محمد صالح عبدالله يس يكتب :عبير الأمكنة رابح ( صقر ) عزرائيل الثيران
لم يكن صيادًا، ولا جزارًا عاديًا، بل كان الرجل الذي يُستدعى حين تعجز الأيدي، وتنكسر القلوب. مهنته أن يقود الحيوانات إلى مصيرها المحتوم الذبح كان أهل امكدادة يلقبونه بعزرائيل الثيران أو ملك الموت المسئول من قبض ارواح الحيوانات كان قصير القامة ونحيف الجسم خطوات بطيئة ولكنها محسوبة. له عيون حادة ومتقدة كالجمر رائحته مزيج من الدم والعرق والعشب اليابس، ولهذا ما إن تشم الأبقار والثيران عبق ثيابه حتى ترتعد فرائصها وتهرب وكأنها ترى شبح الموت لم يكن أحد يجرؤ على النظر في عينيه مباشرة. كان إذا مرّ بالسوق همس الناس في مجلسهم ( الليلة رابح الليلة عندو شنو كمان ) كانو يرونه ممسكًا بحباله التي تشبه الأفاعي النائمة التي يلفها حول منتصفه وما تبقي منها يلفها في كوعه أو في عكازته المضببة كان حجمه صغيرا خفيف الحركة خطواته سريعة اقرب الي الهرولة منه الي المشي
اسمه الحقيقي رابح ادم لكن لا أحد يناديه به. اسمه في امكدادة رابح ( صقر ) ويبدو ان تسميته بهذا مستمدة من شكله فهو رجل قصير ونحيف ليس له من حظوظ الشحم شيئ كانت عيونه مثل عيون الصقر له قدرة فائقة علي رؤية أرتال الحيوانات من مسافات بعيدة ويتبين نوعها ان كان أبقار أو أغنام اوجمال
كانت الأبقار والثيران التي يحضرها أصحابها الي السوق كانت تنفر منه وتبتعد عنه عندما تشم رائحته أو تراه رابطا في صلبه حبل من الجلد يصطاد بها الثيران النفورة والأبقار النكورة لا لأن قلبه قاسٍ، بل لأن ظهوره يعني شيئًا واحدًا: أن ثورًا عنيدًا سيُسحب رغم أنفه نحو السكين.
كان يعرف الثيران كما يعرف الراعي قطيعه. يعرف أيها سينهار تحت النظرة، وأيها سيحتاج شدّ الحبل بقوة مضاعفة. وكان حين يهمّ بإمساك أحدها، يتمتم بكلمات غامضة، وكأن بينه وبينها لغة سرّية لا يفهمها غيره
اذكر ان مرة عندما كان يمارس رابح صقر هوايته في نصب شرك لاحد الثيران النافرة فتسابقا من آبار امكدادة من الناحية الشمالية جري خلف الثور مسافة حتي أتت لحظة الانقضاض فسقط الثور في الفخ لكنه ظل يقاوم حتي تمكن من جر رابح الذي تمترس في الأرض برجلية والثور يركض بارجله الثلاثة حتي وصلا الي دبة البنزين التي كانت عامرة ومكتظة بروادها فقصدهم الثور وهرب معظم الحضور مخلفين وراءهم أحذيتهم وبعضهم من فرط العجالة نسي حتي عدة الشغل التي كان يحفظها في اكياس من بلاستيك جوالات سكر الجنيد أو مصنوعة من جلود الحيوانات
ارتجّ المكان وتجمهر الناس بعد ان تجاوز الثور منتداهم وساد الذعر. فذلك الثور، الذي يسمونه ( الكوري ). ضخم، متمرد ضرب أحد الفتية العائدين من المدرسة فنُقل إلى المدينة مكسور الضلعين. عموما دخل الثور الي المنتدي وتشرزم الجميع ومازال رابح ممسكا بخطام الشرك أو الحبل حتي وصلا الي الحوش المقاصد لمنزل عبدالله ودعاقبة وقفز داخل حزام الشوك الذي كانت عادة ماتحاط بالحيشان فلم يجد رابح بدا فأطلق الحبل وواصل الثور يركض بكامل قوته فدخل الي حوش محمد الزاكي القريب منه ثم واصل الركض شمالا وكان عمنا الجزار عيسي ودخميس وهوصاحب الثور حاول ان يتابع الثور بحماره ولكنه فشل لان الثور كان عنيفا فهو مثل ثور الخزف الذي ينطح كل من يعترض طريقه واصل مسيره وهروبه حتي وصل الي قرية ام ستوية القريبة من امكدادة
انتهت هذه الدراما بان تحركت قوة من الشرطة بسيارتهم وتمكن عمنا الامباشي محمود أب تلاته من ضرب الثور بخرطوش فارداه قتيلا ثم تهاوت عليه السكاكين سلخا وتقطيعا
وكنا في تلك السن نتابع مثل هكذا اخبار وايضاً ننسج منها حكوات تناسب أعمارنا
في الصباح الباكر ونحن في طريقنا الي المدرسة راينا مجموعة من الحمير علي ظهرها قطع بيضاء فانتظرناها حتي اقتربت منا وتفحصناها وعرفنا انها تحمل علي ظهرها لحم ذلك الثور وكنا عادة نشاهد هذه الحمير المحملة باللحم تأتي من جنوب المدينة حيث مقر السلخانة كانت عادة الناس في ذلك الزمان يستخدمون الحمير في نقل كل شئ اضافة الي انها تحملهم الي أمكنة اخري لم يكن بالغوها إلا بشق الأنفس
كانت المدينة كلها تتحدث عن هذا الثور وأصبح الأهالي ينسجون حوله القصص والروايات الي درجة الأساطير وكان خاطر ود كليل وهو رفيق رابح صقر يتحدث عن القصة وكيف انه حذر صديقه رابح من هذا الثور الناطح وأنه من الثيران الكورية التي تتميز ببأسها وعنفها ولست ادري لماذا يطلقون عليها اسم الكورية ومن اين جاءت هذه التسمية ولكن الشئ الذي اعرفه ان هذه النوعية من الثيران هي من منطقة تلس في ارض الفلاتة امبررو وضمن ماقاله ورواه خاطر ود كليل ان أبقار الامبررو يسقونها المحاية ويبخرونهم ببعض التمائم كحرز من اللصوص وعند بيعها لأي جهه يقاوم ويفلت ليعود الي قطيعه أو لصاحبه بل اجزم خاطر ان صاحب الثور يستطيع ان يتحدث مع الثور ويتفاهم معه وأحيانا يخبره عن الجهه التي يتوجه اليها حتي يتمكن من اللحاق به وبالقطيع عندما يفلت وذكر خاطر انه حذر رابح لكن كلام القصير مابتسمع علي حد تعبيره