الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البحير”: حين يفقد هذا الجيش “قليل الأدب” أعصابه؟!
كلما فقد قادة الجيش أعصابهم، أمعنوا في قلة الأدب، وفي الإفلاس اللفظي المنحدر بهم، لا إراديًا، نحو قاع مشبع بالإيحاءات الجنسية.
هكذا جاء رد الفعل التلقائي على لسان القائد الأعلى للجيش، عبد الفتاح البرهان، بعبارة نابية يتذكرها الجميع، تعليقًا على لقاء قادة تحالف “تقدُّم” في أديس أبابا بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
ومن المفارقات أن البرهان نفسه عبّر عن إعجابه بقول فاحش، وصف به شيخٌ كبير من قرى الجزيرة قوات الدعم السريع بعد انسحابها من الولاية، ومنحه البرهان مكافأة تمثلت في فرصة مجانية لزيارة بيت الله، تعبيرًا عن هذا الإعجاب منقطع النظير!
ثم، أخيرًا وليس آخرًا، سقط نائبه الجنرال شمس الدين كباشي في المستنقع ذاته من الإسفاف، حين أطلق كلامًا بذيئًا، زاد عليه بإشارات حركية مبتذلة أكدت فحش ما تفوَّه به.
على أية حال، فإن سيرة هذا الجيش “قليل الأدب”، حتى في “جلالاته” التي يتغنى بها جنوده في الشوارع، لم تبدأ بالبرهان ونائبه، ولن تنتهي عندهما.
فقد كشف عراب كارثة “الإنقاذ”، الدكتور حسن الترابي، عن موقف مماثل نُقل إليه عن لسان القائد السابق للجيش، عمر البشير، حيث قال: “واحد كبير من لجنة التحقيق في جرائم دارفور، دون أن أسميه، قال لي: بعد أن أدّينا القسم، جلسنا هكذا مع من نؤدي القسم أمامه — وتعلمون من هو طبعًا — فقال لنا: يعني الغرباوية دي لو ركبها جعلي… دا شرف ولا اغتصاب؟”.
وأضاف الترابي: “قال لي عضو اللجنة: والله شعري كله قفز”.
كل ذلك يؤكد أن هذا الجيش يعاني من أزمة أخلاقية قديمة ومزمنة، استفحلت وتفاقمت حتى بلغت أسوأ مراحلها تحت هيمنة الحركة الإسلامية عليه لأكثر من ثلاثين عامًا.
إذ أن هذه الحركة نفسها، كما وصفها الكاتب الصحفي الشهير فتحي الضو، أثارت في ذهنه أسئلة حادة وعميقة، لخّصها في مقال معبّر حمل عنوانًا دالًا: “الأدب، وقلة الأدب… الأخلاق وعدمها”.
يتساءل فتحي الضو في مقاله:
“لماذا يشكل الإخوان المسلمون أغرب وأسوأ ظاهرة طرأت على الحياة السودانية وأورثتها شططًا؟
ولماذا هم فاسدون حتى النخاع، حين ينبغي أن يكونوا من الأطهار؟”
ويمضي الكاتب في إطلاق وابل من التساؤلات ذات الأهمية القصوى:
“أليس لهم عقول تعي أم أنها استُلبت؟
أليس لهم ضمائر حيّة أم أنها وُئدت؟
ألا يُبصرون، أم أن قلوبهم عَمِيت؟”
ثم يصل الضو إلى سؤال جوهري وعميق:
“لماذا يجد (الأخ المسلم) سعادته في خلق الفتن، وإشعال الحروب، وهواية سفك الدماء؟”.
ويخلص أخيرًا إلى أن حدسه قاده، ومنذ وقت مبكر، إلى أن الصراع الذي افتعله الإخوان في السودان ليس صراعًا سياسيًا، بل صراع أخلاقي في جوهره.
المهم — في نهاية المطاف — أن كل إناء بما فيه ينضح، ومن شابه أباه بالطبع ما ظلم.