الصادق علي حسن يكتب : أخطاء بلنكين وبيرييلو (٥) .
بقلم : الصادق علي حسن.
ظهور الطرف الثالث .
عقب اخفاقه في جلب البرهان إلى مائدة مفاوضات جنيف تحدث المبعوث الأمريكي توم بيرييلو بأن الطرف الثالث الذي يريد استمرار الحرب أعاق وصول البرهان والجيش إلى جنيف، هذه التبريرات وأهية وهي أشبه لتبريرات الساسة السودانيين الذين فشلوا في إدارة الدولة السودانية وأزماتها منذ استقلال البلاد ، ونتج عن هذا التبرير الفطير وقد صار المبعوث الأمريكي بيرييلو مثل نشطاء المجتمع السياسي والمدني السوداني ، بيرييلو تحدث عن مشاورات مع قوى مدنية سودانية وتشكيل حكومة مدنية وانتخابات عامة لتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة، كما صحب مفاوضات جنيف خطط لتنظيم ورش لبحث قضايا وشؤون أخرى وأصدرت دول الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وسويسرا والمملكة المتحدة والإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بيانا بشأن السلام المستدام ودمج وجهات النظر بهدف معالجة الأزمة التي تعانيها النساء والأطفال في السودان فضلا عن تعزيز أهدافهن وتلبية احتياجتهن عبر المسارات المختلفة وجاء في ذلك البيان المنشور (ولهذا السبب،أنشأت الوفود مجموعة متخصصة ستمنح الأولوية لدمج أفكار وتوصيات النساء في السودان)، إن المعلن عنه بأن أجندة مفاوضات جنيف هي وقف الحرب والمساعدات الإنسانية ، لقد كشف البيان المذكور بعض من الأنشطة والفعاليات المصاحبة لمفاوضات جنيف ، إن الوسيط الأمريكي لا يدرك حتى الآن تعقيدات المشهد السياسي السوداني، فبمثلما صارت النخب السياسية السودانية ونخب قيادات الحركات المسلحة أشبه لشبكات العلاقات العامة فإن النساء السودانيات لم تتخلفن عن الصراعات السياسية والمدنية الدائرة وبعد صدر البيان المذكور صدرت انتقادات لاذعة من العديد من النساء اللآتي لم تشاركن أو لم تتم دعوتهن ووصفن غالبية رصفياتهن المشاركات بأنهن من صناعة المنظمات الغربية ولا يعبرن عن النساء، لقد أطلعت على عدة تعليقات من نساء بل سمعت بعضهن تتحدثن بصورة سالبة عن تجيير صوت النساء في هكذا منابر من دون النظر فيما تم بحثه ومدى فائدته للمرأة السودانية ، هذا الإتجاه يكشف عمق الأزمة المتجذرة في المجتمع المدني والسياسي السوداني، وأظهرت أن ترتيبات مفاوضات جنيف لم تكن بالقدر المناسب من التخطيط والدراسة الصحيحة.
إن تصريحات القوى السياسية والمدنية السودانية المتخندقة في نظريات المؤامرة والطرف الثالث صارت بالية وكشفت عن ضعف الحيلة والخطط والوسائل، ولكن ليس من المقبول على الإطلاق من المبعوث الأمريكي الحديث عن طرف ثالث ليلقي عليه باللائمة في فشل مفاوضات جنيف ،و البديهي أنه قام بدراسة كاملة وأجرى مشاورات كافية لكل لوازم ومتطلبات العملية التفاوضية وأنه قام بتحديد الأطراف وكل الخيارات والاحتمالات الواردة قبل تحديد مكان وزمان التفاوض ودعوة طرفيه ، والسؤال لماذا لم يضع بيرييلو خططه للتعامل مع الطرف الثالث المعروف والذي ظل يعلن عن مواقفه علنا من الحرب، كما ،وما الذي جعله على قناعة تامة بأن البرهان سيستجيب لدعوته بالذهاب إلى جنيف ولا يستجيب للطرف الثالث، هذه تبريرات فطيرة.
*وفد الدعم السريع يحرج الوسطاء :
عقب انفضاض مفاوضات جنيف وصدور بيانها الختامي الذي تناول فتح معبري أدري والدبة بموافقة البرهان لأغراض وصول المساعدات الإنسانية، وقد ذكر البيان استمرار المساعي مع طرف البرهان مما يكشف بأن المفاوضات لم تحرز أي نوع من أنواع التقدم الإيجابي ،حاول وفد الدعم السريع المشارك في مفاوضات جنيف تسجيل نقاطا لصالحه وعقد وفده المفاوض مؤتمرا صحفيا تحدث فيه ضمن أمور أخرى متعلقة بمجريات المفاوضات بأن الوفد توصل لاتفاق مع المجتمع الدولي والوسطاء بفتح مطارات نيالا-الضعين -زالنجي- الجنينة) لتشغيلها من قبل الأمم المتحدة حتى تسهل ايصال المساعدات الإنسانية لكافة المواطنين) والمعلوم بالضرورة أن مصطلح المجتمع الدولي في العرف الدولي مثل القياس بالرجل العادي في القانون أي ما يمثل الإتجاه العام، ولا يصلح ما يعرف بمصطلح المجتمع الدولي في حالة إنشاء المراكز التفاوضية والاتفاقية ، أما الوسطاء فلا يمكن الاتفاق معهم وهم يمارسون دور الوساطة بين الطرفين ، كذلك الأمم المتحدة لها نظمها وميثاقها ولا يمكن أن تقوم بنقل المساعدات الإنسانية عبر مطارات دولة بتخطي الطرف الذي يشغل مهام تصريف شؤون الدولة ولو كان سيادته على الدولة المعنية منقوصة ، طالما لا يزال ذلك الطرف هو من يمثل الدولة ويتحدث بإسمها ، ما لم يصدر بذلك قرارا من مجلس الأمن الدولي ، مما يعني بأن مفاوضات جنيف كانت أشبه ما يكون بسوق عكاظ في ظاهرة الحالة السياسية السودانية.