التصعيد الإسرائيلي الإيراني يربك أفريقيا: قفزة في أسعار الطاقة وتقويض للنفوذ الإيراني
ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف اولي:
ما هي تداعيات الحرب الايرانية الإسرائيلية المفتوحة منذ الثالث عشر من الشهر الجاري على القارة الافريقية، بعد تزايد المؤشرات لاحتمالات تدحرج الحرب الى حرب إقليمية وعالمية، خاصة مع استمرار التراشق الصاروخي الذي يستهدف كل قواعد البنية التحتية المدنية والعسكرية للبلدين. في هذا التقييم الاولي، نحاول استشراف التداعيات الاقتصادية والدبلوماسية على دول القارة الافريقية، كنتيجة مباشرة لهذه الحرب.
• ذكرت المصادر المتطابقة ان غالبية دول القارة شهدت ارتفاعا في أسعار الذهب وصل إلى أعلى مستوياته منذ شهرين تقريبا، بنحو 1٪ أي الى أكثر من 3,420 دولارا للأونصة. كما ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد في أعقاب الضربات الإسرائيلية على إيران، مما يعكس المخاوف المتزايدة من تعطل إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط.. حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بأكثر من 4 دولارات للبرميل – بزيادة حوالي 5.8٪ – لتصل إلى 73.38 دولار للبرميل. ويحذر المحللون من أنه إذا تصاعد الصراع أكثر وعطلت المنشآت الرئيسية لإنتاج النفط أو طرق الشحن، فالتأثير الاقتصادي المحتمل على أفريقيا هو ارتفاع أسعار النفط عالميًا بنسبة 7–11٪ حيث يتجاوز السعر 80 دولارًا للبرميل.
• من المتوقع ان يؤثر توقف صادرات الغاز من الحقول الإسرائيلية (تامر وليفياثان) على مصر، مع توقعات بارتفاع خسائر إيرادات مصر إذا طالت الأزمة. وتعتبر مصر من أكثر الدول الافريقية تضررا من استمرار الحرب، إذ سجل مؤشر البورصة المصرية في اليوم الثالث للحرب أكبر هبوط له خلال خمس سنوات، وذلك بسبب توقف تدفق الغاز من إسرائيل وتخوف المستثمرين من اضطرابات إقليمية، وتراجع العملة الوطنية إلى مستويات دون 50 جنيهًا مقابل الدولار، مما يزيد الضغوط التضخمية على الاقتصاد. وتشمل القطاعات المتضررة الطاقة (انقطاع الغاز)، والسياحة (القلق الأمني)، والتجارة عبر قناة السويس نتيجة لارتفاع التأمينات وابتعاد السفن عن الممرات البحرية الرئيسية بجنوب البحر الأحمر.
• تلي مصر دولة جنوب أفريقيا، التي شهدت انخفاض عملتها المحلية، علاوة على ذلك، ارتفعت عوائد السندات الحكومية الطويلة الأجل (سندات 2035) بحوالي 16.5 نقطة أساس، مما يعكس ارتفاع مخاطر السوق ومُخاوف المستثمرين.
– ومن المرجح أن يؤثر ارتفاع أسعار النفط على مستوردي المواد الغذائية والوقود في جميع أنحاء شرق أفريقيا بسبب إغلاق محتمل لمضيق هرمز وتأثر سلاسل الإمدادات، لا سيما تلك التي تعتمد على طرق الشحن التي تعبر البحر الأحمر وقناة السويس، الأمر الذي يشكل ضغطا متزايدا على الاقتصادات الهشة في مناطق الصراعات، مثل السودان وإثيوبيا والصومال.
• التأثير الأمني المتوقع رغم بعد المسافة الجغرافية، فإن التصعيد قد يدفع جماعات مسلحة تعمل بالوكالة لصالح إيران أو إسرائيل للتحرك في منطقة القرن الأفريقي أو الساحل، مما يؤثر على الاستقرار الإقليمي وقد تواجه دول مثل الصومال أو إثيوبيا، زيادة في نشاط تنظيمات مسلحة أو اختراقات إرهابية كبيرة.
• يهدد الهجوم الإسرائيلي المستمر على إيران بتفكيك الاختراقات الاستراتيجية التي حققتها طهران في أفريقيا في السنوات الأخيرة، خصوصا بين تلك الدول التي تنأى بنفسها عن الغرب. ففي يوليو 2023، قام الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي – الذي توفي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو 2024 – بجولة إفريقية شملت ثلاث دول، كينيا وأوغندا وزيمبابوي، كأهم حملة دبلوماسية لطهران في القارة منذ أكثر من عقد من الزمان. سعت إيران من خلالها إلى تعميق العلاقات التجارية وإبراز نفسها كشريك تنموي في مرحلة ما بعد النفوذ الغربي.
• تعتبر كينيا ثاني أكبر شريك تجاري لإيران في إفريقيا، بعد جنوب إفريقيا. وفقا لمختبر النمو بجامعة هارفارد، تركزت التجارة الثنائية منذ فترة طويلة حول صادرات الشاي الكينية والبترول والكيماويات الإيرانية.
• في بوركينا فاسو، عززت طهران علاقاتها مع حكومة النقيب إبراهيم تراوري التي يقودها الجيش والذي طرد القوات الفرنسية واتجه شرقا. وفي النيجر، نمت الشراكات التجارية والسياسية الإيرانية لكن هذه التحالفات تواجه الآن تدقيقا جديدا.
• حاولت طهران استثمار الحرب السودانية لتعميق وجودها في منطقة البحر الأحمر من خلال دعمها العسكري للجيش بقيادة الفريق البرهان واستعادت علاقتها مع عناصر النظام السابق، وتقدر المصادر السودانية ان ينعكس الهجوم الإسرائيلي سلبا على حكومة بورتسودان التي ستفقد الدعم الإيراني من الطائرات دون طيار والدعم الفني، وسيضيق خيارات إمداداتها العسكرية. كما ان تقليم أذرع إيران الخارجية ومن بينها السودان سيكون هدفا إسرائيليا وغربيا.
• ترتبط كينيا، أوغندا، إثيوبيا، نيجيريا، رواندا، غانا، زامبيا بعلاقات قوية نسبياً مع إسرائيل، تعاون أمني واقتصادي وتكنولوجي، تستفيد من الخبرات الإسرائيلية في الزراعة والأمن السيبراني والتدريب. وتعتبر إثيوبيا من أقوي الدول الافريقية التي تربطها علاقة مع إسرائيل في المجال الأمني والعسكري العميق.
• شهدت السياسة الخارجية للدول الافريقية انقسامًا بين دول تدعو للتدخل الدبلوماسي وأخرى تتحفظ، ولا توجد دولة أفريقية حتى الآن أعلنت دعمها للهجوم الإسرائيلي على إيران. توازن القوى بين النفوذ الإيراني والإسرائيلي/الغربي على الأرض الأفريقية قد يشهد تصعيدًا. حيث دعا الاتحاد الافريقي لوقف فوري للتصعيد وعودة للحوار، بينما اعتبرت كل من دول جنوب إفريقيا، الجزائر، تونس، السودان، الضربات الجوية الإسرائيلية انتهاكًا للقانون الدولي، في الوقت الذي دعت فيه كل من نيجريا وغانا للتهدئة دون إدانة مباشرة. وعبّرت مصر عن قلقها من آثار الحرب على قناة السويس وامدادات الطاقة.
• قد تعزز إسرائيل مساعداتها الاقتصادية والعسكرية للدول الأفريقية الحليفة لها، وستعمل لاستمالة الدول المعارضة لإيران إلى صفها تحسبا للمعارك الدبلوماسية القادمة.