الثلاثاء, ديسمبر 23, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالسلام أم التقسيم: الحرب المؤجلة.. كيانات هشة بدل دولة واحدة؟

السلام أم التقسيم: الحرب المؤجلة.. كيانات هشة بدل دولة واحدة؟

تقرير:حسين سعد

أطلق خبراء ومختصون ومراقبون من خطورة إدراج خيارات تقسيم السودان ضمن أي مساعٍ لوقف الحرب، مؤكدين أن طرح الانفصال بوصفه مخرجًا للأزمة لا يمثل حلًا حقيقيًا، بل يفتح الباب واسعًا أمام تجارب حُكم فاشلة تعيد إنتاج ذات الأزمات بأشكال أكثر عنفًا وتعقيدًا، وتشير التحذيرات إلى أن التقسيم سيقود إلى نشوء كيانات هشة تسيطر عليها نخب محدودة، تمارس اللصوصية المنظمة وتحتكر السلطة والثروة، وتعمل على تدمير ما تبقى من المشروعات الوطنية والبنية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي سينتهي، عاجلًا أو آجلًا، بانهيار كامل للدولة ومؤسساتها، ويأتي ذلك في ظل تزايد المخاوف داخل المشهد العام من وجود نوايا لمقايضة السلام والاستقرار بخيارات الانفصال، ضمن تسوية سياسية للحرب الدائرة في السودان لما يقارب ثلاث سنوات، وهي تسوية يُخشى أن تُفرض من خارج الإرادة الشعبية، وتتجاهل جذور الأزمة الحقيقية المتمثلة في فشل بناء الدولة الوطنية العادلة، وغياب الحكم الرشيد، وانتشار اقتصاد الحرب، ومع تصاعد وتيرة التحركات والإجراءات الرامية إلى تفتيت السودان جغرافيًا وسياسيًا، يُلاحظ في المقابل تراجع وانخفاض الأصوات الداعمة للوحدة الوطنية، في وقت تتطلب فيه المرحلة أعلى درجات الوعي والمسؤولية التاريخية، وأكدوا  في ختام الجلسة الحوارية العاشرة التي ينفذها المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام يوم السبت 20ديسمبر 2025م ضمن مشروع السلام والشباب تحت عنوان (السلام الدائم بين خياري الوحدة والتقسيم)  بمشاركة عدد من الخبراء والصحفيين والمهتمين الذين ناقشوا في الجلسة الحوارية  المحاور التالية:جذور التفكك وبنية الدولة-السلاح وإحتكار العنف -إقتصاد الحرب والموارد -العامل الاقليمي والدولي -الوحدة واللامركزية -المنصة السياسية والعدالة؟ حيث ترأست الجلسة الحوارية الدكتورة هنادي المك التي رحبت بالحضور ومن ثم إستعرضت محاور الجلسة التي أشرنا لها أعلاه ، ثم قدمت عضو مجلس إدارة المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، والمدير التنفيذي للمرصد السوداني للشفافية والدراسات، الدكتور سليمان بلدو الذي إبتدر النقاش في كل محور قبل ان يفتح الباب لمداخلات الحضور، أكدوا محذّرون أن إنقاذ السودان لا يكون بتقسيمه، بل بإعادة تأسيسه على أسس المواطنة المتساوية، والعدالة، والمساءلة، وبناء دولة واحدة قادرة على احتكار العنف المشروع وحماية مواردها ومشروعاتها الوطنية من النهب والإنهيار.

دكتور سليمان بلدو : تحالف السودان التأسيسي لا يطرح أي مطالب انفصال لكنه يتبنى مفستو الحركة الشعبية (الحلو)

السلام أم التقسيم

وقال الدكتور سليمان بلدو خلال كلمة بالجلسة الحوارية للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أن تحالف السودان التأسيسي لا يطرح أي مطالب انفصال، لكنه يتبنى مفستو الحركة الشعبية – شمال، قيادة عبد العزيز الحلو، الذي يطرح علمانية الدولة وحرية الدين والمعتقد في كل ربوع البلاد، وهو مشروع يعارضه الجيش وحلفاؤه خاصة الحركة الإسلامية، مما دفعه إلى وضع شروط تعجيزية للتفاوض، مثل انسحاب قوات الدعم السريع من جميع مناطق سيطرتها والتجمع في معسكرات وهي شروط طرف منتصر، وشدد أن حكومة تأسيس تكتسب شرعيتها من مدى قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية وحماية المواطنين، وهو أمر يتطلب موارد لا تتوفر لها، فالدعم السريع يعتمد في موارده على النهب والجبايات في الطرق وغيرها، وهذا يوفر ثراء للقادة العسكريين، ولا تستفيد منه الحكومة، لافتاً إلى أنه حال مضت حكومة تأسيس في طريق عمل ميزانية للدولة وعمل نقاط ضرائب وجمارك، تكون قد مضت فعلياً في طريق الانفصال، حتى إن لم يكن ضمن خيارات التحالف، وأشار إلى أن الدول الحليفة لقوات الدعم السريع في المحيط الأفريقي لن تمضي في طريق الاعتراف الدبلوماسي بحكومة تأسيس، لكنها ستفتح لها نوافذ صادرات لمنتجاتها، بما يساعدها على الحصول على الموارد.

 تفتيت الدولة أم إنقاذها

وحذر بلدو  بقوله : لا يمكن الوصول إلى سودان مستقر، في ظل انتشار السلاح، وإعادة هيكلة الجيش، لافتاً إلى أنه لا يرى أي بوادر لتحقيق السلام والاستقرار في الوقت الراهن، بينما تمضي الرباعية والولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه الوصول إلى هدنة إنسانية، وهو هدف تشدد عليه واشنطن، وقد تلوي ذراع حلفائها الإقليميين في سبيل ذلك، لكن ليس لها أي خطة لما بعد الهدنة، وستترك المسار السياسي للقوى السودانية، وأشار سليمان الي وجود شبكات مصالح في بورتسودان، تعمل في الدقيق والوقود، تعرقل وقف الحرب، وهي شبكات متوارثة من حكم الرئيس السابق عمر البشير، لافتاً إلى أن التقاطعات الدولية والإقليمية الداعمة للأطراف تعيق كذلك جهود وقف القتال، حيث تردد قيام السعودية بتمويل صفقة سلاح من باكستان لصالح الجيش السوداني، مما يعكس تبديل موقفها بالانحياز الصريح للجيش.

تسويات الحرب ومخاطر الانفصال

من جهته، قال شوقي يعقوب آدم، من المركز الأفريقي لدراسات العدالة السلام، إن الصراع على الموارد بين القوى الإقليمية والمحلية قاد إلى اندلاع الحرب في السودان، حيث بدأت المؤشرات ذلك بمحاولة الإمارات تأسيس ميناء على سواحل البحر الأحمر في بورتسودان، وبعدها تدخل الروس في قطاع الذهب في البلاد، وشدد أنه بعد الحرب نشأت مجموعات طفيلية لها مصالح في استمرار الحرب وعدم إيقافها، فبعضها يتكسب من توريد السلاح والطائرات المسيرة، فما لم يحل الصراع الاقتصادي، لن يتوقف القتال، وفي المقابل قال الصحفي خالد أحمد إن الأطراف الإقليمية قد تمضي في اتجاه التدخل المباشر في حرب السودان، خاصة بعد التصريحات المصرية الأخيرة التي لوحت فيها بالتدخل ضمن اتفاقية الدفاع المشترك، حال تم تجاوز ما وصفته بالخطوط الحمراء، وهو مؤشر خطير قد يجعل البلاد ساحة لمواجهة في ظل ما أسماه سياسة البلطجة التي تقوده الدول الكبرى، لا سيما إدارة الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة،وشدد على صعوبة تحقيق وقف إطلاق النار في ظل انتشار السلاح، والمليشيات حيث يسعى الجيش تاريخياً إلى تسليح المجموعات القبلية، لتعويض عجز المشاة، فهذه المليشيات ستعصف بأي جهود لوقف إطلاق النار.

الخاتمة:

(من المحرر) إن السلام الدائم في السودان لا اتفاقًا نخبويًا، بل مشروع إعادة تأسيس شامل للدولة والمجتمع،  وبين خياري الوحدة والتقسيم، يظل مستقبل السودان مرهونًا بالقدرة على تفكيك بنية الحرب، وإستعادة السياسة من فوهة البندقية، وبناء دولة تقوم على العدالة، والمواطنة، واللامركزية، واحتكار العنف المشروع لصالح المجتمع لا ضده، فالسلام الحقيقي لا يولد من رحم الصفقات، بل من تحول جذري في شكل الدولة وعلاقتها بمواطنيه؟؟

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات