خالد فضل يكتب :عندما يتمركز بعض غلاة المهمشين ..
خالد فضل
الحصافة الشعبية انتجت المثل السائر (التركي ولا المتورك) والإشارة هنا إلى نمط السلوك الذي يمارسه شخص يتقمص شخصية غيره , إنّه يخرج من جبته الأصلية ولا يلحق نفسيا بالشخصية محل التماهي فتأتي تصرفاته مدفوعة بهذا الإزدواج الشعوري , بين شد المجاراة وجذب الأصل فيصبح (متورك) وهو ليس بتركي , والأخير أفضل منه على الأقل متصالح مع ذاته إن كانت خيرة أو شريرة.
في منتصف الفترة الإنتقالية أيام إتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) أقامت الحركة الشعبية قطاع الشمال احتفالا رمزيا باليوم العالمي لحرية الصحافة (3مايو), بالنهار عقدت ندوة , وفي المساء برنامج خطابي وتكريم …إلخ وكان الفريق مالك عقار نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان هو ضيف الشرف , وعندما اتيحت له الفرصة للحديث , صبّ جام غضبه على الأداء الإعلامي المنحاز لأطروحات المركز متجاهلا أوجاع وهموم المواطنين في الهامش , ولم يوفر في نقده ذلك الصحفيين وخاصة جيل الشباب منهم الذين ترعرعوا في كنف الإنقاذ ! مما أثار حفيظة الصحفيين عامة وشبابهم بصورة خاصة , وربما ردّ عليه بعضهم بعد ذلك بطريقة أو أخرى , الأمانة تقتضي القول إن العلاقة بيننا في أجراس الحرية والسيد مالك عقار لم تك ودية وفي بعض المرات تمت مهاجمته بوضوح في كتابات بعض الزملاء , وقد كان الانطباع أن شخصية عقار لا تخلو من عجرفة .
عاد السيد عقار إلى الخرطوم بعد تسع سنوات تقريبا قضاها مطاردا ومحاربا ومطلوبا للعدالة الإنقاذية بل محكوما عليه بالإعدام بجرائم الحرب والإرهاب وترويع المواطنين والتمرد على الدولة (الوطنية جدا) دولة علي كرتي وأخوانه في المغانم !! وكانت عودته بفضل التضحيات الجسيمة , والأرواح النبيلة التي ارتقت في مضمار النضال السلمي وهي تواجه آلة القمع والموت الإنقاذية . يا له من جيل رائع , عظمة ورفاقه/ته الشهداء/ات الذين/اللاتي سطروا/ن أعظم لوحات التضحية والفداء من أجل حياة تسر الصديق وموت يغيظ العدا كما قال الشاعر, وتمر ذكرى مجزرة فض الإعتصام 3يونيو2019م ويا لها من ذكرى موجعة لكل صاحب ضمير حي وحس انساني مهما كان ضئيلا . عاد السيد عقار الطريد من جنة وطنه إلى جحيم المنافي , وهو بعد طريد من حزبه كذلك , وطريد من مقر قيادته العسكرية في النيل الأزرق , وقد تحفظ كاتب هذا المقال في كلمة منشورة على التوقيت الذي تم فيه ابعاد عقار وعرمان من حزب الحركة الشعبية شمال قيادة الحلو واعتبره هدية مجانية لخصومهم الانقاذيين الذين كانوا يسعون لتمزيق الحركة وما يزالون .
الآن يستيدير الزمان دورته ؛ ويمارس الغربال وظيفته , فيسقط من بين فتحاته ما يسقط من أوشاب و(روس) ويمكث (التيراب) والحب الناضج الناجم , يسقط دعاة الحرب ومؤججوا نيرانها ومشعلوا فتيلها إبتداء , وهي حرب المطامع الدنيئة من الطامعين للعودة الكاملة للسيطرة والاستبداد والانتقام من الثوار وتطلعاتهم النبيلة لبناء الوطن على أسس السلام والحرية والعدالة , إنها حرب جماعات الإسلام السياسي التي لا تصلح للعيش السوي في أوطانها , جماعات التناقض والأنانية المفرطة , يستمتع قادتها وأفرادها بكل مقومات العيش الكريم والحرية وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية في البلدان (العلمانية) الأجنبية , ويسومون بلادهم وشعبهم مرّ العذاب إن طالب بهذه القيم وبالحياة الديمقراطية الثوار . والسيد عقار الرجل الثاني في الحكومة منقوصة الشرعية والسيادة يتولى نيابة عن أصحاب الجلد والراس نشر الوعيد باستمرار شلالات الدم ومأساة القتل والنزوح واللجؤ وكل الانتهاكات التي لن تتوقف ما لم تتوقف الحرب من أي طرف كانت هذه الانتهاكات فالضحايا لا يعنيهم والقتلى لا يخفف عنهم سكرات الموت وغرغرة خراج الروح إن كان من بندقية أولاد عقار أو أشاوس دقلو رفاق مناوي أو الإخوان طبعة جبريل ممن يجأرون بالشكوى تهميشا منذ العام 1956م , فهل يحاربون الآن لحسابهم الخاص ؛ بئس المسعى , أم يقاتلون زودا عن حائط المبكى (مركز الشرور المزعوم سابقا) والطريف أنّ السيد ياسر العطا يؤيد عقار في مسعاه الشرير باستمرار الحرب قائلا (تمام سعادتك وجيشك جاهز !!) تذكرت مقولة منسوبة لأحد قيادات القرية مع شخص من عماله المساكين عندما طالب ذلك العامل بنصيب من ثروة الرجل فاجابه (إنت يا فلان الحق كلو حقك , البقرة الماتت يومداك ماها حقتك , والبابور المعطل ليهو 50 سنة ده هيل منو مو هيلك , فصدّق العامل المسكين وظفق يعدد ممتلكاته البائدة وهو نشوان) فالجيش جيش عقار جاهز يا سعادتك !! تبا لمن غامت رؤيته واعمت مصالحه ومناصبه بصيرته فتماهى مع الجلاد وتحالف مع الضد ليقضي على ذاته تبا لها الوظائف ثمرة الصفقات النية , تبا لكل داعية للحرب تلك السكة العدمية التي جربها من يزعمون النضال -سابقا- فلم يستوزروا ولم ينصبوا ولم تفرش لهم بسط الرئاسة والوزارة إلا على وقع توقيع على اتفاق سلام ولو كان منقوصا , والسيد عقار يستشهد بالغنم والعشب , فهل وجد في حضن الأفاكين من تجار الذين ماءا مبذولا وعشبا ممدودا فرعى , ونسى أن بالنيل الأزرق من يقتاتون عشبا حقيقيا وفي الجبال ودارفور بل في الجزيرة و الخرطوم , والإنسانية لا تتجزأ هكذا جاء رد الحركة الشعبية -الما خمج- الصريح على من تعودوا على استغلال حاجات الناس لتحقيق مآربهم الضيقة المجردة من الإحساس بالناس , فأين موقع السيد عقار ؟ بين سماسرة السلاح في روسيا لجلب مزيد من القتل والدمار بوهم دحر التمرد ! .
ملحوظة :
هذا المقال كتبته منذ أوائل شهر يونيو 2024م , حينما صرح مالك عقار بأنه الرجل الثاني في الدولة ولن يذهبوا للتفاوض مع المتمردين في جدة أو جدادة , الآن صار البرهان يردد نغمة الكيزان (ما عاوزين جنيف عاوزين جدة بس) ولا يملك السيد عقار الرجل الثاني في الدولة سوى الرضوخ , وينسى حكاية (الجدادة) !!! عجبي لأناس تنزع عن وجوههم مزعة الحياء عجبي .
wadfadul65@gmail.com