الثلاثاء, يونيو 24, 2025
الرئيسيةمقالاتعصام الدين عباس يكتب: سلام جوبا.. بوابة الفوضى السياسية في السودان؟

عصام الدين عباس يكتب: سلام جوبا.. بوابة الفوضى السياسية في السودان؟

عصام الدين عباس يكتب: سلام جوبا.. بوابة الفوضى السياسية في السودان؟

منذ توقيع اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر ٢٠٢٠، دخل السودان في مرحلة جديدة من التحولات السياسية والعسكرية، إلا أن نتائج هذه الاتفاقية أثارت الكثير من الجدل. فقد أفرزت الاتفاقية واقعا معقدا تمثل في تمكين بعض قادة الحركات المسلحة—الذين كان يُنظر إليهم كـ”لوردات حرب”—من تولي مناصب تنفيذية عليا في الدولة، دون فك ارتباطهم الكامل بقواتهم المسلحة.

من بين أبرز هؤلاء، جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، الذي تولى وزارة المالية، ومني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان، الذي أصبح حاكما لإقليم دارفور. ومع اندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣، انحاز الاثنان بشكل واضح إلى صف الجيش السوداني، وشكّلا ما يُعرف بـ”القوات المشتركة”، وهي تحالف عسكري يجمع الحركتين ويقاتل إلى جانب القوات المسلحة.

هذا الجمع بين الصفة التنفيذية والقيادة العسكرية خلق وضعا مزدوجا وغير مسبوق، حيث ظل جبريل ومناوي يتمتعان بنفوذ سياسي وعسكري متزامن، ما يثير تساؤلات حول مبدأ خضوع المدنيين للسلطة التنفيذية الموحدة.

ومع تعيين السفير دفع الله الحاج رئيسا للوزراء من قِبل السلطة الانقلابية في بورتسودان، بدا واضحا أن رموز اتفاق جوبا المتحالفين مع الجيش سيستمرون في مواقعهم. لكن تحت السطح، تبدو مؤشرات التوتر جلية بين شركاء السلطة.

ففي مؤتمر الخدمة المدنية الأخير، أطلق الفريق عبد الفتاح البرهان تصريحات حادة انتقد فيها أداء بعض الوزارات ووصفها بأنها تعاني من “فساد مؤسسي”، دون أن يسميها. إلا أن أصابع الاتهام، بحسب مراقبين، أشارت مباشرة إلى وزارة المالية. ولم يكن رد الفعل غائبا، إذ أبدى جبريل إبراهيم في مقابلة تلفزيونية مع “الجزيرة مباشر” امتعاضا واضحا من التعيينات الحكومية الأخيرة، وإن غلف ذلك برضا مصطنع، ما يؤشر إلى تصدع داخلي في بنية الحكم.

هذه المعطيات تضع البلاد أمام مشهد معقد: وزير مالية وحاكم إقليم لا يخضعان فعليا لرئيس الوزراء، ويملكان قوة مسلحة خارج السيطرة المؤسسية للدولة. ما يلوح في الأفق هو إمكانية نشوب مواجهة مؤجلة بين مراكز السلطة، في ظل انعدام الانسجام السياسي واستمرار التداخل بين العمل التنفيذي والعمل العسكري.

خلاصة ما أود قوله ان اتفاقية جوبا التي كان يُفترض أن تُمهّد الطريق للسلام، باتت اليوم أحد أبرز مصادر التشظي السياسي والتهديد للاستقرار، في بلد تتكاثر فيه الأزمات وتعجز فيه السلطة عن احتواء تناقضاتها الداخلية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات