الجميل الفاضل يكتب : عين علي الحرب نهاية حرب، هي بداية حلم ووعد؟! (3)
أطلق رسول الإسلام (ص)، علي أرض السودان، وصفا معنويا لافتا، بقوله للمهاجرين الاوائل: “لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي “أرض صدق”، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه”.
المهم فليس ثمة أثقل علي “أرض الصدق”، أرض الحبشة القديمة، أو السودان الحالي، مما تغطت به الي يومنا هذا من “كذب”.
هو علي أية حال، كذب يومي مستمر، لم يتوقف حتي لساعة.
منذ أن أوحي شيخ الحركة الإخوانية المدبر، لقائد إنقلابها في العام (89)، كَلمةُ سِّرها الأولي.. “أذهب الي القصر رئيساً، وسأذهب الي السجن حبيساً”.
إنه “كذب” ظل ينهمر علي رؤوسنا كأفواه القرب علي بساط هذه الأرض، يصدر عن كل “أفاك أثيم”، يتنزل عليه كل “شيطان رجيم”، ليتبادلا الوحي إنسا وجنا، يزخرفان القول، ليضلا به كل غافل من الناس هنا.
المهم فإن أرضا معدنها الصدق، كما وصفها النبي الكريم، أتصور أنها لن تصبر علي نوع هذا الكذب لأكثر، فقد أضحي “الكذب” بالفعل، رئة ثالثة يتنفس بها صناع السياسة الفاعلين الآن في هذه الحرب.
فالأرض عموما ليست عنصرا محايدا لا يتأثر أو يؤثر في سير ومجريات الأحداث.
ولعل تخيير المولي سبحانه للأرض والسماء، في الإمتثال لأمره طوعا، أو بفرضه كرها، هو أبلغ دليل علي وجود إرادة للأرض، عبر عنها تعالي بقوله: “ثم إستوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين”.
بل أن للأرض التي ننظر لها كجماد مجرد من العواطف، مشاعرا تتفاعل بها سلبا وإيجابا مع الإنسان وفقا لتصرفاته وسلوكه.
أنظر كيف أشار الله تعالي لرد فعل الأرض والسماء علي غرق فرعون وجنوده قائلا: ”فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض”.
وهو قول شرحه الإمام علي بن أبي طالب بقوله: “نعم، إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان: موضع في السماء، وموضوع في الأرض، أما موضعه في الأرض فموضع مُصلاَّه.
أما موضعه في السماء فهو مصعد عمله”.
فقد جعل الله علي ظهر هذا الكوكب ثقلين “إنس وجان”، خرج من كليهما مخرجين، مخرج صالح، وآخر طالح.
الصالح هم “أولياء الله”، والطالح “أولياء الشيطان”.
لينتج مثل هذا الوجود، فئتين من الشياطين، فئة تعيش بيننا، نسمعها، ونراها، ونكلمها، تسمي “شياطين الإنس”، وفئة أخري من ورائها، ترانا، ولا نراها تسمي “شياطين الجن”.
لتظل علاقة هذين الثقلين المتحالفين قائمة علي الارض، لا تنفصم عراها، ترفد بعضها بعضاً، يتبادل من خلالها هذان الثقلان أفانين من الوحي المزخرف، الذي هو وحي خبره أهل السودان، وتجرعوا من كأسه الأمرين لنحو خمس وثلاثين عاما.
وللحقيقة فإنه حيثما حَّلَ “أولياء الشيطان” من الإنسِ بأرضٍ، حلت بها كذلك شياطين الجن، وكلما كثر بأرض الأفاكون، الآثمون، الكذابون، من الإنس تنزلت عليهم، وعلي تلك الأرض التي هم عليها “الشياطين” أيضا.
فقد قال سبحانه وتعالي في محكم التنزيل: “هل أنبئكم علي من تتنزَّلُ الشياطين، تتنزَّلُ علي كل أفاكٍ أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون”.
فالتحالف الشيطاني بين شياطين الإنس، وشياطين الجن، قادر بغلبتهِ لو أنه تغّلبَ علي “شيطنة الأرض” نفسها، بل وعلي جعلها من ثّم مرتعاً خصبا لشياطين الطائفتين من إنس وجان.
وعلي العكس تماما فإن أي أرض يحل بها “أولياء الله” تحل بها الملائكة، سواء الملائكة الطوافون الذين يجدون مراتعهم في حلق الذكر، أو اولئك المُبشِّرِونَ المُكلَّفونَ بنقلِ البُشاراتِ الي عباد الله الصالحين، أو الملائكة المُتنزِّلونَ لنزعِ الخوف والحزَّنِ، ولبسطِ الأمن والطمأنينة، ولتثبيت الحق واليقين، تحقيقا لموعُودِ الله لأوليائه، الذين تتولاهُم الملائكة بأمر من الله في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.
حيث قال تعالي: ” إن الذين قالوا ربُنا الله ثم أستقاموا تتنزَّلُ عليهم الملائكةُ ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشِّروا بالجنةِ التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة” .
كما أنه بمثلما للوجود الصالح نفحات، فإن للوجود الطالح تبعات، تكثر تبعا لكثافة وجود هذا النوع “الشيطاني” علي الأرض.. فالأرض “تتشيطن” تلقائيا، كلما تكاثف عليها الوجود الشيطاني “الإنسي والجني”، كما أنها “تترحمن” بوجود الربانيين من اولياء الله، وبما يترتب علي وجودهم، من وجود مباشر لملائكة الرحمن علي تلك الأرض.
وبالتالي فإن الأرض التي لا زالت “تتشيطن” تحت أقدامنا، ولعدة عقود، لن تترحمن الا عندما نضع نحن أنفسنا “الرحمن” في قلوبنا، مع “الذين قالوا ربُنا الله، ثم أستقاموا”.
إن واجب اللحظة هو أن نزيحَ محطاتِ ومنصات تَنزُّلِ الشياطين عن أرضنا، من نوع “كل أفاك أثيم”.
وكذا فإن تفكيك محطات إستقبال هذا النوع من الشياطين المُتنزِّلينَ، وإيقاف رحلاتهم، وإغلاق صالات كبار زوارهم، يصبح هو من ثم ضرورة مرحلة علي الأقل.
-يتبع-