الثلاثاء, يونيو 24, 2025
الرئيسيةمقالاتالجميل الفاضل يكتب:سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟! "حميدتي" الشبح الغامض: هل وقّع أخيرًا...

الجميل الفاضل يكتب:سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟! “حميدتي” الشبح الغامض: هل وقّع أخيرًا على دفاتر الحضور؟!

الجميل الفاضل يكتب:سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟! “حميدتي” الشبح الغامض: هل وقّع أخيرًا على دفاتر الحضور؟!

لأول مرة منذ إندلاع الحرب، هبط أمس الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد الدعم السريع، من رحم الشائعات إلى مسرح العلن، ومن سماء الخرافة إلى أرض الواقع.
عاد ملء السمع والبصر في مكانٍ وزمانٍ كانت فيه الشمس تميل قليلاً على سطح رمالٍ تبدو بعيدة.
على أية حال، هو رجل كأنما نُحت من بقايا الأساطير القديمة.

إزاحة النظارة السوداء:

وقف حميدتي بشحمه ولحمه، على ظهر سيارة رباعية الدفع بيضاء اللون، نحّى نظارته السوداء جانبًا، ليطارد شبحًا ظلّ يعشّش لأكثر من عامين في أذهان ساسة كبار، وسفراء عاملين، وضباط جيش، وبعض إعلاميين، وكثير من عوامٍ منقادين وراء الرواية التي رسّختها غرف إعلام الإخوان المسلمين.
إذ لم يروا، حتى في ظهوره القليل عبر الوسائط أو في تحركاته بالخارج، سوى صورة وهمٍ ترسّخت بأعماقهم عن “منتجٍ” على هيئة رجل، صنعه الذكاء الاصطناعي، يتحرك بإرادة غامضين.

قصة رجل دُفن ألف مرة:

هكذا وقف أمس وسط رمالٍ تحمل أنين الحرب، أمام جيشه، ليلقي خطابًا لم يكن مجرد كلمات، بل لوحة مرسومة بالنار والظل.
تعكس صورة رجل تناقلت الألسن أنه دُفن ألف مرة، وصارت صورة قبره الوهمي منارةً في متاهات العالم الرقمي.
عاد إلى هنا كأنه يُعيد كتابة الأقدار.

أسطورة يصنعها الغياب:

لكن وسط هتافات آلاف الجنود وغبار الصحراء، كان حميدتي بالأمس لحمًا ودمًا، صوتًا يهدر كالنهر الثائر، وعينين تخترقان ستار الزمن.
قصته، كما همس محمود درويش، هي “قصة الموت الذي لا موت فيه”، لأن كل غيابٍ له يُولد أسطورة، وكل ظهورٍ يُعيد غزل حكايته علي منوال جديد.

لغز الصيام المستدام:

خلال سنوات هذه الحرب، كما روى الجنرال المنشق أبو عاقلة كيكل، عاش حميدتي كزاهدٍ في صحراء الوجود، “في صيامٍ مستدام عن الأكل والشرب”، نادر الظهور، قليل الكلام.
كان كطيفٌ يتوارى في طيّات الزمن وبين تضاعيفه، يخرج للناس لمامًا، ثم يعود لينام ملء عيونه عن شواردها، تاركًا القوم يسهرون يتساءلون: أمات حقًا، أم من عاد ليس هو؟.
هل هذا الغياب المتكرر، جاء كطقسٌ نسج هذه الأسطورة، جعل كل ظهورٍ له زلزالًا يُحرّك أحجار دومينو تتداعي في مكان ما.

غموض في المكان:

خطابه الأخير كان لحظةً يُعيد فيها تأكيد وجوده، بصورة أو باخري، حين وقف حميدتي أمام جيشه في مكانٍ غامض، ليُلقي خطابًا استمر 23 دقيقة، جاءت كأنها دهرٌ مكثّف.
كلماته البسيطه كانت تعكس عمق رحلته من البادية إلى تاريخ هذه اللحظة، مزيجًا من التحدي والمصالحة، من أحلام المستقبل وظلال الماضي.

شجاعة الإعتراف:

اعترافه بخسارة بعض المواقع في الحرب، هو مظهر شجاعة عند رجال الصحراء.
فحميدتي الذي يقر بخسرانه في الخرطوم والجزيرة لاغلي ما يملك من رجال، كأنما يستحضر صبر البوادي في مواجهة العواصف.
لم يكن هو اعترافًا بالضعف، بل هو اعتراف يعكس شجاعة رجلٍ نشأ في مواجهة القسوة.

زهرةٌ بين الصخور:

ثم مد يدًا إلى قادة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، قائلاً: “ليس بيننا خصومة”.
هذه الدعوة، كزهرةٍ تنبت بين مفاصل صخرة، تعكس روح الرجل الذي تفاوض في جوبا مع هؤلاء الرجال أنفسهم.
فحميدتي يدرك أن الحرب لا تُربح بالسيف وحده، بل بالقدرة على نسج التحالفات، كما فعل في صعوده من تاجرٍ إلى قائد، وإلي أن صافح “الحلو” بعمق أذاب صخور الجبال.

رعد الصحاري:

وجه الرجل سهامًا لفظيةً إلى الجيش، متهمًا البرهان بتفتيت الوطن واستخدام “جنود إريتريين وعمال تعدين”، مهددًا بـ”سحق” خصومه.
كلماته كانت كرعدٍ يُزلزل الأرض، تعكس غريزة البقاء التي شكّلت رحلته في الحياة كسائر أبناء الصحراء.

محاسبة المتفلتين:

وعد بمحاسبة “المتفلتين” في مناطق سيطرته، محاولاً غسل عباءته الملطخة بالاتهامات.
هذا الوعد، يعكس رغبته في الخلاص من صور وانطباعات ربما تركت ظلالا زائفة حوله.

رقصة على حبل العواصف

خطاب حميدتي لم يكن موجهًا للسودان وحده، بل كان لحنًا يتردد في أروقة المنطقة، حيث تتصارع الرياح من القاهرة إلى طهران، ومن أبوظبي إلى تل أبيب.
السودان، تلك الأرض الممزّقة، صار ميدانًا لصراعاتٍ إقليمية، كأنما هو لوحةٌ تُرسم بخطوطٍ من الدم والنفوذ.
خطاب حميدتي، جاء كرقصةٍ على حبلٍ مشدود فوق هاوية هذه العواصف، كان محاولةً لإعادة ترتيب مكانته في هذا المسرح المتقلب.

عطر الدبلوماسية:

تحوله المفاجئ من اتهام مصر بدعم الجيش إلى دعوةٍ لـ”حوار مباشر” كان كأنما يمد جسرًا إلى ضفاف النيل المضطربة.
هذه الدعوة، التي تحمل عطر الدبلوماسية، لم تكن عفوية، بل ربما نبتت من بذورٍ ربما زرعتها زيارة السيسي إلى أبوظبي قبل أيام.
مصر، التي أثار إحباطها صمت البرهان، ودعوة علي كرتي، زعيم الحركة الإسلامية، لدعم إيران في حربها ضد إسرائيل، صارت هدفًا لحميدتي.

الرهان علي قلب القاهرة:

كأنه يراهن الآن على قلب القاهرة، تلك التي تخشى نفوذ الإخوان، وتقلق من تدفّق النازحين عبر حدودها الجنوبية.
إشارته إلى تأمين مثلث جبل العوينات ومكافحة الهجرة غير الشرعية، بدت كمرايا تعكس مخاوف الفراعنة.
كأنه يهمس في أذن الدولة المصرية: “أنا درعكم ضد الفوضى”.
بل وفي الخليج أيضا، ثمة من يراهن على حميدتي كحليفٍ محتمل في مواجهة تمدّد الإخوان والتوغل الإيراني، بل ربما هناك يد خفية ساهمت في تقريبه من مصر في هذا التوقيت الحرج.

على لوح الاستقطاب:

حرب إيران وإسرائيل، التي اندلعت مؤخرًا، دفعت بالسودان إلى قلب صراع إقليمي متشابك، حربٌ بالوكالة تُخاض على ترابه.
الجيش، بقيادة البرهان، ومعه حليفه الإسلامي علي كرتي، بدا وكأنه يميل أكثر نحو طهران، كما عكست دعوة كرتي لتكوين “جبهة إسلامية عالمية”، وبيان وزارة الخارجية السودانية الداعم للموقف الإيراني.
في المقابل، يقف حميدتي في الجانب الآخر من رقعة الشطرنج، تحت ظلال المحور المناهض لطهران.
ففي إشارات إسرائيلية خفية، لمحت صحيفة “جيروزاليم بوست” إلى أن تل أبيب بدأت ترجّح كفة حميدتي على رجلها السابق، البرهان، الذي اقترب أكثر من إيران.
هكذا يتحول مشهد الخرطوم إلى لوحة تتقاطع فيها مسارات الرهانات والمخاوف والمصالح، كل طرف يفتش عن وكيله في الميدان.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات