العلاقات السودانية المصرية بمقر الحزب العربي الديمقراطي الناصري (٧) .
بقلم الصادق علي حسن .
الديمقراطي الناصري (٧)
. السودان يشهد مشروعات التجزئة والتقسيم .
. كيف لمصر أن تعزز لمستقبل علاقات راسخة مع السودان أثناء الحرب وعقب وقفها .
في صالح مصر الوقوف على مسافة وأحدة من كل الأطراف السودانية والعمل والتعاون مع كل أنواع والوان الطيف السوداني اليميني والوسطي واليساري لمعالجة أزمات الحرب العبثية الدائرة والسعي في تقديم العون اللازم ومساندة جهود وقف الحرب وتجاوز آثارها السالبة على الدولتين والشعبين ،إن المكاسب التي تحققت لمصر على صعيد تعزيز تمتين العلاقات الشعبية ساهم فيها وجود وتعايش السودانيين الفارين من جحيم الحرب ولجؤوهم إلى دولة مصر والإقامة في كل مدنها ومحافظاتها وذلك ما لم تتمكن الدبلوماسية الرسمية بين البلدين من تحقيقها في كل الحقب السابقة، وحتى لا تصبح هذه المكاسب الشعبية الحقيقة عرضة للتناقص أو تشوبها شوائب الأضرار السياسية والشد والجذب بالضرورة البناء عليها وتعزيزها بجهود مصرية رسمية مواكبة للتحديث والتطوير، فالوسائل التقليدية مثل المؤتمرات وورش العمل والإجتماعات والبيانات والتصريحات لم تعد مفيدة وقاصرة عن تحقيق الغايات والأهداف المرجوة في ظل ظاهرة الحالة السودانية والإفرازات السالبة الناجمة بفعل الحرب .
الوسائل التقليدية :
الأنماط التقليدية السائدة (المؤتمرات وورش العمل والسمنارات والإجتماعات واللقاءات) صارت تفرغ النخب السياسية والمدنية ولا تخاطب مكامن الأزمات المتجذرة، وبالنظر لهذه الوسائل والأنماط وتقييمها كمثال يمكن النظر إلى مؤتمر القاهرة للقوى السياسية والمدنية والذي انعقد في ٦ يوليو ٢٠٢٤م كمثال، ويوصف هذا المؤتمر بأنه أنجح مؤتمر من بين كل المؤتمرات التي نظمت لبحث الأزمة السودانية منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم وقد نجح ذلك المؤتمر في جمع أكبر عدد من أطياف القوى السياسية والمدنية السودانية في صالة وأحدة ،ولم يخرج المؤتمر المذكور ببيان ختامي ، واختلفت القوى والتنظيمات المشاركة فيه حول مخرجاته كما وصار البيان الختامي المنشور والذي صدر منسوبا إلى المؤتمر موضع خلاف وجدل بين المشاركين في الوسائط وفي أثناء المؤتمر رفض مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة ورئيس إحدى الحركات المسلحة المشاركة تناول الطعام في مائدة واحدة مع رصفائه من المشاركين الآخرين من قوى تقدم المدنية برئاسة د عبد الله حمدوك وقد كان حريصا على إظهار موقفه المغالي في خصومته مع شركاء الأمس أو الحوار معهم ، مغالاة لا تخدم المصلحة العامة في ظل حالة حرب مدمرة ومالك عقار نفسه قائدا لحركة مسلحة وصل عبرها إلى السلطة سابقا في عهد البشير بموجب اتفاقية سلام نيفاشا ثم خرج منها وعاد مرة أخرى إلى السلطة بموجب اتفاق سلام جوبا الذي تم إبرامه مع حكومة حمدوك وقد كان عقار قبل ذلك بسنوات وهو في المعارضة الأكثر تشددا ومغالاة في معاداة النظام الحاكم بالخرطوم وفي ذروة معارضته وحمله للسلاح قام بحرق علم بلده ووصف جيشه بأنه يمثل تنظيم عقائدي وطالب بتفكيكه، التناقض في مواقف عقار وزملاؤه وقد صرحوا بأن مشاركتهم في مؤتمر القاهرة تقديرا لدعوة الدولة المستضيفة ، مما يعني أن قضايا الخراب والدمار والموت الجزافي واللجوء القسري لا يعني لهم شيئا ، إن مثل هذه القيادات التي تتباين مواقفها بمجرد اعتلائها للسلطة لن تبني علاقات مستقرة لمستقبل وأعد للمجتمع السوداني ناهيك عن علاقات مستقرة مع دول تصلح للاستدامة وتلبية تطلعات الأجيال والأنظمة المتعاقبة ،لقد أدى الحرب إلى تغييرات شاملة وبرزت مراكز لقوى جديدة مسلحة وأخرى أهلية وصارت صناعة مشروعات الحلول الجاهزة في ورش العمل والمؤتمرات الخارجية لنقلها كما كان الحال في السابق لا تخدم قضية ولا تحل أزمة .
طرفا الحرب غير مؤهلان لمرحلة ما بعد الحرب :
الدعم السريع :
إن قائد الدعم السريع منذ نشوب الحرب وحتى اليوم لا يطرح أي رؤية بشأن إدارة الدولة أو أي مشروع سياسي ويتحدث في تصريحاته بأنه يخوض الحرب من أجل الديمقراطية وهذا ليس بطرح سياسي حول كيفية تحقيق الديمقراطية أو الوصول إليها وقد برزت في تصريحاته الأخيرة المواجع الشخصية وموقفه من زملائه وشركائه السابقين أكثر من قضايا الدولة ومستقبلها وقد تشظت بفعل الحرب .
إنهاء دولة ١٩٥٦م :
أنصار الدعم السريع يرفعون شعار إنهاء دولة ١٩٥٦م ولا يضعون التصور البديل لمرحلة ما بعد إنهاء الدولة المذكورة ، الإنهاء المطروح يعني إنهاء حالة وجود الدولة التي تأسست في ١٩٥٦م وتلقائيا إذا حدث الإنهاء هكذا بلا مشروع يؤدي ذلك إلى الرجوع لأوضاع الحكم الذاتي التي كانت قائمة في أراضي الدولة السودانية الحالية ضمن سيادة الجمهورية العربية المصرية وقتذاك ، وفي هذه الحالة وقد صار السودان دولة مستقلة وعلى أفتراض أنه حدث وتم الإنهاء واستدعاء أوضاع ما قبل تأسيس دولة ١٩٥٦م لن يمتلك قائد الدعم السريع حميدتي حق التقرير بشأن الأوضاع المستعادة وستبرز المطالبات بالأوضاع التاريخية التي كانت قائمة والممالك والسلطنات وقتذاك مما يعني بان رفع شعار إنهاء دولة ١٩٥٦ إذا تحقق لن يتحقق بموجبه مكاسب لحميدتي أو لمن يرفعه الآن ولن يصبح الإنهاء رافعة لتأسيس سلطة مستقرة في دولة موحدة بل إلى تجزئة الدولة السودانية وبروز مشروعات التقسيم.
الحركة الإسلامية في السودان وحزبها المؤتمر الوطني :
في السودان حركة الأخوان المسلمين بزعامة الترابي وحزبها المؤتمر الوطني مؤسسة استثمارية ضخمة وتنظيم سياسي منظم له علاقات وارتباطات خارجية ووسائل مجربة في الوصول إلى السلطة واحتكارها وتوظيف الشعارات الدينة والوطنية لخدمة الأهداف وغايات الحزب والتنظيم وبعد تجربة أمتدت لثلاثين عاما مارس فيه حزب الحركة المذكورة كل الإنتهاكات الجسيمة على حقوق الإنسان وفصل جنوب البلاد وأوصل البلاد إلى دائرة الحروب الأهلية عادت الحركة المذكورة بحزبها إلى وأجهة المشهد السياسي بالبلاد نتيجة لأخطاء التنظيمات السياسية المتكررة وتعمل الحركة جاهدة من أجل العودة إلى السلطة مرة أخرى من مدخل الحرب المشتعلة والاستنفار، إن قائد الجيش البرهان من عناصر الحزب المذكور ويتولى منصب رئيس البلاد بوضع اليد ولا يستطيع أن يتجاوز الحركة والحزب حتى إذا رغب في ذلك ، ولكنه مثل غيره في الحزب المذكور يطمح في السلطة لنفسه كغاية، ومثلما تخلصت مجموعة العشرة بقيادة علي كرتي من زعيمها حسن الترابي وآلت السلطة بالكامل لتلاميذه بقيادة البشير وعلي عثمان محمد طه فإن البرهان نفسه يحاول أن يستخدم ذات الحيل والدهاء الذي يمكنه من البقاء على السلطة سواء من خلال الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني أو توظيف تحالفاته القائمة مع الحركات المسلحة أو إنشاء تحالفات مع أطراف أخرى جديدة ولا يهمه مستقبل الدولة ولو سقطت المدن والولايات تباعا طالما هو يتربع على سدة حكمها ، سمح البرهان لمؤتمر هيئة شوري حزب المؤتمر الوطني بالإنعقاد وتم اختيار أحمد هرون المطلوب للمحكمة الجنائية رئيسا على الحزب المذكور، إن هذا الإختيار بمثابة رسالة للبرهان أن التنظيم موجودا وعليه الإلتزام بالمسار الذي يرسمه له الحزب والحركة كما ورسالة لحميدتي (نحن هنا وقادمون).
إن الباحث في التغييرات التي حدثت على الأرض بالسودان يجد أن هنالك تحولات سياسية واجتماعية جوهرية قد حدثت في المجتمعات المحلية وعلى المستوى القومي و إن مخاطبة المتغيرات بصورة صحيحة لن تحقق من خلال الوسائل والأنماط التقليدية كما يصبح الحديث عن الديمقراطية والدولة المدنية وعن الدولة نفسها مجرد خطابات منابر بلا تأثير على الحقائق الجديدة القائمة على الأرض ، كذلك لن يكون هنالك مستقبلا لأي علاقات خارجية تبنى في ظل أوضاع غير مستقرة مع الأطراف السودانية المتنازعة على السلطة حاليا ،وقد نقلت الحرب الدائرة المنازعات الدائرة على السلطة إلى مرحلة الحروب المدمرة التي تهدد وجود الدولة كما وتعددت الأطراف والحركات المسلحة التي صارت تتوالد يوميا وأجندات الأصابع الخارجية