الصادق علي حسن يكتب :أخطاء بليكن وبيرييلو (٤) .
بقلم : الصادق علي حسن.
البدائل حول مأساة السودان القائمة
أخطاء بليكن
لا توجد جهة معتبرة اهتمت بوقف الحرب الدائرة في السودان منذ نشوبها والتحذير من خطورة مآلاتها وتحولها إلى حرب أهلية مدمرة مثل الكونغرس الأمريكي، لقد سعى الكونغرس الأمريكي منذ فترة مبكرة من اندلاع الحرب لدفع الرئيس جو بايدن من أجل تفعيل جهود وقف الحرب في السودان بتعيين مبعوث خاص بالرئيس الأمريكي للسودان ليدفع بجهود وقف الحرب وإظهار الاهتمام المناسب بالوضع المتدهور ، وبمثلما سعى المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين على السواء داخل مجلسي النواب والشيوخ لوقف الحرب في السودان قبل أن تتحول إلى مشروع إبادة وكارثة إنسانية كبرى، أجتهدت النائبة سارة جاكوبس عضوة الكونغرس لإصدار قانون يحظر بيع الأسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة ولإصدار العقوبات والتدابير اللازمة تجاه الذين يقومون بدعم الحرب في السودان، عضوة الكونغرس سارة جاكوبس ظلت مهمومة ومجتهدة في محاولاتها الدؤوبة داخل الكونغرس في الوقت الذي لم تصدر عن قيادات القوى السياسية والمدنية السودانية أي مواقف معتبرة تجاه تعزيز جهود جاكوبس لإيقاف الحرب وحظر تصدير السلاح وفرض العقوبات على الجهات المعنية ، ليس لأن الأمر ما كان يعنيها في شيئ ، ولكن لغالبية القوى السياسية والمدنية السودانية تقديراتها و حساباتها. لقد تم تدمير البلاد وتشريد سكانها والحرب شاملة تدورعلى رؤوس المدنيين والأسر يوميا فارة من الحرب بلا دليل او حتى القليل من المال ملتمسة الأمان والسلامة للعجزة والمرضى والأطفال ، وقيادات القوى السياسية والمدنية مكتفية بالتصريحات وهنالك من تتحدث بأنها محايدة كما هنالك منها من ظلت تعيب على المجتمع الدولي التقصير وهي لا تدرك بأن المجتمع الدولي عبارة عن مصطلح فضاض يعبر عن مصالح شركاء دوليين قد تتقاطع مصالحهم أو تتعارض في المنابر الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بجنيف وليست هنالك جهة محددة أو منظمة معينة تسمى بالمجتمع الدولي فالمجتمع الدولي يمكن أن يكون هو العالم بأسره ، إن بعض قيادات القوى السياسية السودانية لا زالت توجه النقد للولايات المتحدة لعدم تدخلها ولكنها لا تسأل ذاتها كيف تتدخل الولايات المتحدة في الحالة السودانية وبأي وسيلة خلاف الوسائل الدبلوماسية ونظمها ، كما وما الذي يدفعها للتدخل بالكيفية التي تتحدث بها بعض القوى لتتحمل دوليا تبعات مثل هذا التدخل ولا يوجد تفويض من مجلس الأمن الدولي ، هنالك من القوى السودانية من ترفض مبدأ التدخل الأمريكي بصورة قاطعة وتعتبر أن الولايات المتحدة هي المسؤولة في كل الأحوال بمنطق نظرية المؤامرة، وهي لا تبحث في الموقف الأمريكي بصورة موضوعية ، فلولا الجهود الأمريكية المبذولة بالرغم ما بها من قصور وأخطاء لساءت الأوضاع بالبلاد لدرجة أسوأ بكثير مما عليها الآن ، لقد ظلت غالبية تصورات قيادات القوى السياسية السودانية مبنية على المواقف السياسية الموروثة والمتمحورة في التجارب الثلاث الراسمالية أو الاشتراكية أو الاسلامية وبحسب مرجعيتها تنظر للجهود الأمريكية وليست بصورة موضوعية أو وأقعية ، إن دولة الإمارات العربية المتحدة تدعم الحرب في السودان وترعى مصالحها بصورة مستقلة عن الولايات المتحدة كما وتوظف قدراتها المالية المتراكمة وقربها من إسرائيل في التمدد والقيام بأعمال وأنشطة خارج أسوارها بمثلما يحدث حاليا في السودان ، دولتي روسيا والصين تنظران إلى السودان من وأقع منظور رعاية مصالحهما الذاتية فإذا كانت الحرب لا تتعارض مع أهدافهما المنظورة وغير المنظورة في السودان فلماذا وقفها والحروب هي أماكن أسواق السلاح التي تنتجها الدول وفرص للحصول على التسهيلات والمزايا العسكرية بأقل كلفة وتبعات دبلوماسية ، وفي ظل الحرب الدائرة بالسودان يُعرض الرجل الثالث في قيادة الدولة الفريق أول ياسر العطا علنا بأن بلاده مستعدة لمنح قواعد عسكرية لروسيا والصين ولكل دولة مقتدرة ومستعدة للتعاون وهذه المنح الاستراتيجية المبذولة من جانب ياسر العطا لن تتوفر في أي ظروف إذا كانت البلاد مستقرة .
إن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي لها القدرة الكافية على إيقاف هذه الحرب كما وكل دول العالم الأخرى تدور في فلكها بما فيهما روسيا والصين فالآن هي القطب الأوحد في العالم، لذلك بالضرورة التماس الجهود الأمريكية بخطط مدروسة ،فكل الشواهد تؤكد بأن وقف الحرب الدائرة حاليا قد لا يتحقق إلا ببذل جهود من قبل الولايات المتحدة وبخطط لا بد لها ان تتسق مع الجهود الوطنية والدولية الأخرى .الدولة السودانية الآن صارت عالة على المجتمعين الإقليمي والدولي ولدول الجوار ومصدرا لأكبر حالتي نزوح ولجوء في العالم ، حياة السودانيين صارت مرتبطة بالمساعدات الدولية التي تقوم الولايات المتحدة وحدها بتقديم أكثر من ثلثيها سواء أن كان ذلك مباشرة أو من خلال وكالات الأمم المتحدة ، القوى السياسية والمدنية السودانية لم تهتم حتى الآن بجهود الكونغرس الأمريكي ولم تسع لدعمها عبر التواصل مع أعضائها لتعزيز موقف الكونغرس الأمريكي الساعي لوقف الحرب في السودان، ولم تعر محاولات عضوة الكونغرس سارة جاكوبس أي اهتمام،وبفشل مفاوضات جنيف لم يعد أمام الشعب السوداني من خيار آخر ناجع سوى الرجوع إلى الوسائل والطرق الناجزة ومنها تفعيل دور الكونغرس الأمريكي لإصدار التشريعات اللازمة لفرض حظر بيع الأسلحة وفرض العقوبات على الدول التي تقوم بدعم الحرب الدائرة في السودان ومنع قصف المدنيين، وتفعيل الدور السوداني السوداني بتنظيم جهود الكيانات والتنظيمات والجماعات والأفراد ، كما ولا بد من دور لشخصيات من أمثال البروفيسور مهدي أمين التوم والبروفيسور سلمان محمد سلمان وإعداد التصورات والأطروحات المبنية على دراسات وخطط لتكون جاهزة ومنها طرح البروفيسور مهدي أمين التوم حول مقترح تأسيس الولايات المتحدة السودانية مستقبلا وأعطاء الولايات حق التقرير في شؤونها في ظل وحدة الدولة ، فمتى ما وقفت الحرب لا بد من وجود أطروحات وبرامج ومشروعات جاهزة حول كيفية إدارة الدولة وعدم تكرار أخطاء ونتائج ثورة ديسمبر المجيدة ، إن من الضروري فتح النقاش في كل القضايا المسكوت عنها في السابق وبحثها والتقرير بشأنها حتى إذا توقفت الحرب باتفاق أو هدن لا تتجدد لأنها ستجدد بصورة أكثر ضراوة، وما يمكن تسويتها سلميا في كل الأحوال لا يمكن الوصول إليها من خلال فوهة البندقية مهما طالت الحرب كما والدولة صارت بالفعل على حافة الحروب الأهلية الطاحنة .
الأخطاء المتراكمة :
من الأخطاء المتراكمة والتي وقعت فيها الدبلوماسية الأمريكية وهي وليدة الوثيقة الدستورية النظر لقيادات اللجنة الأمنية لنظام البشير باعتبارها قيادات عسكرية صرفة لا علاقة لها بنظام حزب المؤتمر الوطني ، إن قانون قوات الشعب المسلحة بتعديلاته السارية المفعول منذ استقلال السودان حدد علاقة الجيش بأجهزة الدولة الأخرى ووصف مهامها بأنها خدمة عسكرية لحماية البلاد ويخضع الجيش لأوامر القائد الأعلى المنوط به إعلان الحرب وأن الجيش لا علاقة له بالشؤون السياسية، إن المعلوم بالضرورة أن قيادة الجيش الحالية من عناصر المؤتمر الوطني أو موالية والموالاة السياسية تخالف نظم الجيش وقانونه، لذلك النهج السليم عدم الربط بين الجيش كمؤسسة خدمة عسكرية بالقيادات السياسية أو الموالية التي تقود الجيش ، لقد كان الوضع الصحيح أن يكون لقيادة الجيش ممثلة في البرهان والكباشي والعطا حق الإستعانة بمن ترى في التفاوض (مدنية كانت أم عسكرية) ، ولكن التعنت وربط الجيش بالقيادة السياسية والعسكرية بالجيش والمرتبطة بالمؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي واعتبار ان الجيش طرفا في الحرب هذه ازدواجية وضعت الجيش باعتباره من أطراف الحرب ، والصحيح أن الجيش الآن مجرد أداة في يد قيادته، فالجنود والضباط ينفذون توجيهات القائد الأعلى، إن نزع الصفة الحزبية عن القيادة العسكرية للجيش المستفيد منه حزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي ، إن هذه الإزدواجية أتاحت للقيادة الجيش الحزبية العمل في تناغم وتقديم الغطاء لمرجعيتها السياسية (حزب مؤتمر الوطني والحركة الإسلامية) والعمل معا تحت مظلة وغطاء الإستنفار الشعبي .
ما العمل :
الطرفان أعلنا عن استعدادهما التام لمواصلة الحرب بلا توقف وهذه الحرب والمعاناة فتحت أيضا مجالات الاستثمارات لمن يقفون خلفها وقد لا يحرصون على وقفها وهم وأسرهم يمارسون حياة الرفاهية والتكسب من الحرب ويدفع غيرهم كلفتها الباهظة ، لقد فشلت مساعي الخارجية الأمريكية ومبعوث الرئيس الأمريكي توم بيرييلو في جنيف ، وإن أي جهود دبلوماسية جديدة قد تحتاج إلى تهيئة في ظل مناخ بخلاف المناخ الحالي ، وقد لا يتوفر ذلك المناخ قريبا، لذلك الأمر الآن لدى الشعب السوداني وقد صار مجبرا للبحث عن الحلول بنفسه ، ليس المطلوب في ظل ظروف الحرب الدائرة من السودانيين الذين يتواجدون داخل السودان سوى الصبر والتحمل وهم يكابدون ظروف وأهوال الحرب القاسية ولكن يمكن للقوى المدنية والسياسيةان تفعل الكثير وعدم الركون للإنتظار والمحاولات الخارجية، ومن الوسائل المجدية مخاطبة أعضاء الكونغرس الأمريكي بحيثيات فشل مفاوضات جنيف ومطالبتهم النظر في إصدار قانون يحظر بيع وتصدير الأسلحة للسودان وايقاع عقوبات في مواجهة الدول التي تدعم أطراف الحرب.
عقب فشل مفاوضات جنيف هنالك من تحدث عن اتفاق مع طرف وأحد لفتح مطارات في دارفور لتقديم المساعدات الإنسانية ، مثل هذه التصريحات لن تخدم قضايا وقف الحرب، إن هكذا تدابير إذا تم الاتفاق عليها هكذا ستمثل أزمة إضافية ، وذلك ما سنبحثه في مقالنا القادم.