الخميس, أغسطس 21, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات "البحير" (6): كوابيس بورتسودان وفزاعة الطائرات...

الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البحير” (6): كوابيس بورتسودان وفزاعة الطائرات الكاذبة؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البحير” (6): كوابيس بورتسودان وفزاعة الطائرات الكاذبة؟!

هنا، في نيالا، لا ترى وجوه المرتزقة، ولا يسمع أزيز الطائرات المسيّرة، لا تطالع سماءً تعج بالموت، الناس يعبرون شوارعهم بأقدام واثقة مطمئنة.
لكن في نشرات بورتسودان.. كل شيء يبدو مقلوبًا رأسا على عقب، مشوّهًا لأبعد حد.
ففي نشرة التاسعة قبل يومين، كانت مسيرات لا وجود لها تجوب فضاء هذه المدينة.
يقولون إن طائرة غامضة هبطت ليلاً، نزل منها كولومبيون، أو ربما خبراء أجانب، أو ظلالٌ لا ترى.
علي أية حال، لا أدري من أي مخيلة خرج الكولومبيون الأربعون؟
في أي استوديو هوليودي صيغت قصة هذه الطائرة القادمة من واق الواق يتتبعها رجال الاستخبارات بالعدسات المكبرة وبالبوصلة والمليمتر.
بيد أن في نيالا، لا أحد يسأل عن كولومبيين أو عن سواهم.
الناس هنا يسألون فقط عن الكهرباء الوافدة من شمس السماء، وعن خبز الغد الذي ينتظر المطر، وعن المدارس التي فتحت أبوابها وأكملت امتحاناتها، وعن “النت الفضائي”، هل سيبقى أم ينقطع.
هذا هو نبض الحياة الحقيقي في هذه المدينة، التي لا شأن لها بخزعبلات الكوابيس والهواجس التي تنقلها شاشات باهتة.
غير أنه كلما تململت نيالا من تحت رمادها، هرعت هكذا بورتسودان إلى إطلاق صفارات إنذارها.
تخاف أشباحا لا يراها غيرها،
تظن أن كل ما يتحرك هو تهديد لها، وأن كل مبادرة خارج إطارها القديم هي مؤامرة عليها.
فيما نيالا مدينة وقورة لا تتعجل، لكنها أيضا لا تنام.
مدينة تحلم، لا بالرصاص، بل بالخلاص.
ربما كان الخوف الأكبر لبورتسودان ليس من الطائرات المحملة بالمرتزقة الأجانب كما تزعم، بل من فكرة، أن سوداناً جديدا يمكن أن يُبنى دون إذن المركز.
من أن الشرعية قد تنتقل من البزة العسكرية إلى أقدام الفقراء في المزارع والمراعي والأسواق.
الهوس الإعلامي القادم من بورتسودان لا يعكس القلق المشروع، بل يعكس رعبًا دفينًا.. رعب من فكرة أن مركزاً جديدًا قد يولد، من رحم مدينة يبدو انها لا تخشى التحديات الكبري، ولا تنتظر تمائما خارجية كي تنهض.
قالوا إن نيالا تحت الجحيم، وإن الجماهير التي ملأت ساحات “البحير” لا تعبّر عن نفسها، بل جُلبت بالشراء.
فقد رأيتهم، بأم عيني، شبانًا يرقصون كأنهم يكتبون نشيد الحرية بأقدامهم، وفتيات يلوحن بالأعلام كأنهن يرفعن احلامهن الي عنان السماء.
من يتابع إعلام بورتسودان، يظن أن التاريخ يُكتب من استوديوهات التلفزة، لا من تراب المدن الحية.
يظن أن بورتسودان وريثة الخرطوم لا تزال هي المصدر الذي يحتكر الحقيقة المطلقة، وأن أي صوت لمركز بديل يمثل جريمة لا تغتفر بحق هذا المركز الأبدي الخالد دوما.
لكن الحقيقة تقول: أن من يعيش على فزاعة الطائرات الكاذبة، لا يستطيع إيقاف وقع أقدام الجماهير.
المهم، فها أنا من نيالا أكتب.. حيث الحقيقة تمشي على قدمين، لا تُبث في الشريط الإخباري الأحمر.
وحيث الغبار ليس من أجنحة المسيرات، بل من خطوات الناس نحو غدٍ جديد بات يقترب رويدا رويدا.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات