الإثنين, ديسمبر 15, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالمحكمة الجنائية الدولية تجربة جادة لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب تحتاج...

المحكمة الجنائية الدولية تجربة جادة لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب تحتاج إلى تقييم وتعزيز أم تحولت إلى ظاهرة للإلهاء وتقنين لحالات الإفلات من العقاب. قضية علي كوشيب انموذجا (٢)


بقلم الصادق علي حسن .

المحكمة الجنائية الدولية محكمة جنائية حقيقية أم محكمة شكلية وسياسية .

نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (١٩٩٨م) ، والذي دخل حيز التنفيذ فعليا في عام ٢٠٠٢م بعد مصادقة (٦٠ دولة) عليه وكانت على رأسها دول الفكرة وهي الأوربية (المانيا/ فرنسا/ إيطاليا / المملكة المتحدة/ هولندا/ بلجيكا/ اسبانيا)، وفي أمريكا الشمالية كندا ودول من أمريكيا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وفي إفريقيا جنوب إفريقيا ونيجيريا وغانا وآسيا والمحيط الهادي اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ،وكانت الأردن أول دولة عربية مصادقة . وجدت فكرة المحكمة الجنائية الدولية ممانعة من القليل من الدول (سبع) على رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند . الولايات المتحدة الأمريكية تعترض على مبدأ رفض مثول مواطنيها ومحاكمتهم خارج اسوارها ، لذلك لم تتحمس للفكرة، كما وللدول الأخرى أسبابها . لقد صارت الولايات المتحدة الأمريكية بعد تأسيس المحكمة الجنائية الدولية تمارس الإزدواجية ،ولم تعترض على قرار الإحالة الصادر من مجلس الأمن (١٥٩٣ / ٢٠٢٥م)، فهي لا تعترض على ولاية المحكمة الجنائية الدولية على غير مواطنيها، ولكنها ترفض مثول ومحاكمة مواطنيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما وقد صارت لا تبدي أي تحفظات على الملاحقات الجنائية لغير مواطنيها أمام المحكمة المذكورة ، إذا صارت الملاحقات الجنائية تخدم أهدافها ومراميها بملاحقة من تصنفهم أوتضعهم ضمن قوائم الإرهاب الأمريكي ، وقد لا تمتنع عن التعاون أو تعترض تنفيذ نتائج الملاحقات الجنائية للمحكمة المذكورة خدمة لأغراضها . ونتيجة لغياب الدعم الأمريكي الدولي المباشر للمحكمة الجنائية الدولية وأعمالها ،صارت أوروبا وكندا وأستراليا معنيات بتوفير الدعم والمساندة للمحكمة . كما ولأن المحكمة مستقلة، فإن كل جهود الدعم والمساندة الدولية للمحكمة تقوم على توفير الموارد بحسب ما يسمح النظام الأساسي للمحكمة ،وكذلك بصورة غير مباشرة من خلال دعم تدريب المنظمات الحقوقية ورفع كفاءاتها لتعزيز دور المحكمة بإقامة الورش والدورات التدريبية وقد انصبت كل جهود المساندة خارج الدور الأساسي للمحكمة مثل انشاء تحالف المحكمة الجنائية من شبكة المنظمات الحقوقية والمدنية، ولكن تم إهمال الدور الأهم والذي يتمثل في الرقابة على أعمال المحكمة. ولعدم ممارسة المنظمات الحقوقية لدور الرقابة الفعلية على أعمال المحكمة الجنائية الدولية بأي صورة من الصور الممكنة قانونا ، وللضعف الذي شاب أداء الإدعاء الجنائي بالمحكمة الجنائية الدولية، وبروز ظواهر التأثير السياسي ، بدأت المحكمة في فقدان الثقة، وبرزت ظاهرة إعلان الدول عن الإنسحاب استنادا للمادة ٢٧ من نظام روما الأساسي مثل بورندي، والثلاثي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر سبتمبر ٢٠٢٥) وهي احدث دول تعلن انسحابها . قد تكون قضية دارفور من القضايا التي تحتاج إلى بحث ودراسة عميقة عن مآلات هذه المحكمة ودورها ومستقبلها ،بعد أن صارت أداة من أدوات التسويف ونافذة لتقنين حالات الإفلات من العقاب .

خطورة وجود محكمة وعدم الاكتراث لنتائج أعمالها .

أهداف المحاكم أيا كانت أنواعها واختصاصاتها تتمثل في العدالة والإنصاف، وإذا لم تحقق المحاكم الأهداف المرجوة من تأسيسها ، فلن تكون للمحاكم المعنية أي دور يمكن أن يعتد به ، أو قيمة سوى خدمة أهداف الوجود الشكلي من المحكمة . لقد توصلت اللجنة الدولية برئاسة القاضي انطونيو كاسيسي والمشكلة بموجب القرار ١٥٩١ إلى أن القضاء السوداني غير راغبا أو قادرا على محاكمة الجناة الذين قاموا بارتكاب الجرائم الجسيمة المرتكبة في دارفور في الفترة ما بين (٢٠٠٣- ٢٠٠٥) ،والتي تندرج ضمن الجرائم المذكورة في نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، مما يعني أن كل الجرائم الجسيمة التي ارتكبت منذ تاريخ الإحالة بموجب القرار ١٥٩٣/ ٢٠٠٥م المذكور في دارفور ، وحتى الحرب التي اندلعت منذ ١٥ أبريل ٢٠٢٣م وإلى الآن، في الجرائم المرتكبة المماثلة، تندرج ضمن الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية الدولية ، والتي صارت مكملة لدور المحاكم السودانية في الاختصاص لعدم الرغبة والقدرة ، كما وبالنظر للنتائج فقد مثل احد الأشخاص فقط وطواعية وتمت محاكمته بعقوبة لا تحقق أي من الردعين الخاص أو العام وهو علي كوشيب الذي تمت محاكمته وإصدار الحكم في مواجهته في يوم ٩/ ١٢/ ٢٠٢٥م اي بعد عقدين من الزمان . كما وهنالك ثلاثة أشخاص آخرين فيما يتعلق بحرائم دارفور ، سبق ان مثلوا أمام المحكمة الجنائية الدولية بموجب أوامر استدعاء وهم (ابو قردة وجربو وبندة) وتم شطب التهم في مواجهة الأول لعدم كفاية الأدلة، وقتل الثاني (جربو) في أحداث قتالية بدارفور في عام ٢٠١٣م وتم إسقاط التهم المقيدة ضده للوفاة، وتعليق التهم في مواجهة الثالث (بنده) والمفارقة أن محاميهما الذي كان يدافع عنهما قد صار هو نفسه مدعيا عاما للمحكمة الجنائية الدولية. وما حدث في إجراءات محاكمة الأول (ابو قردة) تكشف خطورة أعمال هذه المحكمة ومكتب الإدعاء الجنائي بالتحديد، مما يتطلب البحث والتقصي في أعمال مكتب الإدعاء الجنائي بالمحكمة الجنائية الدولية في قضية دارفور بداية من اوكامبو الذي فتح تحقيق منفصل في الهجوم الذي أفضى إلى مقتل (١٢) من جنود منسوبي قوات حفظ السلام للاتحاد الإفريقي عام ٢٠٠٧م بمنطقة حسكنيتة، ومثل فيها أمام المحكمة الجنائية الدولية (ابو قردة) طواعية بموجب أمر استدعاء ، وفي المحكمة تناقضت شهادات شهود الإتهام الواردة في محضر التحقيق عن المقدمة للمحكمة ، وشطبت المحكمة التهم في مواجهة ابو قردة لعدم كفاية الأدلة . لقد كان بالضرورة أن تقوم المنظمات الحقوقية بنشر وقائع تلك المحاكمة وأسماء الشهود وشهاداتهم السابقة للمحاكمة واللاحقة حتى لا تستغل المحاكم في تقنين ظاهرة الإفلات من العقاب .

إجراءات محاكمة أبو قردة وجربو وبندة :

من الخطل الإهتمام بوجود المحكمة الجنائية الدولية كأحد إنجازات الأمم المتحدة ومن خلفها أوروبا ، وذلك دون النظر لنتائج أعمالها ،وقد صارت المحكمة وممارساتها محل شكوك في بعض البلدان التي بدأت في الإنسحاب من المحكمة المذكورة خاصة ظاهرة إنسحاب الدول الإفريقية وكانت دولة مثل جنوب إفريقيا وهي من أوئل الدول التي ساندت فكرة المحكمة الجنائية الدولية، قد اعلن بعض من مسؤوليها في تاريخ سابق أنها ستدرس خيار الإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية .
في المقال الفائت (١) ، وفي السرد الوقائعي ، ذكرت إسم محمد صالح جربو في موضع إسم عبد الله بنده والعكس ، فجربو هو الذي قتل ولا يزال عبد الله بندة على قيد الحياة ، وقد علقت المحكمة الجنائية الدولية الإجراءات في مواجهته (عبد الله بندة) وهو الذي لا يزال يمارس الحرب والقتال في دارفور ، كما ولم يقم محاميه السابق ومدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان منذ توليه لمنصب مدعي المحكمة الجنائية الدولية بتحريك الإجراءات في مواجهة موكله السابق، وقد صار في موضع لا يستطيع فعل ذلك . فهو نفسه المحامي الذي تقدم بدفوعات سابقة أمام نفس المحكمة لصالح موكله الذي لا يزال متهما أمامها ،وقد صار يمارس أمام نفس المحكمة وظيفة الإدعاء الجنائي ، فكيف يستقيم أن يلاحق موكله السابق جنائيا من خلال صفته وموقعه الجديد ، لذلك ولتفادي هذا المأزق في الموقف ، قام مكتب الإدعاء الجنائي بتعليق إجراءات محاكمة عبد الله بندة ،ولم يُطالب بمثوله أمام المحكمة منذ تولي محاميه السابق كريم خان لمنصبه الحالي . كما ولم يكتف خان بذلك ، بل ذهب ابعد من ذلك وبدأ بالتشكيك في كفاية البينات التي قد تؤدي إلى محاكمة وإدانة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية في قضايا جرائم دارفور وهم (البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هرون) ،وصرح في أكثر من مرة بأن التهم المقيدة في مواجهة الثلاثة المذكورين بتحتاج إلى تعضيد ،مما يعني إعادة الملف لمكتب الإدعاء الجنائي للتحقيق والحصول على المزيد من البينات الإضافية ، وقد صار مكتبه بالفعل يطلب المزيد من البينات ممن تتوافر لديهم شهادات منتجة في القضايا المعنية ، والمدعي الجنائي كريم خان يعلم تماما في غرارة نفسه، بأن إعادة الملف لاستكمال المزيد من البينات قد لا تؤدى سوى للتشكيك في البينات المدونة في محضر التحقيق ، واحتمال التضارب والتناقض في الشهادات مثل قضية موكله السابق ابو قردة الذي مكن الدفاع والذي كان يمثله من الحصول على قرار شطب التهم في مواجهة موكله لعدم كفاية الأدلة بواسطة المحكمة . وبعد عقدين من الزمان ، يظل السؤال الموضوعي من أين يمكن الحصول على بينات إضافية في القضايا المرفوعة ضد البشير وعبد الرحيم محمدحسين واحمد هرون ).

تضارب المصالح:

السؤال الهام .كيف يمكن اختيار مدعيا عاما لمحكمة الجنايات الدولية وهو نفسه يمثل الدفاع في قضايا لا زالت منظورة أمام نفس المحكمة ، بمثل قضية عبد الله بندة أو قضية يمكن أن تتوافر بشأنها بينات إضافية جديدة قد تقتضي استبعاد حكم الشطب لعدم كفاية الأدلة وإعادة السير في الدعوى بمثل قضية ابو قردة .

وصول المتهمون إلى لاهاي وتسليم أنفسهم طواعية لمحكمة الجنايات الدولية (ابو قردة ٢٠٠٩)، (عبد الله بندة وجربو ٢٠١٠ ) .

لا بد للمنظمات الحقوقية أن تمارس دورها في الرقابة على أعمال المحكمة الجنائية الدولية خاصة على أعمال مكتب الإدعاء الجنائي . لتقف على مدى سلامة وصحة إجراءات المثول الطوعي لأبو قردة ومدى اثره على القرار الصادر لمصلحته بشطب التهم لعدم كفاية الأدلة ، وكذلك سلامة وصحة المثول الطوعي لعلي كوشيب وأثره، والأهم من ذلك كله تأثيره على العقوبة الصادرة بحقه . لقد تحول علي كوشيب إلى بطل ذهب طواعية إلى المحكمة الجنائية الدولية بنفسه ثم إلى نجم في وسائل الإعلام العالمية، فإلى سجين بلاهاي يتمتع بحقوق قد لا يجده ضحاياه . والمفارقة بدلا من أن تصبح العقوبة المقررة على المحكوم علي كوشيب رادعة لتحقيق الردعين الخاص والعام. هنالك من يتحدث عن أوضاع علي كوشيب المغرية بلاهاي من سجن يتوافر فيه كل المتطلبات الضرورية من أكل وعلاج والحق في الحصول على المواد الثقافية والترفيهية وفرص التعليم وما يعوزه فقط حرية التنقل . فهل هذا رادعا له . كما هنالك من كتب في الوسائط وهو يرى رفاهية علي كوشيب بالنظر لأوضاعهم وظروفهم من اولئك المقاتلين في دارفور ما قال (إذا كان هذا منتهى الأمر ، جاهزون للحاق بكوشيب في لاهاي) .وفي وقع الحال لم تعد للعقوبة المقررة بواسطة المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة علي كوشيب أي قيمة رادعة .

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات