الجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب وما أشبه الليلة بالبارحة
غدا الخميس، ھو يَومٌ في مِثلهِ قبل نحو “24” عاما، من تاريخ يوم الغد (12/12)، فقد “الأخوان المسلمين” بالسودان، ما يقارب “50%” من قوتھم، بفقدانھم لعقلھم المدبر “حسن الترابي”، الذي أقصاه تلامذته عن السلطة التي عمل لھا بجد واخلاص منذ مصالحته مع النميري في العام (77)، ثم ھيأھا لھم لقمة سائغة علي طبق من ذھب، وفق خطة سرية أقر بھا لموثق قناة الجزيرة أحمد منصور في شھادته علي العصر، خطة أنتجھا ھو يقول عنھا: “اعددت مذكرة سرية في العام (75) للوصول الي السلطة، قدرت فيھا نحو عشرة الي عشرين سنة لبلوغ ما حدث في يونيو (89)”.
لكن الترابي قبل أن يتوفاه الأجل المحتوم اعترف بأن حركته التي أنفق جل عمره في بنائھا، قد أضحت كلھا الآن بائسة، مشيرا الي أنه عندما دانت السلطة للإسلاميين تسلطوا علي بعضھم البعض، ليضيف: “عندما دخلنا الي السلطة ما كنت أظن أن فتنة السلطة تبلغ بالمرء الذي درب وزكي عشرات السنين، أن يفسد.. لكنھم فسدوا في الأرض، وكنت أظنھم صحابة”.
وھو قول قال بمثله الدكتور محمد مختار الشنقيطي أستاذ الشئون الدولية بجامعة قطر بقوله: “الترابي ومريدوه استعجلوا الثمرة، فاقتطفوها مريرة المذاق، وأساءوا التصرف في المسؤولية التي تحمَّلوها افتئاتا على شعبهم، وهدموا تراث نصف قرن من تاريخ حركتهم، كان مفعما بالعمل الإستراتيجي والسياسي المبدع.
لقد انتهت تلك الفجوة بين الزاد النظري والممارسة العملية في حياة الترابي وفي مشروعه السياسي إلى مشهد حزين”.
ومضي الشنقيطي الي القول: “ثم استحالت الحركة الإسلامية إلى أداة قمع في يد سلطة عسكرية مستبدة، لا رؤية لها في وراء البقاء في السلطة والتشبث بالكرسي، فانتحر المشروع الإسلامي على أعتاب الحكم العسكري.
ثم انشق صف الحركة، وأنفصل رأسها عن جسدها، ففقدت الحركة -بفقدان الترابي- عقلا متألقا، ومخططا إستراتيجيا لا يُشق له غبار، وتحولت إلى فلسفة الحكم من أجل الحكم دون رؤية أخلاقية أو مشروع فكري”.
انفصال رأس الحركة عن جسدھا وفقدانھا لعقلھا المتألق، إعتبره الشنقيطي ضربا من “انتقام المباديء” لنفسھا.
بل أتصور أن “انتقام المباديء” لنفسھا من ھذه الحركة، وشيخھا، وتلامذته جيلا بعد جيل، لم يتوقف منذ أن بدأ في سنة (99)، والي يومنا ھذا من العام (24)، هذا اليوم الذي سيكتب فيما يبدو، آخر فصل من فصول “انتقام المباديء” وفقا للشنقيطي، أو “فتنة السلطة” علي من كان يظنهم الترابي صحابة.
فقد بدا وكأن المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني المحلول الذي يتزعمه ابراهيم محمود حامد، قد استيأس في اجتماعه الجمعة الماضي، من إحتمال أن تتراجع مجموعة كرتي عن قرار تنصيب أحمد هارون لرئاسة الحزب، “فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون”.
المهم كما يقال: لولا وجود الفتق، لما دارت الافلاك، من شدة الرتق.
أنه فتق ربما بدأ يتسع رويدا رويدا علي راتقين كثر، لتدور الافلاك أو الأقدار عبره نحو كتابة فصل أخير باسدال الستار عليه، سيري الناس رأي العين، نماذج لكيف يحيق المكر السيء بأهله، وصورا لكيف يمكن أن يرتد كل كيد شرير الي نحر ماكره الغرير، بما يفني ويبدد مخزون طاقة وقوة ھذه الحركة، التي ربما استشعر قبل نحو عامين تقريبا، علي عثمان محمد طه، مخاطر ھذه الحرب علي قوتھا، فاصدر فتواه الموسومة “بفقه ادخار القوة” تحسبا لما يمكن أن يؤول اليه مصيرھا لو أن نزيفھا البشري المتنامي بالحرب أو بغيرھا، قد تفاقم.
لكن ھيھات، فإن دروس التجربة الإخوانية في أقبية الظلام تقول: “أنا والغريب على ابن عمِّي.
وأنا وابن عمِّي على أَخي.
وأَنا وشيخي عليَّ”.
تري هل ينقلب ذات السحر علي ساحره “المدخر”؟، لكي تتحقق المقولة قبل الأخيرة من نبوءة الأستاذ محمود محمد طه: “سوف تنتھي بينھم”.
دعونا ننتظر.. فإن غدا لناظره قريب.