تقرير:جعفر السبكي
ينما تتصاعد الأزمة الإنسانية في السودان، مع اتساع رقعة النزوح وانهيار الخدمات الأساسية، تتجدد الدعوات الدولية لإيقاف القتال وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الانسانية.
وقد جاءت أحدث هذه الدعوات، من الولايات المتحدة التي أكدت ضرورة التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة، لاحتواء تداعيات الحرب التي تدخل مراحل أكثر تعقيدًا.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن اقتراح خطة “الرباعية الدولية” يتضمن هدنة تمتد ثلاثة أشهر، سيسعى خلالها الوسطاء إلى الجمع بين الجيش، وقوات الدعم السريع في مباحثات بمدينة جدة، من أجل التوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل مجموعة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، الإمارات، السعودية، ومصر)، مؤكدة استعدادها لاستكمال الترتيبات اللازمة لإيصال المساعدات وبدء مناقشات وقف العدائيات.
غير أن الجيش السوداني لم يبدِ تجاوباً مماثلاً، متمسكًاً بخيار استمرار العمليات العسكرية. هذا التباين يثير أسئلة حول أسباب رفض الجيش للتهدئة في هذه المرحلة.
لماذا يصر الجيش على مواصلة القتال؟
. الحسابات العسكرية والسيطرة الميدانية
يرى الجيش أن وقف القتال في الوقت الحالي سيجمد الوضع على خرائط السيطرة، ويمنح الدعم السريع فرصة لإعادة التموضع وإعادة ترتيب صفوفه. ولذلك يعتبر أن الهدنة قد تمنحه خسارة سياسية مقابل مكسب خصمه الميداني.
الضغوط الإقليمية والتحالفات
الجيش يتحرك في إطار شبكة معقدة من التحالفات والدعم الإقليمي. وقد تربط بعض الأطراف الإقليمية استمرار الدعم العسكري بمواصلة العمليات على الأرض وعدم القبول بتسوية تُعد مبكرة بالنسبة لهم.
الصراع على شرعية السلطة
يرى الجيش أن وقف الحرب الآن قد يضعه في موقع تفاوض متساوٍ مع الدعم السريع، وهو ما لا يقبل به باعتباره المؤسسة التي تمثل الدولة رسميًا. ولذلك يسعى لتعزيز موقفه قبل أي عملية سياسية.
النتيجة الإنسانية
بين جولات القتال وحسابات القوة، يبقى المدنيون هم الأكثر تضرراً ومسددي فاتورة الحرب الباهظة
11 مليون نازح وُصفوا بأنهم أكبر حركة نزوح في العالم اليوم.
تدهور حاد في الخدمات الصحية ومخزون الغذاء والدواء.
موجات واسعة من اللجوء إلى مصر وتشاد وجنوب السودان.
الفساد والمزايدات السياسية:
إن السبب الرئيس لتهرب جيش “الحركة الاسلامية الارهابية” من أي هدنة لتضع الحرب اوزارها مختطفة لسان الجيش وإرادته، هو الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية ومحيطها.
والذي بلا شك سيكشفه كشاف الهدنة وإيقاف ريع إستثمار الحرب؛ بأشعة السلام “السنية” النافذة والمُثبتة بالعديد من التقارير موثوقة التدوين دقيقة المصدر، في المناطق التي يسيطر عليها “الجيش” مثل بورتسودان، عاصمة الفساد الادارية لسلطة الجيش بإمتياز، وهو ما أدى إلى حالة من التذمر داخل صفوف تحالف مليشيات الحرب و”بل بس” العسكريين أنفسهم”.
ثم تأتي “المزايدات بين قيادات جيش الحركة والمليشيات التابعة له، وتحديداً في مجلس السيادة، حيث تحاول كل مجموعة الظهور بمظهر العنترية، أو الأكثر صلابة في مواجهة قوات “الدعم السريع”. إصراراً على الحرب مثل حديث مالك أو “نجفة “عقار المثير للشفقة والسخرية في آنٍ واحد “لا جدة، ولا جداده” !
ويظل التناقض والصراع، حول مراكز صناعة القرار ثمة ملازمة للعصبة. وما لواقعة توقيع الفريق شمس الدين كباشي شانتو نائب القائد العام لجيش الحركة الاسلامية، اتفاقاً أولياً بالأحرف الاولى في مدينة المنامة عاصمة البحرين، لوقف الحرب. وقد صرح حينئذ قائلاً إن “الاتفاق تم بموافقة القيادة العامة! لكن عندما تم تسرّيب الخبر إعلامياً من قبل صحفيي الحركة الاسلامية، واجه الكباشي نفسه، حملة تخوين واسعة النطاق، بروافع اقلام وحناجر ابواق الحرب، من نفس منسوبي عصابة الحركة الاسلامية الاسلامية الارهابية، ولم تستطع “قيادته العسكرية” في الجيش شجاعة الدفاع عنه، وهو في قمة هرمها! وهي إشارة جلية، على تعدد مراكز القرار حتى داخلها” أي قيادة الجيش العليا، حيث لا تملك تلك الاكتاف المرصعة بالنجوم، والمقصات، والتيجان، والصدور الممتلأ بالأوسمة المزيفة قرار نفسها.

الحرب مشروع الكيزان السياسي بلا جدال
أما اهم العوامل والأكثر قيمة في عدم مقدرة الجيش على اتخاذ قرار الهدنة، فهو أن “الحرب” هي مشروع سياسي للحركة الاسلامية الارهابية، مسنود إقليماً وعالمياً، من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مادياً وإعلامياً، وهدفه الاسمّى، هو عودة نظام الحركة الاسلامية الارهابية، في السودان، للسلطة والحكم عبر هذه الحرب وبفوهة البندقية، وهو هدف معلن ضُحى لإعادة الإسلاميين إلى الحكم “
ومعضلتهم الاساسية أن مشروع الاسلام السياسي “الكيزان” في السودان، مرفوض شعبياً من الاساس، وعالمياً لارتباطه بالإرهاب العالمي، وإنتاج الحروب باسم الله.
لذلك يسعى الداعمون له باستطالة عمر الحرب بإشعال نارها، بتمويل صفقات سلاحها؛ نصب منصات إعلامها لدعمها؛ أملاً في كسب الحرب فرض النظام الساقط بالقوة، حتى ولو احترق السودان كليةً، بشراً وشجر حرفياً.
وبالرغم من أن كل المؤشرات تؤكد فشله، وعدم إمكانية إعادة إنتاجه، وصفرية كسبه للتأييد الشعبي أو الإقليمي الواعي”.
وحتى من ناحية قتالية “الجيش” لا يستطيع تنفيذ هذا المشروع، كما أن “الحركة الإسلامية الارهابية” حاضنته غير قادرة على كسب؛ قيمة مضافة سياسياً لتسويقه من جديد، لذلك هي قفزة في الظلام كفاحاً، نحو حرب بلا أفق لها، ولا نهاية منتظرة لها، وتدور في دائرة مغلقة”.
وبينما تسعى منظمات الإغاثة لإنقاذ الملايين من السودانيين الذين يعيشون في مناطق عديدة؛ لا تصلها المساعدات الانسانية، بسبب تصاعد القتال، بينما يتحدث قادة الجيش المترفين، وخلفهم داعمي الحرب، وابواق تسعير نيرانها، بُغية استمرارها، ثم الاستثمار و الشروع في “التعمير” والتكسب في الدمار.
بينما اسرهم وابنائهم، في خارج السودان في دعةٍ ورغدٍ عيش، منهوب من أموال سحت مسروقة من لبن الرضع ومغموسة بدماء الضحايا.

“لا إعمار دون وقف الحرب”
أي حديث عن إعادة الإعمار للمنشأت، او صيانتها أو معالجة الكوارث الإنسانية، هو أن يبدأ أولاً بوقف الحرب نفسها”.
فالحرب واستمرار القتال والدعوى له، دمّر البنية التحتية والخدمات الأساسية للمواطنين، والحرب أضعفت الاقتصاد بالضرورة، وعمّقت الانقسامات الاجتماعية”.
وإنهاء الحرب، وتشكيل لجنة تحقيق دولية، هو الطريق الوحيد، لتصفية الحرب، وفتح صفحة جديدة بين السودانيين، مع ضرورة محاسبة منتهكي حقوق الانسان من كل الاطراف، ووضع اساس لدولة سودانية، قائمة على الحكم المدني والديمقراطية والعدالة الانتقالية”.
لكن مع دعوات الهدنة وتشبّث الجيش المختطف، من قبل الحركة الاسلامية الارهابية، يظلّ السودان غارقاً في جب واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية والسياسية، التي ظلت تنمو تحت الحلول المُسكِنة، بينما تتناقص فرص السلام يوماً بعد يوم.
خاتمة:
ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي واضح يضمن ترتيبات وقف إطلاق النار، ستستمر الحرب بوصفها حرب استنزاف طويلة، قد تؤدي إلى تفكك البنية الوطنية وتصدّع المجتمع والدولة.
الدعوات الدولية تتزايد، والضغط الشعبي يرتفع، لكن القرار النهائي يبقى رهين حسابات توازن القوة لا حسابات الإنسانية.

