الصادق علي حسن يكتب :أخطاء بلينكن وبيرييلو (٦) .
بلينكن وبيرييلو (٦)
بيرييلو والإفراط في المثالية :
أظهر المبعوث الأمريكي توم بيرييلو حالة من الإفراط في المثالية وهو يتحدث عن مدونة سلوك للحد من الإنتهاكات وأسعة النطاق التي تمارس من قبل الطرفين المتحاربين(الجيش والدعم السريع) بدلا عن وضع خطط لتدابير ناجعة لوقف الحرب قد لا تتوقف على قبول الطرفين ، وكشف بيرييلو بأن قوات الدعم السريع وأفقت على مقترح مدونة السلوك التي تحدث عنها في انتظار موافقة الجيش الذي لم يحضر إلى جنيف عليها، وقال بأن المدونة تتضمن الأمتناع عن العنف ضد النساء وتدمير المحاصيل وأن الهدف ليس الحصول على توقيع على ورقة وإنما هو تغيير السلوك حتى لا نرى الإغتصاب والاستعباد الجنسي يستخدمان كسلاح حرب ولا نرى هذا النوع من الاستغلال عند نقاط التفتيش ولا نرى هذا النوع من القصف العشوائي للمناطق المدنية بما في ذلك المستشفيات والمنازل ووصف من يقومون بهكذا انتهاكات بالافتقار إلى الشجاعة والشرف ، هذه المثالية المفرطة لن تعالج قضايا وقف الحرب في السودان ، إن قواعد السلوك الأخلاقي التي يتحدث عنها بيرييلو صارت في الأزمنة المعاصرة عبارة عن اتفاقيات ومعاهدات وبرتوكولات وتختلف عن قواعد الحروب في الأزمنة القديمة التي كانت تقوم على إعطاء قيمة كبيرة للعدالة والشرف في القتال والتزام الجنود وقيادتهم بالقيم والمبادئ الأخلاقية أثناء الحرب، إن قواعد السلوك الأخلاقي في القتال في الأزمنة المعاصرة تتمثل في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩م والبروتوكولات الثلاثة الإضافية الملحقة بهما في (١٩٧٧- ٢٠٠٥)وقد التزما الطرفان في جدة على الوفاء بها ولم يفعلا ذلك ، فلماذا الحديث عن توقيع على مدونة لسلوك وقواعد حرب، مدونة قد لا تكون لها قيمة على أرض الواقع ، بل قد يُكشف حديث بيرييلو للطرفين بأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست لديها ما تفعلها لوقف الحرب الدائرة وقد يشجعها التوقيع على المدونة للاستمرار في الحرب والقتال طالما المطلوب منهما فقط التقيد بالسلوك وقواعد الحرب وليس وقفها الفوري، ، كما وإذا رجعنا للحديث المثالي لبيرييلو عن مدونة السلوك الأخلاقي، من الذي يراقب تطبيق هذه المدونة على الأرض ، وماهية العقوبات التي ستوقع على الطرف المخالف، الآن هنالك بينات متوفرة عن انتهاكات جسيمة أرتكبت من الطرفين،فماذا فعلت الجهات الدولية المعنية وعلى رأسها الأمم المتحدة بشأنها سوى التقارير مثل تقرير لجنة الخبراء المشكلة بموجب القرار ١٥٩١ بتوسيع التحقيقات في دارفور وقد قدمت اللجنة المذكورة تقريرها لمجلس الأمن الدولي في فبراير ٢٠٢٤م وتم التمديد لها من دون إتخاذ أي إجراءات أو تدابير بشأن ما توفرت من بينات .
إن المبعوث الأمريكي توم بيرييلو شخصية مهذبة وأجتهد كثيرا لإنجاز مهمته ولكن قد تكون فترة تكليفه القصيرة المرتبطة بفترة الرئيس جو بايدن والتي باتت وشيكة الانتهاء، كما ولم يسبق لبيرييلو العمل في السودان وبالتالي معلوماته عن السودان قبل توليه لمهامه قد تكون قليلة أو معلومات سماعية، كما ومن الراجح لم يجد خطط متكاملة لدى الخارجية الأمريكية ولا السفارة الأمريكية بالخرطوم بشأن مهامه ، كما يبدو أنه تأثر كثيرا بالآراء العديدة التي أستمع إليها من السودانيين المتواجدين في دول الجوار مثل كمبالا والقاهرة وأديس أبابا ونيروبي وفي المهجر ببلاده الولايات المتحدة ، لذلك ظهر الاضطراب والربكة الواضحة في أدائه . في أوائل مايو ٢٠٢٤م أستمعت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي للمبعوث الأمريكي توم بيرييلو وكان ذلك بعد شهرين من تعيينه مبعوثا للرئيس الأمريكي للسودان وفي الجلسة المذكورة أسهب بيرييلو في الحديث بمثالية عن الأوضاع الإنسانية ومعاناة السودانيين وكان أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قد تحدثوا إليه بأنهم على علم بمعاناة السودانيين أكثر منه وطالبوه بوضع خطة وتوضيح كيفية استعداد وزارة الخارجية للسيناريو الأسوأ والتخفيف منه مرجحين سيناريو انهيار الدولة السودانية وحدوث مجازر وإبادة جماعية مما سيكون له آثار خطيرة على المنطقة والأمن والسلم الدوليين وشددوا على بيرييلو بكسر دائرة التردد وتزويد المجلس بخطة شاملة لإنهاء الحرب ومحاسبة المسؤولين عنها، ووصف السناتور جيم ريش كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي الاستجابة الأمريكية للأزمة السودانية بالضعيفة، وقال في كل مرة تعقد جلسة عن السودان يتكرر الحديث عن مدى تدهور الأوضاع وبالرغم من هذه المناقشات العامة المتكررة والإحاطة الروتينية في وزارة الخارجية فإن الإدارة الأمريكية لم تحقق على أرض الواقع اي تقدم ملموس في إتجاه علاج الأزمة ووقف الحرب .
فهل يتأبط المبعوث الأمريكي معه مدونة السلوك ويذهب بها إلى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في جلسة إحاطة أخرى، وماذا سيقول هذه المرة؟