إثيوبيا وإرتريا: مفاعيل داخلية تسارع وتيرة المواجهة
تقدير موقف ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقديم: اتهمت الحكومة الإريترية لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بتكرار المفاهيم الخاطئة حول نشاطها العسكري والنزاعات الحدودية خلال جلسة استماع حول القرن الأفريقي. ودحضت أسمرة في بيان صحفي صدر في 16 مايو مزاعم التعبئة العسكرية ضد إثيوبيا ورفضت الادعاءات بأن القوات الإريترية لا تزال في الأراضي الإثيوبية، مؤكدة أن قواتها موجودة فقط داخل حدودها بموجب قرار التحكيم الصادر عن لجنة اممية عام 2002. وأن جميع القوات الإريترية الأخرى قد عادت إلى الأراضي الإريترية بعد انتهاء الحرب في شمال إثيوبيا. وتشير العديد من التقارير إلى أن القوات الإريترية سيطرت على أجزاء واسعة من منطقة تيغراي بعد اندلاع الحرب التي استمرت عامين في عام2020, ولازالت متواجدة فيها.
تحليل:
• عاملان ساهما في عودة التوتر والعداء بين البلدين، الأول ويتصل بإعلان رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد عن طموحات بلاده في الوصول المباشر إلى سواحل البحر الأحمر، والثاني توقيع الحكومة الفدرالية اتفاق سلام مع الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، وهو الامر الذي اعتبرته أسمره، يساهم في تعزيز طموحات اثنية التيغراي الارترية للانفصال.
– ازداد التوتر بين البلدين بعد لجوئهما لاستضافة المعارضات ودعمها، ترافق مع نشاط عسكري وحشد للقوات على طول حدودهما المشتركة، حيث بدأت إريتريا تعبئة عسكرية على مستوى البلاد وبالمقابل نشرت إثيوبيا قواتها على الحدود.
• على الرغم من التوترات المتصاعدة، صرح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن إثيوبيا لا تنوي الدخول في صراع مع إريتريا حول الوصول إلى البحر الأحمر وتفضل حل الأزمة بالحوار السلمي.
تداعيات الازمة في اديس ابابا:
– أعلن بيان للجنة المركزية لحركة شعب الأمهرا الوطنية المشارك بالحكومة الإثيوبية عن إدراج مسألة التفاوض على منفذ بحري ضمن أولويات الأجندة الوطنية وإن عملية استقلال إريتريا عام 1993 افتقرت إلى مشاركة شعبية حقيقية، أدت نتائجها الى حرمان اثيوبيا من السواحل البحرية.
• ذكر بيان حركة شعب الأمهرا، أن ميناء عصب الواقع على ساحل البحر الأحمر تاريخيا يعود لإثيوبيا، التي كانت تستخدمه في حاجياتها للتصدير والاستيراد، لكنها فقدته بعد الاستقلال الكامل لأسمره عام 1993. وترى إرتريا في هذه الادعاءات تهديدًا مباشرًا لسيادتها، وخرقًا محتملاً للتوازن الذي ترسم في اتفاقية السلام الموقعة عام 2018.
• اعلنت الفصائل الاربعة الرئيسية لقوات فانو، والتي تنشط عسكريا في انحاء مختلفة من إقليم أمهرا، عن اندماجها في فصيل عسكري واحد أطلقت عليه اسم “قوات فانو أمهرا الوطنية، وذلك في 9 مايو 2022. بدأ أساط مهمة داخل قومية الأمهرا عبر قوات فانو المدعومة من ارتريا الكفاح المسلح ضد حكومة اديس ابابا في العام 2022 بعد اعتراضها على اتفاقية السلام التي وقعتها الحكومة الاثيوبية مع التيغراى.
• يتكون إقليم الأمهرا من ثلاث مقاطعات تنشط فيها قوات فانو بشكل مستقل رغم ادعائهم بالتنسيق مع المقاطعات الاخرى، لكن التطورات العسكرية خلال السنوات الثلاثة الاخيرة-الهزائم والعامل الخارجي- فرضت عليهم التخلي عن مفهوم (المناطقية) والتوحد في فصيل واحد. وبحسب البيان الرسمي للتحالف فان الفصائل الأربعة التي شاركت في مفاوضات الوحدة، عملت على تعزيز التحالف العسكري لتنسيق مقاومة شعب اقليم أمهرا ضد المهددات التي تستهدف وجودهم كشعب من خلال هيكل تنظيمي يضم جمعية عمومية ولجنة مركزية، ولجنة تنفيذية تتكون من ثلاثة عشر عضوا، بالإضافة مجلس يضم الرموز الوطنية، بقيادة جماعية تجنبا للصراعات التي يعود أصولها” المناطقية”، ولإتاحة الفرصة لاندماج فصائل مقاتلة اخرى في الإقليم.
• يتكون التحالف من فصيل فانو فى محافظة” قوجام” بقيادة” زمني كاسي، وفصيل فانو فى محافظة” وللو” بقيادة” مهريت وداجو، وصيل فانو فى محافظة” قوندر” بقيادة” هابتي ولدو، وفصيل محافظة” شوا” ديسالنج سياسبشيوا.
• اللافت ان اجتماع الوحدة حصل في مدينة” كوارا” ذات المكانة تاريخية لدى شعب الامهرا لارتباطها بالإمبراطور” تيودروس” الثاني والذي لقب بالإمبراطور الثوري لنجاحه في توحيد اثيوبيا وشعوبها المختلفة في القرن التاسع عشر كبداية لتحول اثيوبيا لدولة. بينما أشارت عدة تقارير إلى أن الاجتماع جري تنظيمه داخل الأراضي السودانية برعاية إرترية.
• في تطور مفاجئ قررت لجنة الانتخابات الوطنية في إثيوبيا، التي تشرف كذلك على وضعية الأحزاب السياسية القانونية ، في 15 مايو، إلغاء تسجيل حزب جبهة تحرير تيغراي بسبب فشله في عقد جمعية عمومية نظامية ، احتجت الجبهة على هذه الخطوة ودعت الاتحاد الأفريقي إلى ممارسة ضغوط على الحكومة الفيدرالية لتعليق تطبيق الحظر الذي يحرمها الحق الذي استعادته من خلال اتفاق بريتوريا، ويشكل تهديدا خطيرا لأساس عملية السلام.
• أدى انقسام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بسبب اتفاقية السلام مع اديس ابابا إلى صراع داخلي في إقليم تيغراي. تدخلت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية عبر قرارات إدارية أدت لتعميق الصراع الداخلي وإضعاف قومية التيغراي سياسيا وعسكريا، واتهمت أديس أبابا إريتريا بدعم الفصيل المعارض للحكومة الفيدرالية.
خلاصة:
** يؤخر وجود القوات الارترية في إقليم التيغراي تنفيذ اتفاق السلام الموقع في بريتوريا، ويعرضه للانهيار في ظل تنامي التدخلات الإرترية لصالح مجموعات التيغراي المناهضة لحكومة أبي أحمد.
** ترى أسمره في التحركات الإثيوبية حول ميناء عصب تهديدًا مباشرًا لسيادتها، وخرقًا محتملاً للتوازن الذي أرسته اتفاقية السلام الموقعة عام 2018. وتنذر ادعاءات التمردات المسلحة في البلدين ذات الطابع القبلي بعدم اعترافها بالتفاهمات الثنائية بتجدد حرب حدودية أخرى.
** مع الاعلان عن وحدة الفصائل الرئيسية لقوات فانو أمهرا، تشير التقديرات إلى احتمالية تصعيد عسكري ، إظهارا للقوة أمام الداعمين في ارتريا، من خلال احتلال بعض المدن الكبرى في الاقليم ، الامر الذي يشكل تهديدا جديا لحكومة أبي أحمد.
**علاقة قوات الأمهرا مع ارتريا تعتبرها أديس أبابا مهددا استراتيجيا في ظل صراعات القرن الافريقي المعقدة، ورغبة اثيوبيا للحصول على منفذ بحري في الصومال تعتبره ارتريا أيضا تهديدا اخر لأمنها القومي، في ظل بروز اراء لجماعات عرقية إثيوبية تري أن ميناء عصب الارتري يقع في اراض اثيوبية تم التفريط بها.
** يشكل احتمال تجدد الصراع بين إثيوبيا وإريتريا مخاطر كبرى على الاستقرار الإقليمي وطرق التجارة الحيوية في منطقة البحر الأحمر، خصوصا مع الحرب الدائرة في السودان، الأمر الذي يرشح المنطقة لأكبر كارثة إنسانية تهدد حوالي 180 مليون نسمة.
