الثلاثاء, نوفمبر 18, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةإعلان التعبئة العامة في السودان:تحوّل استراتيجي في خطاب البرهان وتداعيات الموقف الأميركي...

إعلان التعبئة العامة في السودان:تحوّل استراتيجي في خطاب البرهان وتداعيات الموقف الأميركي من الدعم السريع



ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات

ملخص ورقة سياسات

تقديم: شهدت الساحة السودانية تصعيداً لافتاً عقب إعلان القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان التعبئة العامة ودعوته لجميع السودانيين القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى القتال ضد قوات الدعم السريع. جاء الخطاب متزامناً مع تصريحات جديدة لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، حمّل فيها قوات الدعم السريع مسؤولية الانتهاكات واسعة النطاق، ما اعتبرته قيادة الجيش السوداني تحولاً نوعياً في الموقف الأميركي لصالحها.
يشكّل هذا التطور نقلة في بنية الصراع الداخلي، ويعكس رغبة القيادة العسكرية في تثبيت معادلة جديدة تقوم على استبعاد خيار التسوية السياسية، واعتبار الحسم العسكري الخيار الوحيد الممكن في المرحلة الراهنة. تهدف هذه الورقة إلى تحليل دوافع هذا التحول، وتقييم آثاره السياسية والعسكرية والاجتماعية، وقراءة تداعياته المستقبلية على مسار الحرب وتوازنات الإقليم.
أولاً: قراءة في خطاب البرهان وإعلان التعبئة العامة:
يمثل إعلان التعبئة العامة تطوراً مفصلياً في استراتيجية الجيش السوداني، إذ حمل الخطاب دلالات واضحة على تغيير قواعد الاشتباك:
1. إلغاء أي إمكانية لحل سياسي قريب
أكد البرهان أن المعركة لن تتوقف عبر الهدنة أو الاتفاقات، بل عبر القضاء الكامل على الدعم السريع، وهو ما يعني عملياً خروج المؤسسة العسكرية من دائرة التفاوض التي أدارتها الرباعية بالقاهرة والمبادرات الإقليمية والدولية.
2. تحول الحرب من صراع عسكري محدود إلى حرب شعبية واسعة
الدعوة لمشاركة “كل من يستطيع حمل السلاح” تمثل انتقالاً من حرب نظامية إلى حرب تعبئة شعبية، ما يشير إلى نقص في القوى البشرية لدى الجيش أو رغبته في توسيع دائرة الاستنزاف ضد الدعم السريع.
3. قطع الطريق على الضغوط الدولية
يتضمن الخطاب رفضاً واضحاً لأي مساعٍ أميركية أو دولية لفرض وقف إطلاق النار، خصوصاً بعد تباين المواقف حول الهدنة المقترحة. أراد البرهان إرسال رسالة مفادها أن الجيش لن يخضع لأي شروط خارجية لا تنسجم مع رؤيته للحل.
ثانياً: تأثير الموقف الأميركي الجديد على حسابات الجيش:
مثّلت تصريحات وزير الخارجية الأميركي ضد الدعم السريع نقطة تحوّل في إدراك الجيش السوداني لطبيعة الموقف الأميركي. ويمكن تفصيل ذلك من خلال النقاط التالية:

  1. فسّرت القيادة العسكرية التصريحات بوصفها خروجاً من حالة “الحياد الضمني” إلى موقف أكثر تشدداً تجاه الدعم السريع، ما أعطى الجيش شعوراً بامتلاك دعم دولي غير معلن.
  2. شكّلت التصريحات غطاء سياسياً يسمح للجيش بتصعيد عملياته العسكرية دون القلق من ردود الفعل الأميركية، وبالتالي زيادة تصلّب البرهان تجاه أي مبادرات تفاوضية.
  3. محاولة الجيش استثمار اللحظة للحصول على دعم إقليمي، فقد سعى البرهان إلى إقناع مصر وتركيا وبعض دول الخليج بأن اللحظة الدولية الحالية تتيح تعزيز موقعه، وأن الاستثمار في الجيش قد يكون خياراً أكثر فاعلية من الرهان على الدعم السريع.
    ثالثاً: التداعيات الداخلية لإعلان التعبئة العامة:
    يمثل إعلان التعبئة العامة خطوة خطيرة من حيث التأثير على البنية الاجتماعية والسياسية للسودان، إذ يحمل تداعيات واسعة:
  4. احتمال توسّع دائرة التجنيد والتسليح: قد يؤدي القرار إلى تجنيد واسع النطاق، بما في ذلك تسليح قبائل ومجموعات محلية، ما يزيد من احتمالات الانزلاق إلى صراع مسلح متعدد الهويات.
  5. تعزيز النزعة العسكرية في إدارة الدولة: يرسّخ الإعلان دور الجيش كمحور مركزي في السلطة، ويُضعف أي مسار مدني أو سياسي بديل.
  6. اتساع رقعة الحرب وارتفاع التكلفة الإنسانية: تحويل الحرب إلى حرب شعبية يزيد من احتمال امتدادها جغرافياً إلى ولايات جديدة، مع ارتفاع كبير في الخسائر البشرية والموجات الجديدة من النزوح.
    رابعاً: الانعكاسات الإقليمية والدولية: يهدف خطاب البرهان إلى تحقيق عدة رسائل إقليمية ودولية:
  7. طمأنة الحلفاء الإقليميين: تسعى القيادة العسكرية لإقناع الحلفاء—وخاصة مصر وتركيا وبعض دول الخليج—بأن الجيش ما يزال الطرف الأكثر قدرة على فرض الاستقرار مستقبلاً.
  8. ردع الدعم السريع ومنع تمدده السياسي والعسكري: يعطي الخطاب انطباعاً بأن الجيش مستعد لخوض حرب طويلة، ما يهدف إلى إضعاف الروح المعنوية لقوات الدعم السريع وداعميها.
  9. محاولة جذب دعم دولي غير مباشر: عبر تصوير المعركة على أنها جزء من جهود “استعادة الدولة” ومنع انزلاق السودان نحو التفكك،
  10. يمكن للبرهان محاولة الحصول على تسهيلات سياسية أو لوجستية.

الخلاصة

خطاب البرهان رسالة ثقة إلى الحلفاء الإقليميين، لتعزيز دعمهم وتأكيد أن الجيش قادر على الصمود وضبط الأرض مستقبلاً.
يمثّل إعلان التعبئة العامة تحوّلاً جذرياً في نهج الجيش السوداني، ويعكس انتقال الصراع من مرحلة البحث عن تسوية سياسية إلى مرحلة المواجهة المفتوحة.
إعلان التعبئة العامة يعكس أزمة حقيقية في القدرات البشرية للجيش ما يعني أن المؤسسة العسكرية بدأت تشعر باستنزاف واضح نتيجة طول أمد الصراع.
التحول الأميركي منح الجيش فرصة سياسية؛ لكنه لا يغيّر موازين القوة بشكل حاسم، فتصريحات روبيو قوّت موقف البرهان لكنها لا تعني دعماً أميركياً كاملاً، ما يجعل التعويل عليها محفوفاً بالمخاطر.
هذا التحول يتطلب متابعة دقيقة لمواقف الأطراف الإقليمية والدولية، ولقدرة الجيش فعلياً على تنفيذ استراتيجية “الحسم الكامل” ، في ظل صراع تتداخل فيه العوامل العسكرية والاجتماعية والسياسية والإقليمية بصورة غير مسبوقة.
الحرب تتجه نحو مزيد من الشراسة والتمدد الجغرافي، فالتجنيد الشعبي والتسليح الأهلي ينذران بمرحلة أكثر عنفاً وتعقيداً.
غياب الحل السياسي يثبت ان الحرب باتت خيارا استراتيجيا طويل الأمد لأطراف الصراع وخاصة الجيش السوداني ، وهو ما يهدد بتآكل مؤسسات الدولة وزيادة تفكك النسيج الاجتماعي.
قراءة هذا التحول تتطلب متابعة دقيقة لمواقف الأطراف الإقليمية والدولية، ولقدرة الجيش فعلياً على تنفيذ استراتيجية “الحسم الكامل” ، في ظل صراع تتداخل فيه العوامل العسكرية والاجتماعية والسياسية والإقليمية بصورة غير مسبوقة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات