الأحد, ديسمبر 21, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالسودان بين إنهاء الحرب واحتواء التمدد الإرهابي: مقاربة مدنية

السودان بين إنهاء الحرب واحتواء التمدد الإرهابي: مقاربة مدنية

وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات

تقديم: تزايد النشاط الدولي والإقليمي الرامي إلى إنهاء الحرب في السودان خلال عام 2025 في سياق يتجاوز البعد الإنساني والسياسي الداخلي، ليعكس مخاوف استراتيجية متنامية من تحوّل السودان إلى فراغ أمني إقليمي قابل للاختراق من قبل قوى متطرفة وإرهابية تنشط في شرق أفريقيا ودول الساحل.

تشير التقديرات الأمنية الإقليمية والدولية إلى أن استمرار الحرب، وتفكك مؤسسات الدولة، واتساع اقتصاد السلاح والتهريب، يخلق بيئة مواتية لتمدد:

شبكات مرتبطة بـ حزب الله وايران تسعى إلى توسيع حضورها اللوجستي والمالي في أفريقيا،

خلايا وتنظيمات من القاعدة وداعش تعمل على ربط مسارح عملياتها في الساحل وشرق أفريقيا عبر ممرات جديدة للسلاح والمقاتلين.

ويُنظر إلى السودان، بحكم موقعه الجغرافي، بوصفه حلقة وصل حرجة بين القرن الأفريقي، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، ما يجعل استمرار الحرب تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي والدولي، وليس شأناً داخلياً محضاً.

في هذا الإطار، جاءت خارطة الطريق الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) الصادرة في 12 سبتمبر 2025، والتي أكدت عدم وجود حل عسكري للنزاع، وطرحت مساراً يقوم على هدنة إنسانية، يليها وقف دائم لإطلاق النار، ثم عملية انتقالية تقود إلى حكم مدني., وواكب هذا التحرك الدولي تطور داخلي بالغ الأهمية، تمثل في توقيع طيف واسع من القوى السياسية والمدنية والمهنية ولجان المقاومة على:

+ إعلان المبادئ السوداني: بناء وطن جديد، الذي منح هذا المسار الدولي بعدا وطنيا وأعاد التأكيد على خيار الدولة المدنية.

  × مذكرة تدعو لتصنيف المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية كمنظومة إرهابية، استناداً إلى دورها – وفق الموقعين – في إشعال وإطالة أمد الحرب وفتح المجال أمام تداخل الأيديولوجيا المتطرفة مع الصراع المسلح.

يمثل هذا التلاقي بين الدافع الأمني الدولي والتوافق المدني الوطني فرصة نادرة لإعادة صياغة مسار إنهاء الحرب بوصفه جزءاً من استراتيجية احتواء للتطرف وحماية الاستقرار الإقليمي.

ثانياً: الإطار التحليلي:

السودان كعقدة أمنية إقليمية:

لم تعد الحرب في السودان تُقارب باعتبارها صراعاً داخلياً بين قوتين عسكريتين، بل بوصفها:

1 عاملاً مفاقم لعدم الاستقرار في شرق أفريقيا والساحل.

2 مولّداً لاقتصاد حرب عابر للحدود (سلاح، تهريب، تجنيد) .

3 وبوابة محتملة لاختراقات إرهابية ذات طابع عابر للدول.

وعليه، فإن الإصرار الدولي على إنهاء الحرب يعكس إدراكاً بأن استمرار الصراع سيحوّل السودان إلى منصة تهديد إقليمي يصعب احتواؤها لاحقاً.

استبعاد قوى الحرب الأيديولوجية كأداة وقائية:

في هذا السياق، لا يُفهم استبعاد منظومة المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية والشبكات المرتبطة بها بوصفه إجراءً إقصائياً، بل كجزء من مقاربة وقائية تهدف إلى:

منع إعادة إنتاج تحالفات بين بقايا النظام البائد وشبكات متطرفة.

قطع الصلة بين الأيديولوجيا العقائدية والعنف المسلح.

حماية أي عملية انتقالية من الاختراق أو الانقلاب عليها.

وتسعى مذكرة التصنيف إلى نقل المواجهة من منطق الصراع السياسي المفتوح إلى منطق المساءلة القانونية والأمنية.

التحول السياسي المشروط للقوى المسلحة ودور الدعم السريع:

في ضوء المعطيات الإقليمية والدولية، بات واضحاً أن إنهاء الحرب في السودان يتطلب إعادة هندسة العلاقة بين السلاح والسياسة بما يمنع إعادة إنتاج العنف أو تحوّل البلاد إلى منصة تهديد عابر للحدود.

ضمن هذه المعادلة، يحتل الدعم السريع موقعاً محورياً لا يمكن تجاوزه. وتنظر إليه الأطراف الإقليمية والدولية من زاوية مزدوجة:

مخاطرة محتملة، بوصفه قوة مسلحة كبيرة خارج الجيش النظامي،

وفرصة احتواء مشروط إذا ما جرى دفعه نحو تحول سياسي تدريجي يفصل بين السلاح والسياسة.

وعليه، فإن طرح تشكيل ذراع سياسي للدعم السريع لا يُقصد به إدماجه في العملية الانتقالية المدنية، ولا منحه شرعية سياسية مباشرة، بل استخدامه كأداة تفكيك تدريجي لعسكرة المجال العام، ومنع انجراف القوة العسكرية نحو اقتصاد الحرب أو تحالفات متطرفة.

توسيع القاعدة السياسية شرط الاستمرار:

       إن أي انتقال جاد للدعم السريع إلى الفعل السياسي لا يمكن أن يُبنى على منطق التعبئة العسكرية أو أنماط الولاء التي تصلح للحرب ولا تصلح للسياسة. فقد أثبتت التجربة أن الاعتماد الحصري على البعد الإثني أو الجهوي، رغم ما يوفّره من تماسك داخلي سريع، لا يشكّل أساساً صالحاً لتأسيس مشروع سياسي مستدام، ولا ينتج شرعية وطنية عابرة للانتماءات الضيقة.

إن مصلحة الدعم السريع ذاته تقتضي أن يكون استمراره السياسي مشروطاً بانفتاح منظم وحقيقي على القوى السياسية والمدنية، بوصفها شركاء في بناء البرامج والهياكل والقيادات، لا مجرد واجهات أو أدوات ظرفية. فالعمل السياسي تحكمه قواعد مختلفة، تقوم على البرامج والتحالفات والتوازنات الوطنية، لا على العصبية أو القرب الشخصي.

توسيع القاعدة السياسية عبر إشراك قوى ذات امتداد وشرعية مدنية يحقق مكاسب مباشرة للدعم السريع، من بينها:

تخفيف العزلة والضغوط الإقليمية والدولية،

نقل التنافس مع الخصوم من ساحة السلاح إلى ساحة السياسة الأقل كلفة،

وتوسيع هامش المناورة في أي ترتيبات مستقبلية بدل الارتهان لدوائر اجتماعية محدودة ثبت فشلها في إنتاج قبول وطني شامل.

توسيع المشاركة في القرار السياسي لا يضعف القيادة، بل يحميها، عبر توزيع المسؤولية داخل أطر مؤسسية شفافة وقابلة للمساءلة، ويحول دون تحميل أشخاص بعينهم كلفة قرارات سياسية معقدة. فالمؤسسة السياسية القابلة للحياة هي التي تبقى مع تغيّر الظروف والوجوه، لا تلك المرتبطة بولاءات ضيقة.

الخلاصات:

       إنهاء الحرب في السودان بات ضرورة أمنية إقليمية ودولية بقدر ما هو استحقاق وطني.

       خارطة الطريق الرباعية تمثل إطاراً وقائياً لاحتواء مخاطر التمدد الإرهابي في شرق أفريقيا والساحل.

       التوافق المدني الواسع يمنح هذا المسار شرعية داخلية ويمنع اختزاله في صفقة بين قوى مسلحة.

       استبعاد منظومات الحرب الأيديولوجية ينسجم مع استراتيجية مكافحة التطرف لا مع الإقصاء السياسي.

       التحول السياسي المشروط للقوى المسلحة، وعلى رأسها الدعم السريع، يمثل أداة احتواء وبناء استقرار لا مكافأة على الحرب.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات