المأساة التي هزّت جبل مرة :ترسين :تحت الركام: كارثة تكشف إهمالاً سياسياً وحقوقياً
كتب:حسين سعد
استيقظ سكان قرية ترسين الواقعة في سفوح جبل مرة بدارفور على فاجعة مروعة؛ إذ أدى انزلاق أرضي ضخم إلى طمر معظم القرية، وأسفر عن وفاة أكثر من ألف شخص وفق تقديرات محلية أولية، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين تحت الركام والطمي المأساة لم تكن مجرد حادث طبيعي عابر، بل كشفت عن عمق الإهمال والتهميش الذي يعيشه سكان الهامش في السودان، حادثة الانزلاق الأرضي في قرية ترسين ، لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد كارثة طبيعية. بل هي تجسيد عميق لواقع الإهمال المزمن والتهميش السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه مناطق دارفور وجبال مرة منذ عقود طويلة، الحادثة المآسوية لم ينج منها سوى رجل واحد، ليصبح الشاهد الوحيد على رحيل أسرته وجيرانه وأبناء قريته، ووجدت الحادثة تضامنا وتفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر المستخدمون عن صدمتهم وحزنهم الشديد، مشيرين إلى أن ما حصل في قرية ترسين بطمرها بالكامل يعتبر من أندر وأسوأ الكوارث في تاريخ السودان الحديث.
الحق في الحياة والمساواة والتنمية:
الدولة ملزمة بحماية حياة مواطنيها من المخاطر، لكن غياب خطط الطوارئ والبنية التحتية للإنقاذ يمثل إخلالاً فادحاً، وكذلك الحق في المساواة: التباين بين تعامل السلطات مع الكوارث في المركز والهامش يعكس تمييزاً واضحاً ضد سكان دارفور، والحق في التنمية: استمرار غياب مشاريع التنمية المستدامة يزيد من هشاشة هذه المناطق ويجعلها عرضة للموت الجماعي عند وقوع الكوارث، أما البعد السياسي: التهميش والإهمال المتراكم: منذ الاستقلال، ظلت دارفور ومناطق الهامش خارج دائرة الأولويات التنموية، بينما تركزت الموارد في الخرطوم. الاستجابة البطيئة في كارثة ترسين تكشف غياب الإرادة السياسية لوضع معاناة سكان الهامش ضمن الأولويات الوطنية، وهذا يوضح غياب الدولة وضعف الاستجابة الرسمية، حيث لم تصل السلطات بفرق إنقاذ أو مساعدات عاجلة في الساعات الأولى، ما زاد من حجم المأساة. وبدلاً من أن تكون الدولة في موقع حماية المواطنين، بدت غائبة تماماً، ما يعكس منظومة الحكم في إدارة الأزمات.
أبعاد إنسانية وحقوقية:
تُظهر الحادثة هشاشة البنية التحتية في مناطق جبل مرة، وانعدام أنظمة الإنذار المبكر ووسائل الحماية المدنية، ما يجعل حياة آلاف المواطنين عرضة للخطر عند وقوع الكوارث الطبيعية، كما أن غياب الدولة وضعف تدخلها مؤشر الي ان الاهمال الرسمي وسوء التخطيط يزيد من حجم الكوارث الطبيعية ويحولها مآسٍ إنسانية شاملة، فالحق في الحياة والأمن وفقاً للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن الدولة ملزمة بضمان حق مواطنيها في الحياة، وحمايتهم من المخاطر، بما في ذلك الكوارث الطبيعية. غياب خطط الطوارئ، وانعدام البنية التحتية للإنقاذ، يعكس إخلالاً واضحاً بمسؤولية الدولة في حماية المدنيين، وكذلك الحق في المساواة وعدم التمييز ما حدث في ترسين يعكس تمييزاً جغرافياً ومناطقياً صارخاً.، فبينما تحظى العاصمة الخرطوم والمدن المركزية بخدمات طوارئ أسرع نسبياً، تبقى مناطق جبل مرة معزولة، دون طرق معبدة، أو مراكز إنذار مبكر، أو بنية صحية كافية، ما يرسّخ إحساس السكان بأنهم مواطنون من درجة ثانية، الحق في التنمية استمرار حرمان سكان دارفور من التنمية المستدامة – سواء في البنية التحتية أو الخدمات الأساسية – يجعلهم أكثر عرضة للكوارث. غياب المشاريع البيئية لإدارة المياه والأراضي، وترك القرى في سفوح الجبال دون حماية، هو انتهاك لحقهم في التنمية الذي تكفله المواثيق الدولية والإفريقية لحقوق الإنسان.
البعد السياسي
إرث التهميش التاريخي منذ الاستقلال، عانت دارفور من سياسات مركزية جعلت الأولوية للاستثمار والخدمات في الخرطوم والمدن الكبرى، بينما ظلت الأقاليم الهامشية، ومنها جبل مرة، في حالة عزلة وفقر، هذا التهميش البنيوي خلق هشاشة مضاعفة أمام الكوارث، غياب الإرادة السياسية بطء استجابة السلطات في الكارثة، وغياب زيارات رسمية أو خطط عاجلة في الساعات الأولى، يكشف ضعف الإرادة السياسية للاعتراف بمعاناة سكان الهامش. وهو امتداد لنهج اعتاد التعامل مع هذه المناطق كأطراف مهمشة لا تشكّل أولوية وطنية، أما البعد الأمني مقابل الإنساني بينما تُصرف المليارات على تسليح الجيوش والمليشيات في الصراع الدائر بالبلاد، لا تخصص موارد كافية لإنشاء وحدات دفاع مدني أو مراكز صحية أو شبكات طرق في المناطق المنكوبة. المفارقة المؤلمة أن الدولة قادرة على الحرب، عاجزة عن حماية الحياة
المجتمع المدني بين الرصد والنجدة
منظمات المجتمع المدني بعضها كانت حاضرة عبر إطلاق نداءات استغاثة، وتقديم مساعدات محدودة رغم ضعف إمكاناتها، كما عملت على توثيق الانتهاكات الحقوقية الناتجة عن الإهمال الرسمي، فالمنظمات الدولية مدعوة للنظر إلى الكارثة باعتبارها جزءاً من أزمة حقوق إنسان مزمنة في السودان، لا مجرد حادث طبيعي. الدعم الإنساني العاجل مطلوب، لكن الأهم هو الضغط لضمان التزام الدولة بمسؤولياتها تجاه سكان الهامش، الانزلاق الأرضي قد يكون نتاج الطبيعة، لكن تحوله إلى مأساة جماعية بهذا الحجم يعكس أزمة سياسية وحقوقية عميقة. الطبيعة كشفت هشاشة البنية التحتية، والسياسة عرّت غياب العدالة والمساواة، هذا يدفعنا الي تقديم توصيات عملية للحكومة والمجتمع المدني والداعمين الدوليين بالنسبة للحكومة: يجب وضع خطة وطنية لإدارة الكوارث، إنشاء مراكز إنذار مبكر وإيواء، تحقيق شفاف ومحاسبة المقصرين، اما للمجتمع المدني: يجب تعزيز شبكات الإنذار المجتمعي، تدريب السكان على خطط الطوارئ، وتوثيق الإهمال والتمييز، أخيرا للمجتمع الدولي: دعم عاجل للناجين، تمويل برامج طويلة الأجل للتكيف مع الكوارث، والضغط على الحكومة لتوزيع الموارد بعدالة.
ترسين جرس إنذار لوطن يواجه الهشاشة:
ما حدث يتطلب من الحكومة وضع خطة وطنية عاجلة لإدارة الكوارث تعتمد على معايير حقوق الإنسان
إنشاء مراكز إنذار مبكر ومراكز إيواء في مناطق الهشاشة البيئية مثل جبل مرة.
توفير البنية التحتية الأساسية (طرق، جسور، شبكات مياه وصحة) لتمكين التدخل السريع في أوقات الكوارث.
إجراء تحقيق شفاف ومستقل حول أوجه القصور في الاستجابة الرسمية للكارثة، وضمان محاسبة الجهات المقصرة.
دمج قضايا البيئة وحماية السكان من المخاطر الطبيعية في الخطط التنموية الوطنية، أما التوصيات الخاصة بالمجتمع المدني فهي تشمل
تعزيز شبكات الرصد المجتمعي والإنذار المبكر عبر المجتمعات المحلية.
تدريب المواطنين على خطط الطوارئ والإخلاء المجتمعي في حالات الانزلاقات والسيول
توثيق الانتهاكات الحقوقية المتعلقة بالإهمال والتهميش ورفعها للجهات الوطنية والدولية، وأخير توصيات المجتمع الدولي يجب تقديم دعم إنساني عاجل للناجين، يشمل الغذاء والدواء والمأوى.
الضغط على الحكومة السودانية للوفاء بالتزاماتها تجاه حماية المدنيين وتوزيع الموارد بعدالة.
تمويل برامج طويلة الأجل لبناء القدرة على التكيف مع الكوارث الطبيعية في دارفور والمناطق الهامشية
الخاتمة:
كارثة ترسين بجبل مرة ليست حادثة طبيعية فقط، بل مرآة لسياسات الإهمال والتهميش التي يدفع ثمنها الأبرياء. إذا لم تتحرك الدولة والمجتمع الدولي والمجتمع المدني بخطوات جادة، فإن ترسين لن تكون الأخيرة، بل مجرد فصل جديد في مسلسل المآسي التي تهدد حياة المواطنين في السودان، هذه الحادثة ليست مجرد حادثة طبيعية، بل هي جرس إنذار جديد يذكّر بضرورة وضع خطة وطنية لإدارة الكوارث قائمة على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة، تضمن حق المواطنين في الحياة الآمنة والحماية من المخاطر، وتضع حداً لسياسات الإهمال والتجاهل التي تدفع المدنيين دائماً ثمنه