الثلاثاء, ديسمبر 16, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالرياض تقود إعادة رسم مسار الأزمة السودانية مهلة أسبوع للبرهان واقتراب الرباعية...

الرياض تقود إعادة رسم مسار الأزمة السودانية مهلة أسبوع للبرهان واقتراب الرباعية الدولية من خيار الانتقال المدني

تقدير موقف، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقديم: تشير التطورات السياسية والدبلوماسية الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض إلى تحوّل نوعي في مقاربة المملكة العربية السعودية للأزمة السودانية، من دور الوسيط الساعي إلى إدارة تداعيات الحرب، إلى دور الفاعل الإقليمي المحوري في صياغة تسوية سياسية شاملة. ويأتي هذا التحول في إطار تنسيق متزايد بين أطراف الرباعية الدولية التي تضم السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة، وفي ظل قناعة إقليمية ودولية متنامية بفشل الرهان على الحسم العسكري، وبضرورة الانتقال إلى ترتيبات مدنية انتقالية تستبعد أطراف القتال من إدارة المرحلة المقبلة.
السعودية كمنصة إقليمية لصياغة الحل:
تكتسب زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى الرياض دلالة سياسية خاصة، سواء من حيث توقيتها أو من حيث طبيعة الدعوة وترتيباتها. فقد جاءت الزيارة بدعوة رسمية من الحكومة السعودية، نقلها نائب وزير الخارجية خلال زيارة غير معلنة إلى بورتسودان قبل أيام، ما يعكس مستوى متقدمًا من الجدية والاستعجال في التعاطي مع الملف السوداني. كما تزامنت الزيارة مع وجود كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، في العاصمة السعودية، وهو ما منح اللقاء بعدًا دوليًا واضحًا يتجاوز الإطار الثنائي.
وبحسب المصادر المطلعة المرافقة للفريق البرهان، فقد حضر اللقاء بين البرهان والأمير سلمان قيادات تنفيذية وأمنية وعسكرية من الجانبين السعودي والسوداني، إلى جانب الحضور الأميركي، يشير إلى أن النقاش انصب بصورة أساسية على الحرب في السودان وتداعياتها الأمنية الإقليمية، وعلى سبل الانتقال من حالة الصراع المفتوح إلى مسار سياسي منضبط. كما أن اقتصار اللقاء على ملف تطورات الحرب وجهود تحقيق الأمن والسلام، دون التطرق إلى ملفات أخرى، يؤكد أن الرياض باتت تتعامل مع السودان بوصفه ملفًا أمنيًا–سياسيًا ذا أولوية استراتيجية.


مقترح الرباعية ودور السعودية في طرحه:
وفق المعطيات المتاحة، طُرح على رئيس مجلس السيادة الانتقالي مقترح متكامل منبثق عن رؤية الرباعية الدولية، يقوم على وقف شامل لإطلاق النار، يعقبه تسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية مؤقتة، مع الشروع في إعادة بناء المؤسسة العسكرية في إطار جيش وطني موحد. ويرتبط هذا المسار السياسي بحزمة التزامات إقليمية ودولية، تقودها المملكة العربية السعودية، تشمل دعم مشاريع إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي في مرحلة ما بعد الحرب.
في هذا السياق، أفادت مصادر مطلعة أن ولي العهد السعودي نقل هذه المقترحات بصيغة مباشرة، محددًا إطارًا زمنيًا واضحًا للتعامل معها. وطبقًا للمصادر نفسها، طلب البرهان مهلة لا تتجاوز أسبوعًا للرد على المقترحات، مبررًا ذلك بالحاجة إلى إجراء مشاورات داخلية تتعلق بإعادة ترتيب وضعه السياسي والعسكري داخل المؤسسة العسكرية ومع القوى المتحالفة معه. وتعكس هذه المهلة القصيرة حجم الضغط الإقليمي والدولي المتزايد، كما تشير إلى أن الرياض باتت تعتمد مقاربة زمنية ضاغطة تقلّص هامش المناورة السياسية.
التقاطع السعودي–الأميركي:
يكتسب تزامن زيارة البرهان مع وجود مسعد بولس في الرياض دلالة سياسية إضافية، خاصة في ضوء تصريحات المسؤول الأميركي السابقة التي دعت صراحة إلى استبعاد طرفي القتال من المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة. ويتقاطع هذا الطرح بصورة واضحة مع جوهر المقترح الذي نوقش في الرياض، ما يعزز القراءة القائلة بأن المملكة باتت تمثل المنصة الإقليمية الأساسية لتنفيذ الرؤية الأميركية تجاه السودان. كما يعكس هذا التقاطع تطور منبر جدة من إطار تفاوضي يركز على وقف إطلاق النار، إلى منصة سياسية أوسع لإدارة عملية الانتقال.
الموقف المصري: مؤشرات إعادة تموضع:
في موازاة هذا الحراك، تبرز مؤشرات على بداية تحرك وتغيير محسوب في الموقف المصري تجاه الأزمة السودانية. فقد أكد الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان أهمية مواصلة التنسيق في إطار الآلية الرباعية للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ويتقاطع هذا الموقف مع تصريحات صادرة عن دوائر التفكير الاستراتيجي المصرية، من بينها تصريحات الدكتورة أماني الطويل المقربة من صناع القرار المصري، التي تعكس انفتاحًا متزايدًا على المسار المدني، وقبولًا تدريجيًا بفكرة أن المرحلة الانتقالية قد تتطلب واجهة مدنية غير منخرطة في الصراع العسكري. ورغم أن القاهرة لم تعلن تحولًا رسميًا في سياساتها، إلا أن هذه المؤشرات توحي بإعادة تموضع تدريجية في مقاربتها للأزمة.
التقدير:
تشير التقديرات إلى أن استجابة قائد الجيش السوداني للمقترحات المطروحة ستكون على الأرجح استجابة مشروطة، يسعى من خلالها إلى كسب الوقت لإعادة ترتيب وضعه الداخلي وتحسين موقعه التفاوضي وربما الميداني. وفي المقابل، يُتوقع أن يلجأ الدعم السريع إلى تصعيد عملياته العسكرية في مناطق مثل الأبيض وكادوقلي، في محاولة للضغط على معسكر بورتسودان وفرض شروطه من موقع القوة على أي ترتيبات سياسية قد تؤدي إلى استبعاده من المرحلة الانتقالية.
الخلاصة:
**تدل مجمل المعطيات على أن المملكة العربية السعودية باتت تقود، بدعم أميركي وتنسيق متزايد مع مصر والإمارات، عملية إعادة صياغة مقاربة الرباعية الدولية تجاه الأزمة السودانية. ويظهر أن أطراف الرباعية تقترب من تصور مشترك يقوم على استبعاد أطراف الحرب من إدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة مدنية مؤقتة تتولى إدارة الدولة وتهيئة الأرضية لإعادة البناء.
**رغم أن هذا التحول لم يُعلن رسميًا بعد، إلا أن منح البرهان مهلة زمنية قصيرة للرد على مقترحات الرياض يعكس جدية المرحلة وضيق هامش المناورة، ويشير إلى أن السودان يقف أمام لحظة سياسية مفصلية قد تحدد مآلات الحرب ومسار الدولة في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات