الثلاثاء, يوليو 1, 2025
الرئيسيةمقالاتالسفير/ عادل إبراهيم مصطفي يكتب: لجنة البرهان للتحقيق في استخدام " اسلحة...

السفير/ عادل إبراهيم مصطفي يكتب: لجنة البرهان للتحقيق في استخدام ” اسلحة كيميائية” محاولة لتجنب العقوبات

السفير/ عادل إبراهيم مصطفي يكتب: لجنة البرهان للتحقيق في استخدام ” اسلحة كيميائية” محاولة لتجنب العقوبات

في خطوة أثارت موجة من التساؤلات والشكوك، أعلن المجلس السيادي الانتقالي بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، يوم 28 مايو 2025، تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في الاتهامات الموجهة إلى الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية – وتحديدًا غاز الكلور – ضد قوات الدعم السريع. هذه الاتهامات، التي أبرزتها تقارير دولية، في مقدمتها تحقيق استقصائي لصحيفة نيويورك تايمز، تمثل واحدة من أخطر الانتهاكات التي تواجهها السلطة الانقلابية منذ اندلاع الحرب في السودان بتاريخ 15 أبريل 2023.

لكن بدل أن تساهم هذه الخطوة في تبديد المخاوف، اعتبرها العديد من المراقبين محاولة مكشوفة لتخفيف الضغوط الدولية المتزايدة، لا سيما بعد إعلان واشنطن فرض حزمة جديدة من العقوبات على كيانات وشخصيات عسكرية سودانية قبل أيام فقط من إعلان اللجنة.

تتكون اللجنة من ممثلين لوزارات الدفاع والخارجية وجهاز المخابرات العامة، وهي جهات تدين بالولاء الكامل للسلطة الانقلابية، ما يُفقد اللجنة الحد الأدنى من الاستقلالية المطلوبة. فكيف يعقل أن تكون الأطراف المتهمة أو المتورطة في الجريمة، هي ذاتها من تتولى التحقيق في حيثياتها؟ التركيبة وحدها تُبرز خللاً فادحًا في مبدأ العدالة والمساءلة، وتجعل اللجنة أقرب إلى أداة داخلية لـ”تحصين الذات” وليس لتمحيص الحقيقة.

الأمر لا يتوقف عند بنية اللجنة فحسب، بل يمتد إلى توقيت إعلانها، الذي جاء مباشرة عقب العقوبات الأمريكية الجديدة، ما يعطي الانطباع بأنها خطوة تكتيكية لامتصاص الغضب الدولي، وتقديم واجهة زائفة للشفافية. واللافت أن السلطة الانقلابية درجت على استخدام “لجان التحقيق” كسلاح سياسي لاحتواء الأزمات، دون أن تثمر عن أي محاسبة حقيقية. لذا، فإن هذه اللجنة الجديدة تُقرأ بوصفها استمرارًا لهذا النهج، وليست استثناءً منه.

الأخطر من ذلك، أن تقارير دولية وصحفيين موثوقين ألمحوا إلى احتمال علم الجنرال البرهان المسبق باستخدام المواد الكيميائية أو تغاضيه عنها، ما يضعه في دائرة الشبهة المباشرة. وبناءً على ذلك، فإن تفويض لجنة تابعة له بالتحقيق في هذه الجريمة يُعد ضربًا من العبث، لأن من تقع عليه الشبهة لا يجوز أن يكون الحكم والفيصل.

والجدير بالذكر أن ما يواجهه السودان هنا ليس مجرد اتهام جنائي عابر، بل شبهة ارتكاب جريمة محظورة دوليًا بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الدولي لحظر الأسلحة الكيميائية، وهي جرائم تتطلب تحقيقًا دوليًا شفافًا ومحايدًا، كما أثبتت تجارب دولية في رواندا وسوريا وغيرها.

ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل لجنة داخلية تفتقر للاستقلالية لا يرقى إلى مستوى خطورة الاتهام، بل يعكس استمرار الاستخفاف بمبدأ العدالة. والمطلوب اليوم ليس انتظار نتائج لجنة محسومة النتيجة سلفًا، بل التحرك الجاد نحو تحقيق دولي شامل، بإشراف الأمم المتحدة أو منظمات متخصصة كمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو المحكمة الجنائية الدولية.

ختامًا، يمكن القول إن لجنة البرهان ليست سوى محاولة جديدة للهروب إلى الأمام، ومناورة سياسية مكشوفة تحت ضغط العقوبات. إنها لن تنقذ النظام من العزلة، ولن تُقنع ضحايا الحرب بعدالة لا وجود لها، ولن تُوقف المطالب المتصاعدة بالمحاسبة. بل على العكس، قد تكون هذه اللجنة بدايةً لموجة جديدة من الضغط القانوني والدولي الحقيقي، إن أصر النظام على الاستمرار في تسويق الوهم على أنه عدالة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات