هل يهاجم السودان الإمارات؟
ربما تكون اتهامات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب قد دفعت الحرب الأهلية السودانية إلى مستوى جديد.
الفاضل إبراهيم
لقد أعادت الأحداث التي شهدتها الأسابيع الأخيرة الحرب الأهلية السودانية إلى دائرة الضوء الدولية بشكل دراماتيكي، مما جدد التدقيق في دور الجهات الفاعلة الخارجية، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد نتج هذا التحول عن اتهامات السودان للإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بشأن انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، إلى جانب غارات بطائرات بدون طيار على بورتسودان، والتي تُعزيها الخرطوم بشدة إلى مشاركة إماراتية مباشرة. وفي الوقت نفسه، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو علنًا تورط الإمارات العربية المتحدة العميق في النزاع خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي.
ومن واشنطن، طرأ تطور مهم ومفاجئ آخر الأسبوع الماضي: فرض الولايات المتحدة عقوبات على القوات المسلحة السودانية لاستخدامها المزعوم للأسلحة الكيميائية. وقد قوبل هذا الاتهام المثير بنفي فوري من وزارة الخارجية السودانية، التي رفضت بشدة هذه الادعاءات ووصفتها بأنها “لا أساس لها من الصحة”، وانتقدت الولايات المتحدة لتجاوزها الآليات الدولية المختصة، وتحديدًا منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، على الرغم من عضوية السودان النشطة في مجلسها التنفيذي. رغم خطورة هذا الاتهام، لا يزال إثبات استخدام المواد الكيميائية في حرب السودان غائبًا بشكل ملحوظ عن النقاش العام أو التقارير الإعلامية، باستثناء مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يناير 2025، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين لم تُسمَّهم. تضمن هذا التقرير نفسه تنويهًا غريبًا: “أكد مسؤولون مُطَّلعون على المعلومات الاستخباراتية أن المعلومات لم تأتِ من الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأمريكي والداعم القوي لقوات الدعم السريع”.
من جانبها، قدّمت الإمارات العربية المتحدة، التي اتهمتها التقارير الإعلامية ومحققو النزاعات بدعم قوات الدعم السريع، دفاعًا قويًا. في 5 مايو/أيار، رفضت محكمة العدل الدولية دعوى الإبادة الجماعية التي رفعها السودان ضد الإمارات. ورغم أن الرفض كان لأسباب قضائية – إذ قررت المحكمة أنها “تفتقر بوضوح إلى الاختصاص” للنظر في الطلب بسبب تحفظ في انضمام الإمارات إلى اتفاقية الإبادة الجماعية – إلا أن الإمارات أعادت صياغة هذا الحكم الإجرائي على الفور باعتباره تبرئة.
بينما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها، كانت بورتسودان، عاصمة السودان في زمن الحرب، تعاني من اليوم الثاني من قصف متواصل بالطائرات المسيرة استمر ستة أيام. هذا الهجوم، الذي يُمثل أول استهداف للمدينة الاستراتيجية، دفع اعتماد السودان الراسخ، وإن كان متردداً، على الإمارات العربية المتحدة إلى نقطة تحول دراماتيكية. ورغم استثمار الخرطوم السابق في الحفاظ على بعض مظاهر العلاقات مع أبوظبي لتجنب العقوبات وتصدير الذهب ، فقد نفد صبرها – بعد اتهامها الإمارات صراحةً بتدبير هذه الضربات الدقيقة.
وفي السادس من مايو/أيار، بلغت هذه الأحداث ذروتها عندما قطعت الخرطوم العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة، ووصفتها صراحة بأنها “دولة معتدية”.

وفي كلمة ألقاها في الأمم المتحدة بعد جلسة لمجلس الأمن في 20 مايو/أيار، عزز سفير السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، الاتهام بأن الهجمات على بورتسودان انطلقت من “قاعدة عسكرية إماراتية تقع استراتيجياً على طول البحر الأحمر وخليج عدن”. ووصف إدريس هذه الضربات بأنها “انتقامية” لهجوم شنته القوات المسلحة السودانية على طائرة شحن في نيالا في اليوم السابق، والتي زُعم أنها كانت تُسلم معدات عسكرية لقوات الدعم السريع.
وتشير تقارير متعددة إلى أن العديد من الضباط العسكريين الإماراتيين كانوا حاضرين وربما قتلوا في القصف؛ كما أوردت وكالات الأنباء الكينية وجنوب السودان تفاصيل مقتل مواطنيها في الحادث.
رغم التدقيق المتزايد، اتسم تعامل إدارة ترامب مع الإمارات العربية المتحدة بدفءٍ ساحق. ووُصفت جولة الرئيس ترامب الخليجية الأخيرة، التي شملت أبوظبي كمحطة، بأنها ناجحة، وبرزت من خلال صفقات مُعلنة تجاوزت قيمتها 200 مليار دولار، مع تركيزٍ كبير على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وجاءت هذه الاتفاقيات بناءً على التزامٍ سابقٍ من الإمارات العربية المتحدة بقيمة 1.4 تريليون دولار للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي على مدى العقد المقبل، وهو تعهدٌ قُطع قبل أشهر خلال زيارةٍ للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة.
يبدو أن التركيز الشديد على الدبلوماسية الاقتصادية عالية المخاطر قد طغى على تنامي حالة عدم الاستقرار في السودان ودور أبوظبي في تأجيجها. وكما قال الرئيس ترامب نفسه لرئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان، في خطوة تُشير إلى انه غير قابل للانتقاد والمساءلة “teflon status” لمن يُنجزون الصفقات: “سنعاملك كما ينبغي – ببراعة، وأنت رجل رائع”.
لكن روبيو، خلال جلسة استماعه في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، رسم صورة مختلفة، عندما حدد صراحةً الحرب في السودان ودور الإمارات في تأجيجها، قائلاً: “لقد عبّرنا، ليس فقط للإمارات، بل لدول أخرى، عن تحويلها [الحرب الأهلية السودانية] إلى حرب بالوكالة… وأنها تزعزع استقرار المنطقة”.
وبينما تُعيق جهود السلام الخارجية بشكل كبير، فإن ديناميكيات الصراع الداخلية تضمن استمراره. مستغلةً العداء الشعبي الشديد تجاه قوات الدعم السريع، صوّرت القوات المسلحة السودانية الحرب على أنها صراع وجودي من أجل “الكرامة” والسيادة. هذه الرواية، بالإضافة إلى المساعدة في حشد المقاتلين المتطوعين، تجعل التفاوض العلني مع قوات الدعم السريع – التي اتهمتها إدارة بايدن عام ٢٠٢٣ بارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي – أمرًا غير مقبول سياسيًا. من جانبها، تُصرّ قوات الدعم السريع على ضمان مستقبل سياسي لنفسها، وتُمضي قدمًا في تشكيل حكومة موازية، بينما تُصنّف القوات المسلحة السودانية على أنها جيش ونظام غير شرعيين، يُسيطر عليهما الإسلاميون.
إن المواقف القتالية الراسخة للأطراف المتحاربة، إلى جانب غياب استراتيجية أمريكية متماسكة وبنية تحتية دبلوماسية، بما في ذلك نقص في الموظفين في مكتب أفريقيا ومبعوث خاص غير مُعين، يجعل واشنطن في وضع ضعيف لتنسيق الضغط الخارجي اللازم لكسر جمود الصراع.
وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية التي يقودها الجيش قد احتفظت صراحةً بحقها في الدفاع عن النفس، إلا أن شن هجوم عسكري تقليدي على الإمارات العربية المتحدة أمر مستحيل عمليًا؛ فالجيش السوداني، المتورط في حربه الداخلية ضد قوات الدعم السريع، يفتقر إلى قدرات استعراض القوة اللازمة لمثل هذا العمل الفذ. علاوة على ذلك، فإن الهجوم المباشر على الإمارات العربية المتحدة من شأنه أن يدعو إلى انتقام سريع وعقابي من عملاق تصدير النفط ذي العلاقات الواسعة.
وبعيدًا عن الخسائر الإنسانية المدمرة، فإن استمرار الحرب الأهلية يُعرّض الأمن الإقليمي للخطر بشكل متزايد، مما يدفع السودان وجيرانه إلى زوايا خطيرة حيث يمكن أن يؤدي سوء التقدير إلى إشعال صراع دولي. في الواقع، ثمة خطرٌ أكثر إلحاحًا من الصدام العسكري المباشر بين السودان والإمارات، وهو أن تُصدر الخرطوم تهديدًا صريحًا بضرب تشاد أو جنوب السودان، متهمةً إياهما بالتواطؤ مع قوات الدعم السريع وتسهيل تدفق الأسلحة المزعوم لأبو ظبي إلى دارفور – وهي تهديداتٌ أدانتها الدولتان وتعهدتا بمواجهتها بالقوة.
مع ذلك، لن تُفتح جبهةٌ تقليديةٌ بين السودان والإمارات العربية المتحدة في الوقت الحالي. سيستمر الصراع في أروقة المؤسسات متعددة الأطراف، حيث ستختبر اتهامات السودان نفوذ أبوظبي الراسخ، ولكن من غير المرجح أن تُحطمه .
—————————————-
الفاضل إبراهيم كاتب ومحلل سياسي سوداني. نُشرت أعماله في صحف الغارديان والجزيرة والعربي الجديد وأوبن ديموكراسي وغيرها
المصدر: مجلة RESPONSIBILE STATECRAFT الأميركية