خالد فضل يكتب :من يقرر مستقبل الدعم السريع؟
هتافات الشباب الثوري في شوارع الخرطوم رددت (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) وأردفت (الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب)، كان هذا الهتاف وما يزال مطلبا موضوعيا ومدخلا لعملية سياسية معقّدة تضمّنت حزما عديدة تفضي إلى تحقيق الشعار الحلم (حرية سلام وعدالة) لإعادة بناء السودان الذي يسع جميع أهله بقيادة مدنية بحتة في ظل نظام ديمقراطي يكفل ويصون حقوق الإنسان، تلك أحلام نشأت عليها أجيال مستنيرة من السودانيين/ات منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا . الثوار وأدبيات الثورة هم من حددوا مستقبل القوتين الرديفتين ، بلزوم الثكنات، والحل . الرئيس المخلوع عمر البشير القائد العام للقوات المسلحة كان يقول حتى صبيحة خلعه في 11أبريل 2019م إنّ حميدتي حمايتي . كما ظلّ خلفه ؛ الفريق البرهان يزود عن حماها ويضعها موضع الابن من رحم أمه . تلك وقائع لم تمض عليها سوى ست سنوات فقط ، وقائع وليست تحليلات أو خزعبلات خبراء استراتيجيين أو إعلاميين متعاميين عن الوقائع إن لم نقل يضللون عمدا .
ابتدأت تلك المحاولات السياسية السلمية لتحقيق الشعار الحلم ، بإبرام الوثيقة الدستورية مع المكون العسكري بشقيه ، القوات المسلحة والدعم السريع , في العام 2019م لم تك قوات المشركة، وغيرها ضمن المكون العسكري الذي زعم قادته الإذعان لرغبة الشعب في الإطاحة بحكم جماعة الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) والجماعات الموالية له . لم يك في المكون العسكري ، فيلق البراء أو درع السودان أو أيّا من المليشيات الموجودة الآن بما في ذلك المليشيات التي تم تدريبها وتخريجها في دولة إرتريا الشقيقة أو مليشيات التقراي المناضلة من أجل حرية الشعب السوداني . كان هناك حسن نيّة من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير ، أشاعته ظروف الثورة السلمية ، أو خطأ في التقدير، أو مؤامرة كما يوغل المتطرفون،أو خيانة كما يزعم التطهريون !!
العسكر يقصد به القوات المسلحة والجنجويد مقصود به قوات الدعم السريع .
وعندما أذاع الفريق البرهان بيان إنقلابه في 25أكتوبر2021م كان باسم القوات المسلحة والدعم السريع . لم يشر من بعيد أو قريب إلى المستنفرين أو كتائب العمل الخاص أو مليشيات الإسلاميين في دار حمر أو شيبة ضرار في بورتسودان ، بل كان التنويه والإشادة بالشيخ عبدالرحيم حمدان لدوره في توقيع الإتفاق مع د. عبدالله حمدوك . ولم تك هناك أي إشارة إلى الدعم السريع تحديدا كمخلب قط لدويلة الشر أو قرن في رأس شيطان العرب، بل كان الولد البار من رحم أبيه الجبّار . أ ليس المجد للبنادق هو شعار الجبابرة !!!
التوقيع على إعلان المبادئ للإتفاق الإطاري , تم بوساطة المكون العسكري الثنائي، الجيش /الدعم السريع . وفي ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي خصصت لكيفية تنفيذ مطلب الثوار المار ذكره ، قدّم الجيش ورقته وكذا الدعم السريع ولم يُدع المصباح طلحة ليطرح رايه كخبير في شؤون المليشيات منذ عقود طويلة .
ظهر تباين في كيفية تنفيذ المبدأ المتفق عليه والموقع بإمضاءات البرهان وحميدتي،وكان الخلاف حول مدة الدمج , وتكوين القيادة أثناء تلك الفترة، ولم تكن قضية المرتزقة الكولمبيين وآل دقلو من ضمن بنود الإختلاف .
في أثناء المفاوضات والنقاشات الطويلة حول برتوكولات الإتفاق الإطاري , نشطت مجموعات مناوئة للإتفاق، المنظمات السياسية مثل تحالف التغيير الجذري استخدم الوسائل السلمية للتعبير عن مواقفه مثل البيانات والمواكب . الكتلة الديمقراطية كانت متأرجحة ؛ خاصة مني أركو مناوي الذي كان أقرب للتوقيع ، بينما كان د. جبريل متمترسا في موقف إخوانه في تنظيم الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) بلافتة الجبهة الثورية والكتلة الديمقراطية، فيما كانت هناك مواقف متباينة بين بقية التنظيمات التي تمثل في الغالب شخصا واحدا أو شخصين .
وحدهم جماعة الإسلام السياسي ،من كانوا يعبئون في كتائبهم الجهادية ويتوعدون بالحرب ، ويقيمون المعسكرات في العيلفون والجريف وغيرها من مناطق، ويسجل عاصرهم القصائد الجهادية والهتافات والأدبيات التي ستستخدم لاحقا منذ اللحظة الأولى لإشعال الحرب . ويحددون تواريخ إندلاعها من خلال آخر الإفطارات الرمضانية قبل يومين . وبالفعل منذ اليوم الأول كان الخطاب موحدا بين عضوية التنظيم، أذكر أنني تناقشت مع شخص في قرية مجاورة في مناسبة عزاء ، في أواخر أبريل 2023م، وبعده بشهر أو أقل،صدف مقابلتي لأحد أقربائي في قرية أخرى بعيدة في مناسبة عزاء كذلك، لدهشة إخواني الذين كنت برفقتهم في المناسبتين , كان خطاب (الكوزين) موحدا حد التطابق , علّق شقيقي الكبير حينها بأنّ الجماعة ديل يمتلكون تنظيما قويا يسيطر على عضويته حتى على مستوى الكلمات والعبارات المستخدمة !!
الدعم السريع ، تحول إعتبارا من 15أبريل إلى مليشيا ، رغم وجود توقيعات قائده على كثير من دوسيهات الحكم والإتفاقات المحلية والإقليمية والدولية بما في ذلك انتدابه بالاسم والصفة ضمن قوات التحالف الدولي في اليمن في عاصفة الحزم ، وقبلها انتدابه بوساطة الإتحاد الأوربي لسد ثغرة الصحراء الواسعة أمام المهاجرين غير النظاميين صوب شواطئ القارة العجوز . وإرشيف كامل في التلفزيون والإذاعة وسونا وإعلام القصر الجمهوري ومجلس السيادة ، وما تزال آثار خطاه على البساط الأحمر، ومقعده في كابينة الطائرة الرئاسية؛ وكلها مؤسسات حكومية . فجأة صار قائد عصابات آل دقلو الإرهابية ، هكذا يتم تحديد وضعية ومستقبل قوات بهذا الحجم والقوة والنفوذ !! وهل كانت هذه الوضعية المليشياوية الإرهابية غائبة يوم تم تكوينها وتسليحها وتمكينها ، هل اكتشف القوم فجأة صبيحة 15أبريل 2023م ما ظل عسيرا كشفه منذ بضع عشرة سنة ماضية ؟
أصبح التقرير بشأن مسقبل هذه القوات الضاربة رهنا بما يقرره ياسر العطا ومناوي وكتائب الظل بإمرة (شيخنا) علي عثمان _ والإشارة والصفة مما قال به قائد فيلق البراء المصباح طلحة مؤخرا_ هل هذا الأمر منطقي وممكن ؟ وما هي النائج العملية وليس المتوهمة لمثل هذا التصور العدمي ؟ أول تلك النتائج اسمرار الحرب الطاحنة لأكثر من خمسة وعشرين شهرا حى الآن، تتضاءل فرضية حسمها عسكريا مع فجر كل يوم إضافي ؛ تستولي فيه القوات الموصوفة بالمليشيا على مدن ومحليات جديدة، وتنضم إليها عشائر ومجموعات كبيرة تمتد مراتعها من سهول دارفور وكردفان إلى تخوم الهضبة الإثيوبية وتلال البحر الأحمر , وتطال طائراتها الإسترايجية والمسيرة المطار والميناء وقاعدة فلامنجو العسكرية في بورتسودان .
وتتطور سياسيا إلى إبرام ميثاق سياسي لتأسيس الدولة السودانية من أول جديد، اتفق من اتفق أو اختلف آخرون حوله ، لكن لا يمكن غض الطرف عنه وكأنه لم يك .ولا يمكن تجاهل الموقعين عليه بوصفهم خونة وعملاء ومرتزقة، كل هذه الأدبيات الفاحشة وخطاب الكراهية والتضليل لا يغني عن الحقيقة , وهي أنّ الدعم السريع اليوم يتبنى مشروعا سياسيا معلنا ومنشورا يمكن إحالته إليه، صدق فيما يدعيه أو كذب ، يؤازره فيه طيف لا يستهان به من الحركة /الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال/قيادة الحلو، وحركتان من الجبهة الثورية بقيادة عضوين سابقين بمجلس السيادة الإنتقالي وثالثهما الأساذ محمد حسن التعايشي، وقسم كبير من حزب الأمة القومي بقيادة رئيسه المكلف اللواء (م) فضل الله