ذوالنون سليمان يكتب :الفاشر… قربان سلطة البرهان
إذا كانت حياة سكان الفاشر المدنيين والوضع الإنساني، فضلا عن حياة جنود الجيش ومقاتلي الحركات المشتركة والمستنفرين، تهمّ البرهان ومجلسه السيادي فعلاً، فلماذا رفض التوقيع على وقف جزئي لإطلاق النار وقبول الهدنة المطروحة في واشنطن؟ مع علمه الكامل، بأن التقديرات العسكرية أشارت إلى احتمال سقوط المدينة خلال 72 ساعة، وهي الفترة التي تزامنت مع بداية انطلاق المفاوضات في واشنطن.
لماذا لم يلجأ البرهان إلى خيار الحل السياسي بعد أن أصبح فك الحصار مستحيلا بعد استعادة قوات الدعم السريع مدينة بارا — محور الهجوم المتقدم — وبعد نحو عام ونصف من محاولاته الفاشلة لكسر الحصار عسكرياً؟ ما الذي يدفعه إلى التغاضي عن حياة عشرات الآلاف من المقاتلين ومئات الآلاف من المدنيين، وإبقائهم أمام خيارين وحشيين: الموت جوعاً أو بالرصاص؟
هل كان ما حدث في الفاشر نتيجة سوء تقدير عسكري وسياسي من جانب بورتسودان؟ أم أنه مخطط متعمد لتصفية «القوى الصلبة» لدى الحركات المسلحة وتعميق الهوة بينها وبين قوات الدعم السريع، تكراراً لاستراتيجيات النظام السابق الأمنية، أم هو قرار أحادي لخدمة مصالح شركائه المحليين والإقليميين؟
كان بالإمكان، عبر قرار سياسي، الحفاظ على أرواح المقاتلين الذين جُمِعوا من حاميات نيالا والجنينة والضعين وزالنجي وكتم، وحماية المدنيين عن طريق وقف إطلاق نار دائم أو هدنة مؤقتة. لكن البرهان اختار مواصلة الحرب والتضحية بهم، ليتفادى تقديم أي تنازل قد يهدد سلطته أو موقع حلفائه في العملية السياسية، مفضلا تقديم الفاشر قربان فداء نظير استمرار تحكمهم على مفاصل السلطة وأجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
تظهر أحداث الفاشر بوضوح موقع المواطن في خارطة حكومة بورتسودان, وطبيعة العلاقة التي تربط البرهان بشركائه من قادة الحركات المسلحة، مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، والذين يشاركونه المسؤولية التاريخية عمّا جرى لمقاتليهم ومواطنيهم في الفاشر جراء الزج بهم في معارك قوي النظام القديم السابق ولجنته الامنية. كما تكشف عن استعداد البرهان وتياره العسكري لمواصلة “حربهم العبثية” أو إنهائها وفق حساباتهم السياسية الخاصة، دون اكتراث بالتكلفة الإنسانية والبشرية والاقتصادية الباهظة، طالما أن الحرب تدور خارج حدود تصورهم الضيق لمفهوم الدولة السودانية. وفي الوقت نفسه، تؤكد الفاشر ضخامة الثمن المحتمل لاستمرار الصراع، قياساً إلى قدرات الدعم السريع العسكرية المتنامية، كجرس إنزار للمدن الأخرى، في حال أصرّ البرهان وحلفاؤه الإسلاميون على التمسك بخططهم التصعيدية الحالية.

