الإثنين, ديسمبر 15, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةإشكالية التعليم في سياق النزاع المسلح: محلية سرف عمرة نموذجًا

إشكالية التعليم في سياق النزاع المسلح: محلية سرف عمرة نموذجًا

سرف عمره :السودانية نيوز
يواجه التعليم بمحلية سرف عمرة بولاية شمال دارفور أزمة حادة منذ اندلاع الحرب في السودان (أبريل 2023)، حيث توقفت الدراسة لقرابة 3 أعوام، وتشرد آلاف الطلاب، وانقطعت رواتب المعلمين. رغم إعلان إعادة فتح المدارس (نوفمبر 2025)، تظل التحديات قائمة: بيئة تعليمية متهالكة، غياب الكتب، وتردي الأوضاع المعيشية. يُطالب التقرير بتدابير عاجلة لضمان استئناف التعليم الآمن والمستدام.

وشدد التقرير الذي اعدة منظمة مناصرة ضحايا دارفور ،علي ضرورة صرف رواتب المعلمين فورًا وإلغاء القرارات التعسفية. بجانب توفير مقومات التعليم الأساسية (كتب، وسائل، مرافق آمنة). وبرامج تعليمية طارئة للأطفال المنقطعين. اعادة توزيع الخدمات التعليمية جغرافيًا.ودعم الصحة النفسية للطلاب والمعلمين.

يُعد التعليم أحد الحقوق الأساسية غير القابلة للتصرف، ويشكّل ركيزة محورية للاستقرار المجتمعي والتنمية البشرية، لا سيما في المناطق الهشة والمتأثرة بالنزاعات المسلحة. وفي محلية سرف عمرة بولاية شمال دارفور، يواجه قطاع التعليم أزمة عميقة ومركبة تفاقمت بصورة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. فقد أدى النزاع إلى شلل شبه كامل للمؤسسات التعليمية، وحرمان آلاف الأطفال والطلاب من حقهم في التعليم لما يقارب ثلاثة أعوام متتالية، في سياق يتسم بانهيار الخدمات الأساسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وقبل تناول الآثار المباشرة للحرب على التعليم، تقتضي المنهجية العلمية إلقاء الضوء على الخصائص الديمغرافية والإدارية للمحلية، لما لذلك من أثر مباشر في فهم حجم التحديات التعليمية وطبيعتها.

الخصائص السكانية لمحلية سرف عمرة

يُقدّر عدد سكان محلية سرف عمرة بنحو 301,000 نسمة، وذلك استنادًا إلى آخر تعداد سكاني أُجري في عام 2008. ويتوزع السكان بين رئاسة المحلية وعدد من الوحدات الإدارية الريفية، مع وجود تنوع اجتماعي وثقافي واضح، يشمل مجتمعات مستقرة وأخرى رعوية متنقلة (الرحّل)، تعتمد في نمط عيشها على التنقل الموسمي بحثًا عن المياه والمراعي، الأمر الذي يفرض تحديات إضافية على تقديم خدمات التعليم النظامي والشامل.

التقسيم الإداري للمحلية

تتكون محلية سرف عمرة من أربع وحدات إدارية رئيسية، هي:

أولًا: وحدة بارئ الإدارية

وتمثل رئاسة المحلية، وتضم معظم المؤسسات الرسمية والخدمية، بما في ذلك رئاسة الشرطة، وإدارات التعليم (الابتدائي، والثانوي، وما قبل المدرسي، وتعليم الرحّل)، إضافة إلى المستشفى الرئيسي وعدد من المرافق الصحية الخاصة. كما تحتضن مقر المعتمد، وهو أعلى سلطة تنفيذية بالمحلية، إلى جانب المدير التنفيذي المشرف على بقية القطاعات الخدمية.

ثانيًا: وحدة كلا الإدارية

تقع شرق المحلية وتمتد على طول وادي بارئ، أحد أبرز الأودية الموسمية في إقليم دارفور، وتضم عددًا من القرى والمجتمعات الريفية التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والرعي.

ثالثًا: وحدة وسطاني الإدارية

تقع شمال غرب المحلية، وتضم مجموعة من القرى والدُمُر، وتجاور محليتي كلبس وكرينك التابعتين لولاية غرب دارفور، ما يجعلها منطقة تماس جغرافي واجتماعي تتأثر بتقلبات النزاع الإقليمي.

رابعًا: وحدة بركة سايرة الإدارية

تقع شرق وحدة بارئ الإدارية بين منطقتي كلا وسرف عمرة، وتضم عددًا من القرى والتجمعات السكانية الريفية.

واقع المؤسسات التعليمية بالمحلية

تنتشر المؤسسات التعليمية بمحلية سرف عمرة عبر الوحدات الإدارية الأربع، وتشمل المراحل التعليمية الأساسية التالية:

المرحلة الابتدائية

وهي المرحلة الأكثر استيعابًا للتلاميذ، حيث تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا. ويوجد بالمحلية نحو أربعين مدرسة ابتدائية حكومية، إلى جانب أكثر من عشر مدارس ابتدائية خاصة. ورغم هذا العدد، فإن الكثافة الصفية المرتفعة وضعف البنية التحتية يشكلان تحديًا مزمنًا.

المرحلة المتوسطة

تُعد مرحلة حديثة نسبيًا بعد تعديل السلم التعليمي، وتعاني من محدودية الانتشار. إذ لا توجد سوى مدرستين متوسطتين حكوميتين وثلاث مدارس خاصة، وجميعها تتركز في وحدة بارئ الإدارية فقط، بينما تفتقر الوحدات الإدارية الثلاث الأخرى إلى أي مدارس متوسطة. ويضطر طلاب الريف إلى الانتقال والسكن داخل رئاسة المحلية لمواصلة تعليمهم، وهو ما يشكّل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا على الأسر.

المرحلة الثانوية

يوجد بالمحلية ثلاث مدارس ثانوية حكومية، اثنتان منها في رئاسة المحلية (إحداهما للبنين والأخرى للبنات)، وثالثة مختلطة بوحدة بركة سايرة الإدارية. كما توجد ثماني مدارس ثانوية خاصة، تتركز جميعها داخل رئاسة المحلية، مما يعكس اختلالًا واضحًا في التوزيع الجغرافي للخدمة التعليمية.

رياض الأطفال

تعاني مرحلة الطفولة المبكرة من ضعف شديد في الاهتمام المؤسسي، إذ لا تتوفر رياض أطفال إلا في عدد محدود من المدارس، نتيجة غياب السياسات الداعمة ونقص الكوادر المؤهلة والوسائل التعليمية، إلى جانب رداءة البيئة التعليمية المخصصة لهذه الفئة العمرية.

الكادر التعليمي

يُقدّر عدد المعلمين العاملين بمحلية سرف عمرة بنحو 400 معلم ومعلمة في مختلف المراحل التعليمية. غير أن هذا العدد لا يتناسب مع الكثافة السكانية ولا مع عدد المدارس، ويعكس اختلالات هيكلية في سياسات التوظيف والتوزيع التي اتبعها النظام الحكومي السابق والحالي.

توقف العملية التعليمية بسبب الحرب

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، توقفت العملية التعليمية بالكامل في جميع مراحلها بمحلية سرف عمرة. ونتيجة لذلك، وجد آلاف الطلاب أنفسهم خارج النظام التعليمي، حيث اتجه بعضهم إلى الخلاوي لحفظ القرآن الكريم كبديل اضطراري، بينما اضطر آخرون إلى الالتحاق بأعمال هامشية في الأسواق لمساندة أسرهم في تأمين الاحتياجات الأساسية، ما يهدد بارتفاع معدلات التسرب النهائي من التعليم وعمالة الأطفال.

أوضاع المعلمين ومعاناتهم الاقتصادية

يعاني المعلمون منذ أكثر من ثلاث سنوات من انقطاع شبه كامل لرواتبهم الشهرية، التي كانت في الأصل متدنية للغاية. ولم تُصرف الرواتب لأكثر من عامين، باستثناء صرف جزئي بلغ نحو 60% لمدة ثمانية أشهر فقط لبعض المعلمين، وبمبالغ تراوحت – حسب الدرجة الوظيفية – بين 12 و20 دولارًا أمريكيًا شهريًا. كما تم إيقاف رواتب 26 معلمًا بقرارات إدارية، من بينهم سبعة معلمين بالمرحلة الثانوية وتسعة عشر بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وذلك بناءً على تقارير كيدية ذات دوافع سياسية، اتهمتهم زورًا بالانتماء إلى قوات الدعم السريع، دون أي سند قانوني أو أدلة، في انتهاك واضح لحقوقهم المهنية والإنسانية.

إعلان فتح المدارس والتحديات القائمة

في يوم الخميس الموافق 26 نوفمبر 2025، أُعلن عن إعادة فتح المدارس بمحلية سرف عمرة، غير أن هذا الإعلان جاء في ظل واقع بالغ الهشاشة، يتمثل في استمرار توقف رواتب المعلمين، وتشرد أعداد كبيرة من الطلاب، ورداءة البيئة التعليمية، وانعدام المقومات الأساسية للعملية التعليمية، بما في ذلك الكتاب المدرسي، والوسائل التعليمية، والبنية التحتية الآمنة. وعليه، فإن استئناف التعليم في هذه الظروف يظل إجراءً شكليًا ما لم تُتخذ تدابير جادة وشاملة لمعالجة جذور الأزمة وضمان حق التعليم الآمن والمستدام لجميع الأطفال والطلاب في المحلية.

التوصيات

أولًا: توصيات عاجلة (قصيرة المدى)

. ضمان استمرارية دفع رواتب المعلمين دون تأخير

يتعين على السلطات المختصة وضع آلية عاجلة ومستقلة لصرف رواتب المعلمين بصورة منتظمة، باعتبارها شرطًا أساسيًا لاستئناف العملية التعليمية، مع مراجعة مستويات الأجور بما يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم في ظل التضخم وانهيار العملة.

. إلغاء القرارات التعسفية بحق المعلمين وإعادة الاعتبار لهم

ضرورة إلغاء قرارات إيقاف رواتب المعلمين الـ(26) فورًا، وفتح تحقيق إداري وقانوني مستقل حول التقارير الكيدية ذات الدوافع السياسية، وضمان عدم استخدام الانتماءات المفترضة كأداة للإقصاء الوظيفي.

. توفير الحد الأدنى من مقومات التعليم الآمن

يشمل ذلك تأمين الكتب المدرسية، والوسائل التعليمية الأساسية، وإعادة تأهيل الفصول المتضررة، وضمان توفر المياه والصرف الصحي داخل المدارس، بما يحفظ كرامة الطلاب والمعلمين ويقلل من المخاطر الصحية.

. تنفيذ برامج تعليم طارئة للأطفال المنقطعين عن الدراسة

اعتماد برامج تعليم تعويضي وتسريعي تستهدف الأطفال الذين انقطعوا عن التعليم خلال سنوات الحرب، مع مراعاة الفروق العمرية والنفسية، ومنع تسربهم النهائي من النظام التعليمي.

ثانيًا: توصيات متوسطة المدى

. إعادة توزيع الخدمات التعليمية جغرافيًا بعدالة

إنشاء مدارس متوسطة وثانوية في الوحدات الإدارية الثلاث المحرومة (كلا، وسطاني، بركة سايرة)، للحد من النزوح التعليمي، وضمان تكافؤ الفرص بين الريف والحضر.

. تعزيز تعليم الرحّل والتعليم المرن

تطوير نماذج تعليمية متنقلة ومرنة تتلاءم مع أنماط حياة المجتمعات الرعوية، بما في ذلك المدارس الموسمية، والمناهج المختصرة، والتقويم الدراسي المتكيف مع دورات الرعي.

. إعادة بناء الثقة بين المجتمع المحلي والمؤسسات التعليمية

إشراك لجان الآباء والمجتمع المدني المحلي في إدارة المدارس ومتابعة العملية التعليمية، بما يعزز الشعور بالملكية المجتمعية ويحد من التسرب المدرسي.

. دعم الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب والمعلمين

إدماج برامج الدعم النفسي والاجتماعي داخل المدارس، خاصة للأطفال المتأثرين بالنزاع والعنف، باعتبار التعافي النفسي شرطًا أساسيًا للتعلم الفعّال

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات