتوني بلنكين والمبعوث الأمريكي بيرييلو البرهان بوصفه رئيسا لمجلس السيادة ، وحتى إذا حدث ذلك أثناء المكالمات الهاتفية فإن الحديث الشفهي يؤخذ على سبيل العلاقات العامة ولا يغير في الموقف الرسمي الأمريكي في شيئ فمثل هكذا اعتراف لا يتحقق إلا في حالة صدوره من الإدارة الأمريكية وليس من بلنكين أوبيرييلو في هكذا مشافهات كلامية، ولكن هذه المشافهات جعلت الأجهزة الرسمية السودانية تتحدث عن حدوث اختراقات والحصول على الاعتراف الأمريكي بحكومة البرهان ، لم تصدر من السفارة الأمريكية ولا الخارجية الأمريكية أي نفي حرصا منهما على قبول البرهان بإرسال وفده إلى مفاوضات جنيف وظلتا تبحثان عن مشاركته وتغضان الطرف عن البيانات التي يصدرها إعلام مجلس السيادة، ووظف البرهان والإعلام المساند له هذه الغاية والتصريحات المنسوبة للمبعوث الأمريكي بريلييو ولم ينفها بأن الولايات المتحدة لن تسمح بأي مشاركة للدعم السريع في الشؤون السياسية مستقبلا وإدانة الجرائم والأفعال المنسوبة للدعم السريع وتمسك البرهان وإعلامه بإدانة الدعم السريع وتنفيذ إتفاق جدة طالما الولايات المتحدة تقر بإرتكاب الدعم السريع لإنتهاكات فادحة، لقد تمكن البرهان من استغلال أخطاء الدبلوماسية الأمريكية وتوظيفها في فتح نوافذ لمفاوضات مستقلة في جدة وفي القاهرة مع الجانب الأمريكي تحت غطاء المشاورات وتمكن البرهان من تمرير رئاسة أحد أعضاء حكومته لوفده وهو الوزير أبو نمو والذي لا علاقة بالجيش وهنالك حصل البرهان عمليا على الإعتراف بحكومته قبل الذهاب إلى جنيف، فما الذي كان يمكن أن يحصل عليه من مكاسب اعتبارية بأكثر مما حصل عليه .
من أخطاء الدبلوماسية الأمريكية أيضا أنها ضربت سياجا من الكتمان الشديد على مكان المفاوضات كما وجلبت نخب ووأجهات المنظمات التي ظلت تقوم بدور تمثيل المجتمع المدني السوداني في المحافل والمنابر الخارجية وصارت مثل نخب الأحزاب وفي الواقع الحال تعددت وأجهات المجتمع المدني السوداني ،ومن الأخطاء الفادحة لبيرييلو التصريحات المنسوبة إليه بانه قام بإجراء مشاورات مع القوى المدنية وهو يقصد هكذا نخب بمظنة أن مثل هذا الإعلان عن هكذا خطوة ستكسب الوسيط الأمريكي القوة وتعزز من دوره وقد فات على ممثلي الدبلوماسية الأمريكية النظر إلى التغييرات الكبيرة التي حدثت وتأثيراتها ، لقد وجد البرهان ودبلوماسية نظامه المتمرس على الحيل ضالتهما في لهفتي بلنكين وبريلييو لاستخلاص المزيد من المكاسب الاعتبارية منهما وتحولت المشاورات بين الطرف الأمريكي والسوداني لشروط من جانب البرهان للقبول بحضور وفده إلى مفاوضات جنيف ، كما ورفض البرهان منح الدبلوماسية الأمريكية نقاط لإظهار نجاحه الشكلي وتمسك بمواقفه وبهكذا صارت الدبلوماسية الأمريكية تمارس ما يعرف بأعمال وأنشطة البطة العرجاء التي تكون رهينة بالإنتخابات الأمريكية وليست عبارة عن تدابير وخطط مدروسة لمعالجة أزمة كبرى باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين ، وأصابت الدبلوماسية الأمريكية خسائر فادحة من جراء القصور والإرتباك لبلنكين وبيرييلو وأهتزت ثقة الشارع السوداني في الجهود الأمريكية المبذولة في مفاوضات جنيف