الجميل الفاضل يكتب :عين على الحقيقة بركان تحالف “تأسيس” يقلق منام العالم
قامت الدنيا ولم تقعد، ما أن أعلن “تحالف السودان التأسيسي” عن تشكيله حكومة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الأطراف المكونة للتحالف، التي يتبع بعضها للدعم السريع، وللحركة الشعبية شمال، وللجبهة الثورية.
فقد أعرب مجلس السلم والأمن الأفريقي الثلاثاء الماضي عن قلقه العميق وإدانته الشديدة للإعلان الأخير لقوات الدعم السريع والقوى السياسية والاجتماعية المتحالفة معها بخصوص تشكيل حكومة موازية في السودان، محذراً من مخاطر تقسيم البلاد.
ودعا المجلس جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بأي حكومة موازية، أو كيان يسعى إلى تقسيم السودان أو السيطرة على أي جزء من أراضيه أو مؤسساته.
وأكد المجلس عدم اعترافه بأي حكومة موازية أو كيان في السودان.
وإلي ذلك أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي مطلع الأسبوع عن قلقهم البالغ إزاء توقيع ميثاق لإنشاء سلطة حاكمة موازية في السودان.
وأكد أعضاء مجلس الأمن أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الصراع الدائر في السودان، وتفتيت البلاد، وتفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل.
وأكد أعضاء مجلس الأمن التزامهم القوي بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، مشددين على أن أي خطوات أحادية الجانب تقوض هذه المبادئ تهدد استقرار السودان والمنطقة على نطاق أوسع.
لكن رغم موجة هذا القلق العارم الذي إجتاح العالم وضرب كافة مؤسساته حكومية الطابع.
الا أن هذه الضجة التي اثارتها المنظمات الحكومية الدولية والاقليمية، بشأن حكومة “تأسيس” لا تنفي حقيقة أن التحولات الكبري في حياة كافة الأمم والشعوب، ظلت تخرج هي هكذا علي مر التاريخ، الي حيز الفعل والوجود من أضيق نطاق.
كما تخرج من فوهة البركان صغيرة الحجم، أضخم الحمم، وأشدها نارا.
بل قد تعتري مثل هذه التحولات نفسها، من حين لآخر أوضاع مد وجذر وتمدد وإنكماش، تطابق وصف “المتنبي” للأسد وهو في وضع الإستعداد للإنقضاض علي فريسته، صورة رسمها المتنبي بقوله:
“ما زالَ يَجمَعُ نَفسَهُ في زَورِهِ
حَتّى حَسِبتَ العَرضَ مِنهُ الطولا”.
عموما فإن الأحوال في مثل هذه المنعطفات، هي أحوال نوع وكيف، بأكثر منها أحوال حجم وكم، وبالتالي فإنها لا ينبغي أن تخضع لحساب المقادير، ولمقاييس الكيل والوزن.
المهم فإن لمثل هذه اللحظات الحاسمة من التاريخ قانونها الخاص، قانونها الذي يرفع حتي لو فردا واحدا ناهيك عن تكتل أو حلف، إستطاع أن يلحق ويمسك بلحظة الفعل التاريخي العابرة في الزمن، ثم لم يفلتها، فعبر عنها وفقا لشروطها العملية، وضروراتها الحتمية، تعبيرا دقيقا ومحكما بقوة، يحمل خلالها آمال شعبه بين جوانحه يقينا وعلي راحتيه فعلا، يرتقي بهذه اللحظة الي اعلي مصاف، يصبح به هو ذاته في النهاية “أمة”.
أمة يعبر عنها هذا الفرد أو الحلف بصدقه كترجمان أمين لأحلامها، رغم أنها لا زالت في الحقيقة أمة قيد التخلق والتقلب في الأرحام، أمة تنبع من بين جوانح هذه الجماعة والفرد ووجدانه الصافي، لتنشأ وتتشكل وفق التماعات ذهنه الوقاد.
علي أية حال، فمن بين تضاعيف كل تلك التخلقات وأطوارها، يمكن إستنباط أن بين المصائب والفوائد علاقة جدلية دائمة لا تنتهي أبداً، علاقة تجعل أفضل المزايا تقبع كامنة طي البلايا، وأعظم المنّن ترقد تحت سواد المحّن .
بل إن ضارة هنا ربما تشقي بعضا، قد تصبح هي ذاتها، نافعة تسعد في ذات الوقت بعضا أخر، والعكس بالعكس صحيح.
المهم هكذا تجدد الحياة حياتها، ويصنع التاريخ نفسه، لكي لا يفسد سكون الأوضاع وجمود المواقف حيوية هذه الأرض، إذ ثمة قانون يقول: لولا دفع الناس بعضهم بعضا لفسدت الارض، ولهدمت صوامع وبِيّع وصلوات.
وبالتالي فإن دينامية الدفع والتدافع والمدافعة، تظل هي سّر الحياة في هذا الوجود، تقدماً وتقهقراً، حراكا تباشره ميكانزمات داخلية عميقة، تصنع به أقدار الناس والحياة.
وللمفارقة فإن مصائبا قد تجمع أحيانا مصابين هنا على ما بينهم من خلاف، في حين أن تناقضا في المصالح قد يفرق حتي الأصدقاء وأقربين الأقربين، علي سنن تقرب بعيداً كان، وتبعد قريباً أختار او اختارت له الاقدار، أن يصبح بعيداً الآن.
فالتحولات الكبري في التاريخ، هي التي تصنع قادتها، الذين يولدون في العادة من رحمها، لا من خارجه.
بمثلما أن أي حراك كان التغيير غايته، فإن من بين أدواته الفاعلة لا محالة “غربال” ذاتي الحركة عالي الحساسية، يقوم بمهام فرز داخلية دقيقة وعميقة، من شأنها أن تعيد رسم وتعديل خارطة طريق هذا التغيير، حينا بعد حين، ومرحلة تلو أخري، وفرزا يتبعه فرز.
وبالطبع، فلو أنك رأيت، “برهانا” بالقول، وبيانا بالعمل يتناقضان، فأدرك أن خيطا أبيضا من أسوده، في طريقهما لأن يستبينان.