الصادق علي حسن يكتب : أخطاء بلينكن وبيرييلو (٨) .
أخطاء بلينكن وبيرييلو (٨) . التجزئة والتقسيم :
الدولة السودانية الآن تعاني من نتائج آثار الانقسامات الحادة والحرب المدمرة وصارت المعاناة سمة غالبة في كل مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية ، كما وبفعل الحرب وخطاب الكراهية تم تكريس الإنقسام الوجداني الذي بات يهدد وحدة البلاد ، وصارت القبلية بديلة لمدنية الدولة، وجغرافية الأرض تمثل الانتماء ولا تخضع البلاد لسيطرة جهة وأحدة حتى تحتكر العنف والسيادة عليها ، فهنالك المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش بقيادة البرهان كما وهنالك المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، وهنالك المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو والمناطق الخاضعة لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور ووجود للعديد من الحركات المسلحة المتنقلة التي تتحرك من مكان إلى آخر وهي في حالة تزايد مستمر ، قد لا يقل عددها عن خمسين حركة بخلاف الحركات الموجودة في الواتساب وتنشط في إصدار البيانات، عقب الحرب ظهرت في الشمال والشرق والوسط الأصوات التي تطالب بالإنفصال ، ولم تعد مطالب الإنفصال تصدر من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق (والجنوب الذي انفصل)، لذلك الخيار السليم في النظر لمآلات أوضاع الدولة قبل فوات الأوان ، الممسكون بزمامها حدود تفكيرهم مصالحهم القاصرة على أهدافهم الذاتية، مالك عقار يعلن بحدة متناهية (لا جدة لا جداد) ويحذر من المساس بالجيش وهو نفسه كان قبل عقد من الزمان يحرق علم الدولة ويطالب بتفكيك جيشها ، جبريل ومناوي الآن يحملان السلاح ويقفان مع البرهان والجيش وكانا قبل الوصول إلى السلطة والحصول على مغانمها يحاربان هذا الجيش نفسه ويتحدثان بأن قيادته مُحتكرة لفئة معينة ولا بد من تفكيكه وكان حميدتي المتمرد حاليا وقتذاك هو رجل الدولة المدلل الذي سنت له قيادتها في عهد البشير ولأول مرة في تاريخ البلاد قانون خاص لقواته (الدعم السريع) وأسندت إليه مهام حماية الدولة هذه هي لعبة الكراسي في ظاهرة الحالة السودانية، كراسي السلطة هي التي تحدد المواقف تجاه الدولة والجيش، لذلك هذه الحرب لن تتوقف طالما هنالك كراسي وأموال تتدفق، وستسيل الدماء بغزارة كسيول الأمطار ما لم تقم جهة لها القدرة على فرض الوقف الفوري لهذه الحرب العبثية التي تدور على رؤوس المواطنين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كما لا بد من تدابير مصاحبة للوقف ، وإلا سيكون الوقف عبارة عن هدنة وقتية وظرفية سرعان ما ستعود الحرب أشد ضراوة بزوال ظروف وقفها المؤقت .
خارطة طريق لبيرييلو :
لا بد من تثمين جهود الولايات المتحدة والتي قدمت وحدها أكثر من مليار دولار للمساعدات الإنسانية منذ نشوب الحرب بحسبما كشف المبعوث الأمريكي وهي تتفوق في دعمها الإنساني على كل الدعم المقدم من بقية الدول الأخرى ، إن الحديث عن الأخطاء والقصور في جهود الخارجية الأمريكية و المبعوث الأمريكي بيرييلو من باب البحث عن تلافي الأخطاء والقصور، وليس من باب نقد هذه المساعي بغرض اضعافها ،المطلوب الآن من التنظيمات المدنية والسياسية مد الوسيط الأمريكي بيرييلو برؤيتها حول الحلول فهو ليس أدرى من السودانيين بمشاكلهم وسبل حلها، لقد حقق بيرييلو نجاحات في القضايا الإنسانية وتسريع جهود حكومته ببذل المزيد من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى المتأثرين عبر معبر أدري، ولكن هنالك القضايا السياسية والتي لا تقل أهمية عن المساعدات الإنسانية، فمهما بذل الوسيط من مساعدات إنسانية ستظل تخاطب الظروف والأوضاع الاستثنائية ولن يظل المجتمع السوداني كله منتظرا لهذه المساعدات ويتخلى عن وسائله الذاتية والعمل والإنتاج ليعتمد على هذه المساعدات الإنسانية، هنالك ضرورة لوقف الحرب ومفاوضات جنيف لم تحقق أي تقدم تجاه وقف الحرب كما والمبعوث الأمريكي صرح لوسائل الإعلام بإن الطرفين لا يملكان إرادة سياسية لوقف الحرب، وطالما كان الأمر كذلك، ليس من المنطقي ترك حياة المدنيين لتقديرات طرفي الطرف وهما لا يملكان الإرادة السياسية ، في حال الموافقة على مدونة السلوك ومهما تضمنت المدونة المذكورة من نصوص وأحكام قد تكون تأثيراتها محدودة في نطاق معالجة أحداثيات القصف الجوي والتدوين على المرافق والمستشفيات ومناطق المدنيين ولكنها لن تؤثر على الإنتهاكات الأخرى وحتى القصف الجوى والتدوين يمكن للطرفين مطالبة المدنيين بمغادرة هذه الأماكن باعتبارها صارت أهداف عسكرية مما قد يساعد من توسيع نطاق التهجير القسري من المدن والمناطق ، لذلك بالضرورة على التنظيمات المدنية والسياسية السودانية مد المبعوث الأمريكي برؤيتها حول تدابير وقف الحرب وكيفية تحقيق التسوية السياسية لكافة القضايا والمشكلات وقد صارت الوساطة الأمريكية هي الأكثر تأثيرا في مخاطبة الأزمة السودانية.
الحوار السوداني السوداني :
طرحت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور مبادرة الفاشر لإخلاء مدينة الفاشر من مظاهر التسلح وتأمينها وحماية المدنيين ووجدت تلك المبادرة إستجابة وأسعة من قطاعات وفئات عديدة ومن قيادات حزبية وشخصيات أكاديمية وتم تعديلها لتتضمن كافة الرؤى ووجهات النظر وعلى رأسها رؤى إنسان مدينة الفاشر ، الطرفان المتحاربان لم يستجيبا للمبادرة حتى الآن ولهما تقديراتهما الذاتية،والمتوقع أن تشهد مدينة الفاشر كما المدن الأخرى تجدد وتصاعد وتيرة القتال، و لا يوجد من الطرفين من له القدرة على حسم الحرب لصالحه وستنتقل الحرب من مدينة إلى مدينة ومن منطقة إلى منطقة ومن دائرة إلى دائرة لتخرج تماما عن سيطرة طرفي الحرب، ووقتذاك حتى ولو تم التوقيع على اتفاق بين الطرفين لوقفها لن يجد النفاذ على الأرض، وستتبدد الطموحات وتنتهي بالملاحقات الجنائية.