الخميس, سبتمبر 19, 2024
الرئيسيةمقالاتالجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب وداعا أيتھا الحرب (2)

الجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب وداعا أيتھا الحرب (2)

الجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب وداعا أيتھا الحرب (2)

وداعا أيتھا الحرب (2)

يبدو أن قدرا كبيرا قيد التشكل في طريقه لأن يرتسم الآن علي أرض السودان، قدر من شأنه أن يضع حدا لھذه الحرب العبثية اللعينة.
فالأقَدَّارُ بطبيعة حالها لا تصنعها الصُدف، إذ هي في الحقيقة أصدق تُرجمان لأقضية مكتوبة وموقوتة، أقضية تظلُ عالقة بلوح الأزل لا تتقدم أجلها الموقوت، ولا تتأخر عن ميقاتها المضروب.
لا يحول بينها والتنزُّل الي حيِّز الفعل، وعلي أرض الواقع، سوي حجاب واحد، دقيق وسميك، هو “حجاب الوقت”، إذ لكل أجل في النهاية كتاب.
أنظر كيف قال تعالى: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”.
إذ أن كل شيء في هذا الكون، الطويل العريض، قد خلق بقدر.
فالحركة والسكون كلها بقدر، قدر مقاليده بيد المدبر لكل فعل، والمهيمن علي كل شيء، صغر أو كبر هذا الشيء، دورا وأثرا وقيمة.
هو سبحانه عما يصفون، يرفع بقدر الحرارة درجات تكفي لتبخر الماء، وهو بقدر يجمع، ذرات ذات الماء في طبقات الجو العليا، يعرضها، لهواء بارد يكثفها، ليجريها سحابا ثقالا، ينزله صيبا نافعا، ليحيي به أرضا مواتا.
هي هكذا بذور اللقاح تحملها دائما رياح التغيير، في كل زمان، الي أي مكان، لكي تصنع التاريخ.
انظر لمجريات لطفه الخفي كيف تقع؟.. اذ لما اسبغ سبحانه وتعالي، عنايته علي يوسف عليه السلام، اضطر قافلة كاد يقتلها الظمأ في بيداء قاحلة جافة، للبحث عن مظان للماء، لتعثر القافلة علي بئر، تصبح هي ذات البئر التي رمي فيها إخوة يوسف اخاهم، لكي يخلو لهم وجه ابيهم كما ظنوا، ليتم له الخلاص من كيد من ارادوا التخلص منه، علي يد هؤلاء “السيارة” الذين اظمأهم طول المسير، وفق سيناريو مدهش إختطته يد القدر في لوح الأزل.
ثم في طور اخر من هذه القصة المثيرة، وجد عزيز مصر الذي حرم من الابناء، ضالته في ذات الصبي يوسف المعروض للبيع عبدا، ليتبناه من بعد ابنا.
فقد ربط سيناريو القدر ربطا محكما، بين يوسف والحاجة، حاجة الناس لشيء مفقود، هذه الحاجة التي اضحت كلمة السر تقريبا في قصة يوسف، من الفها الي يائها، فكلما احوج الله اناسا لشيء وجدوا ضالتهم عند يوسف أو فيه، والي أن حار الملك في تفسير رؤياه الغريبة التي لم يجد في النهاية بدا، من اخراج سجينه يوسف، لكي يفك طلاسمها المعقدة.
ثم أضحي احتياج مصر كلها للطعام، في وقت الجدب هو خيط السر الرفيع، الذي رفع به يوسف، بما اتاه الله من علم نادر، وميزات فريدة، ليصبح من بعد هو عين “صبي الجب المغدور”، و”العبد الممتهن المباع”، و”الحبيس ظلما بفرية إمرأة العزيز”، عزيزا لمصر ذاتها، وملكا عليها.
علي هذا المنوال، تجري سنن التغيير، في هذا الكون بين ظاهر وباطن، لتبدل الناس، من حال الي حال.
فلا يغرن قوم تسموا بالاسلام، ورفعوه شعارا، ثم توشحوه دثارا، بما ليد القدرة من سلطان علي كل شيء، وإن لم تره عين.
ولعل الواجب المباشر، علي هؤلاء القوم، في اللحظة الحاضرة، ادراك حقيقة ان عجلة التاريخ لا يمكن أن ترجع الي الخلف، اشباعا لشهوة محروم بفقد، أو أن تمضي الي الامام تلبية لهوي نفس، أو لشح مطاع، ومزاج فاسد.
فالسودان رغم بؤس حاله الماثل،الذي تحاصره فيه كوارث لا عَدَّ لھا ولا حصر، يأخذ بعضھا برقاب بعض، هو بلد ظل في ظني محل “حفظ وصون”، محاط بلطف عميم، ومحفوف بعناية لا تخفي، عناية ستخرجه لا محالة كالشعرة من عجين ما خَلَّطَ ھذا التحالف الشيطاني تخليطا، سيخرج بمثلما قد خرج يوسف من غيابت الجب، بيد من لم يروا فيه اكثر من كونه سلعة قابلة للبيع.
بل اتصور ان السودان الذي تجمر اليوم بسعير نيران ھذه الحرب، سيطالعه الناس طُرا والدنيا برمتھا، في كامل بھائه وزينته نجما ساطعا لامعا يتلالأ، كما خرج يوسف عليه السلام مرفوع الهامة، موفور الكرامة، من قيد واغلال سجن ظالم، بتهمة مفتراة، الي فضاء حرية، وبراءة سيرة، اعقبها ملك، وسبق، وعلو مكانة.
فالعالم الذي يتقولب ويتشكل تحت ناظرينا، سيكون له في السودان الجريح حاجة كبيرة، وأن هذه الحاجة نفسها، ستكون هي بوابته نحو غد زاھر، يخرجه من هذا الواقع المرير، الذي صنعه أبالسة دهاة ماكرين، خاب فألهم ومكرهم في استعادة عقارب الساعة الي الوراء، كما قد خاب مكر اخوة يوسف من قبل.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات