في بلاد اعتادت أن تحتمل الأوجاع بصمت، يُصبح حتى هذا الصمت حمّال أوجه أحيانا.
وهكذا يمضي أسبوع البرهان، كمن يلوّح بإحدى يديه للسلام، فيما يخبئ أخرى وراء ظهره.
عاد الرجل من الرياض يحمل في جعبته خريطة الرباعية بحذافيرها، ودعوة عاجلة لتهدئة القتال دون إبطاء.
قال إنه بحاجة لأسبوع، مهلة ليُجري مشاوراته مع الداخل.
لكن من هم رجال هذا “الداخل”؟
هل هم شركاءه الإسلاميين؟
أم خصومه الذين ضاق صدره بهم فانقلب عليهم قبل أعوام؟
أم أنهم بالأحرى، “سادة” هذه المؤسسة التي توشك أن تصبح جسدًا بلا روح، بعد أن أكلت الحركة الإسلامية قلبها السياسي، وعقلها الاستراتيجي؟
في القاهرة، لم يكن البيان المصري عابرًا.
“مؤسسات الدولة السودانية خط أحمر”.
أهي رسالة لمن يريد تقويضها؟
أم لمن يختبئ خلفها ليفتك بوحدة البلاد باسمها؟
هل كانت خطوط السيسي الحمراء رسالة للرباعية، تحذر من هندسة حلول تُقصي مصر؟
أم صفعة ناعمة على وجه الحركة الإسلامية نفسها، التي ظلت تتخفي خلف الجنرال كلما داهمه الضوء؟
وفي واشنطن.. حط هنالك كامل إدريس في توقيت غريب، يتحدث باسم حكومة لم تعد تراها العيون، فيما كان مسعد بولس يراقب المشهد عن كثب من قلب قصور الرياض، حيث الحبال تُشد وتُرخى.
فهل كان البرهان يُشاور أم يتحصن؟
هل يتهيأ لوداع الحلفاء القدامى؟
أم ينسج معهم خيوط تمرد جديد على خريطة يراها تقطف من سلطته ولا تمنحه إلا الرماد؟
هل هذه المهلة التي طلبها هي للمراجعة الجادة، أم للمراوغة التي اعتادها تارة أخرى؟
وهل إذا دقت ساعة الحسم، سيقفز الجنرال من مركب الإسلاميين؟
أم سيغرق معهم حتى القاع، حيث لا جيش، ولا دولة، ولا شبر ضئيل يمنحه بارقة أمل؟
أسبوع البرهان، لا يمر كما تمر الأسابيع.
إنه أسبوع الأسئلة الصعبة، والقرارات المرة.
أسبوع قد يكتب آخر سطر في خرافة الدولة القديمة، أو أول سطر في حكاية وطن يُعاد رسمه على خرائط الآخرين.
لكن من قال إن الخرائط تُرسم بالحبر فقط؟
ربما تُرسم بالدم أيضًا.
لتنتهي القصة بينهم، وبينهم فقط، كما رجح قبل عقود صاحب النبوءة الدقيقة الصارمة، محمود محمد طه.
فمن مطابخ متعددة في واشنطن والرياض والقاهرة.
تنبعث في وقت احد تلك الرائحة، من بصل لا زال “يُكشَّنُ” علي نار هادئة.
أنها رائحة يشمها كل ذو أنف طال أو قصر، عدا صنف واحد صار من الغفلة مضرب مثل، عرف في سيرة حياة أهل السودان بديك أو ديوك المسلمية.

