الصادق علي حسن يكتب :رسالة مبادرة الفاشر وصلت (٢) .
مبادرة الفاشر وصلت (٢)
هنالك من نظر للمبادرة التي أطلقها رئيس حركة جيش تحرير السودان الأستاذ عبد الواحد محمد النور للرأي العام السوداني وقد قام العديد من السودانيين من مدينة الفاشر وبقية انحاء السودان بالتفاعل معها والاحتفاء بها وقد تطورت لتصبح مبادرة تخاطب تأمين حياة المدنيين بالفاشر وفتح المسارات وتقديم المساعدات الإنسانية لسكان المدينة بنظرة التنافس على الكسب السياسي المحتمل وليس من خلال النظرة إلى الهدف الإنساني منها . إن قائد الدعم السريع لم يتفاعل مع مبادرة الفاشر وله تقديراته في الاستيلاء على مدينة الفاشر مما يعزز خياراته في طاولة المفاوضات وفتح منافذ الحصول على المكاسب الذاتية المعتبرة في حال قبول طرف الجيش بالتفاوض، كما هنالك أمامه خيار تكرار تجربة خليفة حفتر بليبيا. لقد ارتفعت سقوفات طموحات قائد الدعم السريع وقد استولى على غالبية ولاية الخرطوم وعلى عواصم ولايات دارفور الأربع باستثناء الخامسة مدينة الفاشر عاصمة الإقليم كما استولى على مدينة ود مدني عاصمة الجزيرة وسنجة عاصمة سنار وأظهرت الحرب الدائرة ضعف قدرات الجيش وقيادتها، كذلك فإن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ظل يساهم بالعتاد الحربي وفي دعم الموقف الدبلوماسي الدولي للدعم السريع في المنابر الدولية أيضا لمحمد بن زايد تقديراته الذاتية في الحرب وقد تكون غير منظورة للطرفين المتحاربين ، د إبتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للدراسات والقريبة من مراكز القرار الإماراتي تحدثت في مقابلات تلفزيونية مبثوثة في الوسائط عن النفوذ الإماراتي في دولة السودان وقالت بأن الإمارات ليست متداخلة في السودان ولكن موجودة في السودان ولها مصالح إقتصادية واستثمارات بالمليارات (ولازم تحميها) كما وذكرت ان الإمارات دولة صغيرة المساحة وقليلة السكان واعتمدت في السابق على غيرها في إشارة للولايات المتحدة والغرب ولكنها الآن قد كبرت وصارت قوة إقتصادية وسياسية عالمية كبرى والسياسة تقوم على المصالح وليس هنالك عداوة دائمة أو صداقات دائمة في عالم السياسة وإن على حلفاء دولة الإمارات أن لا يطلبوا منها أن تُعادي من يعادونهم أو تصالح من يصالحونهم فالإمارات صارت قوة وقبلة يحج إليها الوفود من كل دول العالم ، هكذا تتحدث د ابتسام الكتبي ولا تكترث لأرقام الضحايا السودانيين الذين قضوا نحبهم جراء الحرب وهي تتحدث عن حماية المصالح الاقتصادية واستثمارات بلادها في السودان، فموقف بلادها من الحرب الدائرة في رؤيتها من مبرراتها حماية المصالح الإماراتية في السودان والجديرة بالاعتبار، كما والباحث في أسباب الحرب الدائرة يجد ان من أسبابها الصراع على السلطة بين البرهان و حميدتي وتقاطعات هذه الأهداف والمرامي مع مراعاة المصالح الإماراتية وأجندات حركة الإسلام السياسي ونفوذ دولة الإمارات التي لديها عداء مستفحل مع حركات الاخوان المسلمين في الشأن السوداني. لم يتفاعل قائد الدعم السريع مع مبادرة الفاشر وهو يبحث عن مكاسب الاستيلاء على مدينة الفاشر، كما ومهما كانت الخسائر الناجمة في الأرواح وحجم الدمار فلا يعنيه في شيء، لقد ظلت مدينة الفاشر محاصرة منذ شهر مايو ٢٠٢٤م وتطلق عليها قوات الدعم السريع الدانات والقذائف والقصف بالمدفعية الثقيلة وسقوط المئات من الضحايا الأبرياء ، وقد طال الخراب والدمار المباني والمرافق الصحية والمستشفيات ودور العبادة وشاع النهب والسلب وقيادات الدعم السريع لا تهتم بتنامي حجم الخسائر في أرواح المدنيين من أجل تحقيق غاياتها والاستيلاء على مدينة الفاشر غير مبالية بنتائج أفعالها وهدفها الرئيس هو الاستيلاء على المدينة ، كما ومن ناحية أخرى فإن الحركات المسلحة بقيادة د الهادي إدريس والطاهر حجر ونمر عبد الرحمن والتي لا تزال ترفع شعار الحياد ترى بأنها هي الأحق والأجدر بإدارة الفاشر وأنها هي صاحبة موقف الحياد وتخلت عن السلطة وهي رافعة لشعار الحياد وليس عبد الواحد ، أما تحالف الجيش وحركات دارفور وعلى رأس قياداتها جبريل ومناوي وطمبور ورصاص وعبد الله يحيى وفكة وهلمجرا بالنسبة لها الفاشر معركة مصير ، وإذما تم الاستيلاء على مدينة الفاشر ستضعف نفوذها على مستويي المركز والإقليم، كما للبرهان وأعوانه أيضا مراميهم في حالتي كسب معركة مدينة الفاشر أو خسارتها،فإذا كسبوا المعركة صارت بداية لتطويق الدعم السريع من دارفور وإذما سقطت مدينة الفاشر سيتحول الصراع حول مدينة الفاشر إلى صراع أهلي على خلفية الصراع القبلي التقليدي بين فروع من الزغاوة والعرب على المسارات والمراحيل والمراعي والأرض إلى صراعات دوائر النفوذ على السلطة على مستويات المركز والإقليم والولايات ، كما سيؤدي سقوط المدينة إلى توطين الصراعات محليا بدارفور بين القبائل المتصارعة والقبائل المتحالفة معها .
في ظل عهد المخلوع البشير ولخمس سنوات متتالية رفض البشير إستلام مذكرة أبناء دارفور ، إن مذكرة أبناء دارفور التي رفعها محامو دارفور وأبناء دارفور بالعاصمة الخرطوم للمخلوع البشير في عام ١٩٩٧م (قبل خمس سنوات من اندلاع الحركات المسلحة في دارفور عام ٢٠٠٢م) كانت أقرب للمذكرة المطلبية وكانت المطالب حول قضايا الأمن والسلامة العامة والاعتقالات الجائرة والانتهاكات الجسيمة التي طالت المدافعين الحقوقيين والقيادات المحلية بسبب مناهضة سياسات النظام واستهداف الجيش للمجتمعات المحلية في غرب دارفور مثل منطقة تباريك وحملات التهجير القسري والقتل الجزافي الممنهج لمناطق وقرى المساليت، لم تكن هنالك منظمات محلية تقوم بالتوثيق كما لم تكن وسائط الشبكة العنكبوتية معروفة ، لقد كانت الوثائق قليلة ومن الوثائق المعتبرة لهذه الجرائم المرتكبة بواسطة نظام المخلوع البشير بولاية غرب دارفور شريط الفيديو الذي قام بتوثيقه اللواء التجاني آدم الطاهر وطالذي زار معسكرات اللاجئين بشرق تشاد بعد أعفائه من الوزارة ثم سافر إلى طرابلس بدعوة من الرئيس الليبي معمر القذافي، إن وقائع وأحداث غرب دارفور ومنطقة تباريك والتي انتقلت إلى وسط دارفور بظهور القوات الظاعنة فقوات حرس الحدود ثم الدعم السريع تكشف بأن قيادة الجيش تخلت عن مسؤولياتها العسكرية في حماية البلاد وعملت بصورة ممنهجة في زعزعة التماسك الاجتماعي في مناطق غرب ووسط دارفور ، لقد استجلب المركز وقيادة الجيش مجموعات من مناطق أخرى وقام بإزاحة مجموعات سكانية محلية من مناطقها الأصلية ، لقد شارك الضابط الرائد عبد الفتاح البرهان الذي ينسب إليه ضحاياه بأنه كان يُكني نفسه (برب الفور) والرائد شكرت الله الذي يُقال عنه بأنه كان يُباهي بنفسه ويقول عنها (فوق الله وتحت شكرت الله ) وأعوانهما في ممارسة انتهاكات جسيمة بحق السكان المحليين بمثلما شارك عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هرون وأعوانهما ، ووصلت الأزمة بعد ثلاثة عقود إلى محاصرة مدينة الفاشر.
لقد كانت مبادرة الفاشر فرصة لكل الأطراف المتحاربة للحوار السلمي، ولكنها صارت مكبلة بمطامعها الذاتية على السلطة والأموال المتدفقة واستثمارات الحرب وقيود المصالح الخارجية التي تؤثر على مواقفها وإرادتها المسلوبة .
فلا البرهان ولا حميدتي يمتلكان الإرادة الحرة المستقلة ولا الأطراف الأخرى تمتلكها .