الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البحير” (16): هنا، معركة بالعمق تجري داخل العقول (2)؟!
ليس وزير الخارجية البريطاني الأسبق، آرثر جيمس، صاحب “وعد بلفور” الشهير، وحده من أعطى شيئًا لا يملكه كمستعمر لمن لا يستحق.
فقد منحت إدارة الحكم الثنائي (البريطاني-المصري) نخبةً سياسية منتقاة، صنعتها على عينها، امتيازاتٍ وأفضلياتٍ مكّنتها من الحفاظ على ذات النهج الاستعماري في إدارة شؤون البلاد، من خلال نجاحها في الاحتفاظ بالطابع الاستعماري لأجهزة الدولة العسكرية والمدنية.
التي هي أجهزة صُمّمت على أن تكون سيدة على مواطنيها، لا خادمةً لهم.
أجهزة انبنت على أن تكون ندًا للشعب، لا جزءًا منه.
انظر إلى شعار الانقلابيين المخادع، الذي انزلق بخبث إلى أفواه عامة الناس: “جيش واحد، شعب واحد”، إنه شعار يساوي كتف الجيش بكتف الشعب، الأعلى قامة بالطبع، والأسمى مقامًا!
شعار نشأ – في ظني – ليُعزز ويُشبع شعور العسكر الزائف بأنهم صنو للشعب، الذي هو – في كل قوانين الدنيا وأعرافها – مصدر السلطات والشرعية الوحيد، بل وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل أمر، بما في ذلك أمر هذا الجيش نفسه.
لكن هذا الجيش الاستعماري لا يزال قادته، حتى يومنا هذا، يتصوّرون أنهم فوق الشعب، بل أوصياء عليه.
ولعل أنصع مثال على هذا التصور، ما قاله الجنرال ياسر العطا:
“لو أن (48) مليون سوداني صوتوا في انتخابات لاختيار من يمثلهم، ورأيت (أنا) أن من تم انتخابه عميل وخائن، سأقوم بالانقلاب عليه”.
أو قوله الآخر:
“إن القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، سيظل رأسًا للدولة بكامل صلاحياته السيادية، ليس خلال الفترة الانتقالية فقط، بل إن وجوده في هذا الموقع سيمتد لما بعد أربع أو خمس دورات انتخابية قادمة”.
هي أقوالٌ ترجمها جنرال متقاعد، صعد إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، هو عبد الله خليل، إلى أفعال، تُعبّر عن ذات عقلية ياسر العطا.
فقد قام عبد الله خليل، يوم أن بدا أن البرلمان سيسحب الثقة من حكومته المنتخبة، بتسليم السلطة “صُرّة في خيط” إلى قائد الجيش الفريق إبراهيم عبود، مفضلًا الحكم العسكري على الرضوخ لأحكام الديمقراطية وآلياتها.
على أية حال، فإن من يزرع شوكًا، لا يجني عنبًا، بل سيحصد – لا محالة – مثل هذه الجراح.