الخميس, يونيو 26, 2025
الرئيسيةمقالاتإعادة البناء التنظيمي: من لجان المقاومة إلى الجبهة العريضة

إعادة البناء التنظيمي: من لجان المقاومة إلى الجبهة العريضة

إعادة البناء التنظيمي: من لجان المقاومة إلى الجبهة العريضة
عبدالله رزق
أدّت الح.رب إلى تشتيت الشعب السوداني وتشريده بين نازح داخلي ولاجئ في إحدى دول الجوار، بينما بقي القليل من المواطنين محاصرين في مناطق العمليات. وحسب تقديرات منظمة الهجرة الدولية، حتى يناير الماضي، فإن عدد السودانيين الفارين من الجر.رب قد ارتفع إلى نحو 15 مليون شخص، حيث بلغ عدد النازحين 11.5 مليون مواطن، في حين عبر أكثر من 3.3 مليون فرد الحدود إلى دول الجوار، بحيث أصبح أكثر من 30% من السودانيين لاجئين في دول الجوار أو نازحين داخلياً.
من شأن هذا الحراك السكاني، الأول من نوعه منذ المهدية، أن يؤثر تأثيراً عميقاً في كل الاجتماع السوداني بمختلف أشكاله، وتأتي في المقدمة التشكيلات السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية، ويقضي على الحركة والنشاط المرتبط بهذه التشكيلات، ويفرض على المواطنين في مراكز الإيواء واللجوء، وما تبقى في المدن والأرياف، استجابة محددة مع الأوضاع الجديدة، التي يجد الناس أنفسهم فيها، في ظل غياب الدولة وانهيار منظومة الخدمات، والتي لا تخلو من قيود على الحركة، والتي تتمحور، بشكل رئيس، في تأمين الحصول على متطلبات الحياة الأساسية: الماء والغذاء، والعلاج والمأوى، والأمن والسلامة.
يحتاج الناس إلى بناء علاقات جديدة، ضمن الظروف التي فرضتها عليهم الح.رب، ولمقابلة حاجات الاجتماع الطارئ. ويحتاج الناس، الذين يفتقرون لأي شيء، للمال خاصة، لأن يعتمدوا على بعضهم البعض، ويساعدوا أنفسهم بابتداع صيغ من التكافل، والاستجابة الإنسانية للطوارئ، وهي أول صيغ التنظيم التي تفرض نفسها. يحتاج الناس إلى أن يتفقدوا بعضهم البعض، ويتلمسوا حاجات بعضهم للإيفاء بما تيسر منها، في حدود الممكن. تقوم لجان الطوارئ والتكايا، منذ بداية الح.رب، بجزء من المهمة…
قد يصعب تكوين تنظيمات وسط النازحين واللاجئين، لكن التنظيم مسألة مهمة، وواجب أولي لتنظيم حركة المواطنين باتجاه الحصول على حاجاتهم. التكافل والتضامن هو شعار الساعة، وهو جوهر التنظيم الذي ينبغي أن يجتمع حوله المواطنون في كل مكان، لمواجهة الأوضاع القاسية مجتمعين، بالقدر الذي تسمح به الأوضاع في كل منطقة. ويوفر الإنترنت شروطاً ملائمة للتواصل، بين الأفراد والجماعات، وتبادل الرأي والمعلومات والأفكار، وحتى تنظيم اجتماعات لكل مجموعة أونلاين، لتحديد ما يمكن عمله. الإنترنت هو الفضاء الذي تتم فيه الاجتماعات، والذي يؤمن تنظيم الجماعات، وتنسيق عملها، فهو أداة تنظيمية، للمواطنين، في المنطقة والمدينة والولاية، وحتى على مستوى القطر.
ومن تنظيمات التكافل والتضامن والمناصرة، يمكن أن تتطور أشكال التنظيم نوعياً، لتغطي جوانب أخرى من الحياة. إن إعادة بناء التنظيمات المختلفة، بدءاً من لجان المقاومة، والتنظيمات السياسية، والتنظيمات النقابية، والتجمعات الثقافية، والتسوية، حتى الجبهة المناوئة للح.رب.
حسب الإحصائيات فإن مليونين من سكان الخرطوم، البالغ عددهم خمسة ملايين، هم ضمن النازحين واللاجئين، من بينهم طلائع وقيادات وكوادر المجتمع المدني، على مستوى المركز، كمؤشر على مدى التفكك الذي عانته وتعانيه القوى المدنية، والتي فرضت عليها ظروف الح.رب، الانتقال بكل أنشطتها لخارج البلاد، بما يترتب على ذلك من فراغ في الداخل، وعدم فعالية أو ضعف تأثير للعمل والنشاط من الخارج. وبسبب اضطراب أو ارتباك الحياة الطبيعية، فإن الروابط الطبيعية، روابط العمل والسكن، قد تفككت. ونتج عن ذلك تأثير كبير على التنظيمات السياسية والنقابية ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني التي فقدت كوادرها المدربة.
ومن ثم أصبحت إعادة الروح للعمل المدني، تتطلب إعادة التنظيم، في ظروف غير عادية، هي ظروف الح.رب. حيث تفرض أطراف الح.رب رقابة على المدنيين، وتقيد حركتهم، وترهبهم بالاعتقالات والاختطاف والإخفاء القسري، تعذيب المعتقلين، والذبح، بجانب الحرب التي تستهدف تصفية قوى الثورة، أساساً، تحت لافتة القضاء على المتعاونين.
من إعادة التنظيم القاعدي إلى التحالف المرحلي
إن إعادة التنظيم على مستوى القواعد الجماهيرية، في أبسط أشكاله، مثل لجان المقاومة، أو اللجان والجمعيات الخيرية والأندية، استجابة للحاجات الملحة، حيثما وجد المواطنون، في الداخل أو الخارج، مهمة يمكن أن تلتقي حولها القوى السياسية. وهي خطوة أولى نحو تحريك جموع المواطنين، من قضايا المعاش اليومي إلى قضية وقف الحرب. إذ لا بد من بناء تنظيمي واسع حول شعار وقف الحرب، يعمل في مجال التعبئة، وإشاعة الوعي بضرورة وقف الح.رب، عاجلاً، والتطور لقوى ضغط حقيقية وفاعلة في هذا الميدان. من شأن العمل المنظم من أجل إيقاف الح.رب أن يستوعب قوى سياسية عديدة وديمقراطيين ونشطاء، في أول تبلور لجبهة أو تحالف جبهوي من هذا القبيل.
تنقسم التحالفات إلى نوعين: تكتيكي مرحلي، واستراتيجي طويل الأمد.
غالب على التحالفات التي شهدتها الساحة السياسية، منذ الاستقلال، أنها من النوع الأول، وهي تحالفات تنتهي بنهاية الهدف المرحلي الذي قامت من أجله.
لقد غابت، بصورة واضحة، التحالفات الاستراتيجية، مثل الجبهة الوطنية التقدمية، التي ظل يطرحها حزب البعث منذ نهاية ستينات القرن الماضي. قيام الجبهة، كتحالف، مرحلي أو استراتيجي، على المستوى الرأسي، أي تحالف الأحزاب السياسية، لا يراهن لإرادة حزب واحد. ففي الساحة السياسية، ثمة أحزاب قصيرة النفس، ولا تحتمل التحالفات البعيدة المدى، وأخرى، تربط قيام التحالفات الجبهوية، باشتراطاتها الخاصة، أو بدور قيادي ضمن التحالف.
وفي مختلف المراحل، دعا حزب البعث لتحالفات مختلفة، وفق مقتضى المرحلة، كما شارك في تحالفات وجبهات عديدة، في مراحل مختلفة للنضال الوطني.
الآن تبرز الحاجة لتحالف سياسي، مرحلي، لغرض وقف الحرب، وإدارة الفترة الانتقالية لعامين، بما فيها عزل قوى الردة، سياسياً، وإجراء الانتخابات.
وستفرض عملية الانتخابات تحالفات جديدة، إن لم تكن القوى السياسية قد توافقت، جزئياً أو كلياً، على خوض الانتخابات في قائمة موحدة، لإلحاق الهزيمة الشاملة، بالمؤتمر الوطني وواجهاته.
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات