في التعليق على ترهات ناشط وسائط كامل إدريس مرة ثالثة (٢ /٥) .
بقلم الصادق علي حسن
ممارسة الرقابة على كل من يمارس العمل العام من أهم ضروب تعزيز ثقافة ممارسة الديمقراطية وتعلية حقوق الإنسان في المجتمعات، وتكون للرقابة قيمتها الحقيقة حيثما ارتبطت ممارستها بالموضوعية واحترام الرأي والرأي الآخر من أجل الوصول إلى الحقيقة المجردة . أستاذ صالح محمود المدافع عن قضايا الحقوق والحريات والقيادي بالحزب الشيوعي من الشخصيات التي ساهمت في مجالات الدفاع عن الحقوق والحريات من خلال عدة منابر منها هيئة محامي دارفور، ارسل لي الأستاذ صالح محمود الرسالة التالية :
(تحياتي استاذ الصادق.
قرأت مقالك ، وردك .
المؤكد ان ما يدور في السودان ، في كل الجوانب خاصة التطورات السياسية والحرب المستعرة والوضع الإنساني الكارثي ، يستدعي الكتابة في كل هذه الجوانب .
انا لم اقرا ما كتبه الشخص المقصود في مقالك .
ارجو ان يكون موقفك هو الذي ورد في نهاية المقال ، حتي لا ينفتح باب السجالات غير المنتهية .
انا علي ثقة بأنك مدرك ما اقصده . مثل هذه المعارك لا تنفع الضحايا ) ، ثم اتصل بي الأستاذ صالح وتحدث عن ضرورة عدم التعميم في إصدار الأحكام بالنسبة لممارسات الأحزاب والقوى المدنية والتي تتفاوت في مواقفها . نعم المؤكد أن الاستاذ صالح محقا فيما ذهب إليه كذلك فإن الوصول إلى الأحكام في الحالات المماثلة قد تختلف نتائجها من حالة إلى آخرى، لقد يكون إطلاق كلمة (جل) هو الأوفق في التعبير عن السلوك الذي صار يجري مجرى الغالب ، ومع ذلك فإن إطلاق كلمة (الكل) المراد به الجزء ليس بدعا في التعبير اللغوي طالما جاء في سياق ينطبق فيه الوصف على الجزء من سلوك لأفراد ومجموعات والذي صار شائعا ولم يكن ذلك بقصد الإنكار المطلق، فهنالك الظروف التي دفعت بالذين خرجوا إلى الخروج القسري الفجائي أسر وافراد ، كما وهنالك من تبقوا بالرغم من عظمة المعاناة ولم تتوافر لهم إمكانية الخروج ، فالقصد كان بغرض تثمين جهود الذين ظلوا في الداخل على الرغم من قسوة المعاناة ، وقد كانت الفرص أمامهم متاحة للخروج ولكن وتبقوا من أجل خدمة الإنسان الذي تبقى ومن أمثال أولئك الشاب الهمام مؤمن ود زينب الذي لا يظهر في الوسائط ليتحدث عماذا فعل وماذا قدم مع رفاقه للمتأثرين بالحرب، وهو يقود دراجته الهوائية لإيصال الأدواية للمرضى أو في خلال البحث عن سيارة متطوع لنقل جثمان إلى المقابر لمواراته أو لإسعاف مصاب إلى مستشفى النو ومعه ثلة من الشباب الذين لم يستقبوا شيئا ، إن قيمة دور مؤمن ود زينب ورفاقه قد لا يُعرف إلا إذا نظرنا لأنفسنا، ولماذا خرجنا وتبقى هو وزملاءه وهنالك من أمثاله كثيرين في المناطق المتأثرة بالحرب مثل مدينة الفاشر المحاصرة ، إن عدم ترك المنافذ مشرعة لمن يحملون الصكوك بمزاعم انهم صناع ثورة ديسمبر المجيدة تلك الثورة التي شاركت فيها غالبية السودانيين، ليتخذوا من شعاراتها المنصوبة روافع سياسية لهم بمثلما تفعل الحركات المسلحة .
لذلك كان إطلاق مصطلح الكل على سبيل تغليب عظمة الدور الذي قام به مؤمن ود زينب وأمثاله وهنالك الأخصائي الذي أتي من أيرلندا للتطوع في مستشفى النو لخدمة المتاثرين بالحرب وغيرهم ممن لم يشغلوا أنفسهم بسجالات الواتساب ولم يحرصوا على نشر الصور التذكارية وهم يهرعون بمريض إلى المستشفي أو ينقلون جثمان إلى المقابر أو يجلبون الدواء إلى مريض كما توثق منظمات المجتمع المدني في تقارير مشروعاتها الممولة من المانحين .
الأستاذة سارة عبد الرحمن دقة اتصلت تتحدث عن المآخذ على مثل هذه المساجلات والجدل الضار والبلاد تمر بمراحل تهدد وجودها بسبب شح النفس الذي ينتصر لنوازع الذات ، وقد كثرت الرسائل والاتصالات من أمثال الأستاذين صالح وسارة ممن نقدرهم كما في رسائلهم واتصالاتهم في جوهرها ضرب من ضروب ممارسة الرقابية المجتمعية، وإن جاءت في إطار العلاقات الشخصية ، ولكن هكذا رقابة هي ايضا هامة ولا بد منها، وهي تمثل السياج المتين الذي يحافظ على المجتمع والدولة ،فتبدأ الرقابة الصحيحة من البيت والأسرة والحي والأصدقاء والمعارف فالأحزاب والمنظمات لتشمل الرقابة كل مرافق الخدمة الخاصة والعامة، الأهلية والرسمية وتنتج هكذا رقابة المجتمع السليم المعافى من الأمراض وتشوهات الممارسات الخاطئة :
لماذا الرد على صاحب الترهات :
في السودان من السهل على الأشخاص الطبيعيين أوالإعتباريين إدعاء ملكية الإنجازات التي ساهم فيها غيرهم أو جل المجتمع بمساهمات متعددة ومتنوعة ،وقد يتحول الإدعاء إلى صكوك بتخويل مباشرة الحقوق العامة أو المطالبة بها ، بمثلما تطالب الحركات المسلحة بفواتير حصتها من حمل السلاح وقد عجزت لثلاثين عاما من كسر شوكة حركة الإسلام السياسي التي ظلت تدير الدولة وحولتها إلى ضيعة خاصة بها، وقد وصل الحال برئيسها لإنشاء جيش من مليشيا مسلحة لتحميه وتحمي أسرته لينقلب قائدها عليه وينتهى سلطته بواسطة حمايته الشخصية ، ثم يستخدم حاميه بندقيته ومعه حلفاه الجدد من خصوم الأمس في تحالف جديد للوصول إلى السلطة. فتتحول مراكز الحروب الدائرة على رؤوس المدنيين كما تتحول قطع لعبة الشطرنج ، لذلك كان لا بد من فضح ثقافة ادعاء تملك الانجازات الشعبية العامة مثل ثورة ديسمبر المجيدة خاصة ان الذين قدموا ضريبتها الأكبر من شباب مجزرة فض الاعتصام قد ذهبوا بلا ضجيج حتى أسرهم مثل أسرة عظمة، والنخلي ،وبسام ،خاطر، ووليد وغيرهم لم يجدوا أدني الإهتمام وهنالك من ينتحل صفة ممثلي الثورة وشبابها وهم لا يعرفون دروب منازل شهداء الثورة ليبدأ إرتكاب الجرم الأكبر بتقنين المساومة بدماء شهداء مجزرة فض الاعتصام، وفي هذا الجرم المرتكب يستوي اصغرهم الذي يؤدي دور الجوقة مع أصحاب الياقات البيضاء منهم، لذلك لم اهتم بمن هو صاحب الترهات، فالكتابة رسالة مفتوحة لكل من يُحول التضحيات مثل تضحيات ثورة ديسمبر المجيدة لصكوك ليزايد بها في سوق إدعاء البطولات لنقد الآخر الذي لا يعرفه ،ولا يعرف مواقفه من نظام حركة الإسلام السياسي منذ ممارسته للسياسة بمثلما ينطبق الوصف على صاحب الترهات .
الغرض من المقال في ظل حالة اللادولة .
من فترة مبكرة كتبت عدة مقالات منشورة بأن الحرب العبثية الدائرة في السودان في ظل إتجاه البلاد إلى فقدان مقوماتها كدولة (حالة اللادولة) ، ستتحول البلاد من حرب على مراكز السلطة بين نخب المركز المانحة للسلطة ممثلة في البرهان وحلفاه من حركة الإسلام السياسي والآخرين، ونخب الهامش المتلقية للسلطة من أمثال الدعم السريع والحركات المسلحة والتي ترفع شعارات المطالب بمناطق المظالم المطلبية ،وستنتج صراعات جديدة على المكاسب ما بين نخب الهوامش المتلقية (الدعم السريع/ الحركات) مع هوامشها الرازحة في التهميش تحت نير التهميشين (التقليدي والجديد) لتتحول البلاد إلى بؤر صراعات جهوية واهلية واجتماعية محلية تقود البلاد في حالة اللادولة إلى بروز مشروعات التجزئة والتقسيم. فالمقال الذي كتبته بعنوان حتى لا يستخدم د كامل إدريس مقدراته ومؤهلاته في خدمة أجندة الحرب ، ليس من باب التقريظ لكامل إدريس ولا فيه أي اعتراف للبرهان الذي عينه بأي صورة من الصور أو مزاعم بمشروعية في ظل أوضاع نشأت باطلة منذ انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م مرورا بالوثيقة الدستورية المعيبة، فالمشروعية أصلا غير موجودة، ولا يحوزها اي طرف من الأطراف المتصارعة على السلطة، ولكن المقال قصد منه لفت الانتباه إلى خطورة مآلات الأوضاع الكاريثية قبل الحريق الشامل، وهل في ظل هكذا أوضاع يمكن بروز أمل على سبيل التصور ولماذا يدفع المدنيين الأبرياء فاتورة حلم والد البرهان الذي كان يرى لابنه (مستقبلا عظيما)، ويرى الابن أن نبوة والده قد تحققت بوصوله للحكم ويدفع الشعب فاتورة ذلك الحلم . ولم يسأل احد لماذا يدفع المدنيين الابرياء طموحات آل دقلو وحميتي الذي يخوض المعارك على جماجم الأبرياء مسنودا بأصحاب الياقات البيضاء الذين يقولون ان كلفة الحرب ضرورة مهما كانت فاتورتها ، كما ولماذا يدفع المدنيين كلفة فواتير الحلو وجبريل ومناوي وكيكل وهجو وغيرهم . المقال غرضه وقف الحرب والضمائر . كما لا توجد مشروعية لأحد. فكل الأوضاع القائمة ناشئة على بطلان وبلا تفويض شعبي أو مرجعية دستورية سليمة .