كتب:حسين سعد
كل يوم يمر في السودان يحمل معه المزيد من الألم لأسر المفقودين، حيث يتحول البحث عن أحبائهم إلى رحلة بلا نهاية، تعيشها النساء والأطفال في حالة خوف وقلق مستمرين، من دارفور إلى الخرطوم والجزيرة، وكردفان ، وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تتكرر قصص الفقدان، لكنها تحمل وجعاً شخصياً مختلفاً لكل أسرة، لا يقتصر أثر النزاعات المسلحة في السودان على الخسائر المادية والحياة المفقودة، بل يمتد ليصل إلى أعماق النفوس، حيث تعاني الأسر التي فقدت أبنائها من ألم نفسي مزمن يثقل حياتها اليومية، خصوصاً النساء والأطفال الذين غالباً ما يصبحون الأكثر ضعفاً في مواجهة الصدمة المستمرة، وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قد قالت إنها سجلت ما يقارب 7000 شخص مفقود منذ اندلاع النزاع في السودان، واعتقلت قوات الدعم السريع آلاف الأشخاص؛ أُفرج عن بعضهم بعد دفع فدية، فيما توفي آخرون نتيجة الجوع وانعدام الرعاية الصحية في مراكز الاحتجاز، بينما لا يزال مصير الغالبية مجهولًا ، وقال نائب منسق الأمن الاقتصادي في الصليب الأحمر في السودان، حسين إبراهيم رسول، في بيان، إن اللجنة الدولية “سجلت ما يقارب 7000 شخص مفقود منذ اندلاع النزاع في السودان في 15 أبريل 2023 حتى يوم 19 نوفمبر 2025م.، وأشار إلى أن اللجنة الدولية سهّلت، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر السوداني، إجراء مئات المكالمات الهاتفية في منطقة طويلة بولاية شمال دارفور لمساعدة العائلات على البقاء على اتصال بأحبائها، وارتكبت الدعم السريع، وفقًا للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، انتهاكات شملت القتل الجماعي وتصفية المرضى واحتجاز الأشخاص بغرض الحصول على فدى مالية واغتصاب النساء بعد سيطرتها على الفاشر في 26 أكتوبر الماضي، وذكر رسول أن اللجنة تعمل على زيادة المساعدات المقدمة للأسر الوافدة حديثًا إلى طويلة، مما سيغطي 12 ألف أسرة إضافية – أي حوالي 72 ألف شخص ، وأضاف: “اضطرت آلاف العائلات إلى الفرار من منازلها نتيجة النزاع. حيث وصلوا إلى طويلة، كما يصلون يوميًا. معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن. وضعهم صعب للغاية. ولا يستطيعون حتى تلبية احتياجاتهم الأساسية، كما يعانون من الجوع والعطش والصدمة والإرهاق. بعضهم مصاب أو مريض وانقطعت صلتهم بأحبائهم، وباتت طويلة، التي تبعد 60 كيلومترًا تقريبًا غربي الفاشر، مأوى لـ 655 ألف نازح، معظمهم فرّ من الفاشر، حيث يقيم 21% منهم في المخيمات، بينما استقر 74% في مستوطنات عشوائية وأماكن تجمع مفتوحة.
أمهات تحت وطأة الفقدان:
إن الأمهات اللائي فقدن أبناءهن خلال النزاعات في دارفور والمنطقتين وثورة ديسمبر وحرب أبريل 2023، يعشن في حالة قلق دائم، مصحوبة بالاكتئاب والأرق المستمر، فالأم التي تبحث عن طفلها المفقود غالباً ما تعيش حالة انتظار دائم، بين الأمل في العثور عليه والخوف من الأسوأ، فالنساء اللائي فقدن أزواجهن وأطفالهن في النزاعات يواجهن أعباء مزدوجة، فقدان المعيل ومواجهة مسؤولية رعاية البقية في ظروف قاسية، وكذلك الحال بالنسبة للأطفال الذين فقدوا أحد الوالدين أو الإخوة يعيشون صدمة مستمرة تؤثر على تعليمهم ونموهم النفسي، فضلاً عن إنتشار القلق والخوف بين الأطفال يجعلهم عُرضة للانطواء أو السلوك العدواني، كثير من الأطفال يواجهون مشكلات في التركيز والتحصيل الدراسي بسبب فقدان أحد أفراد الأسرة وغياب الدعم النفسي..
البحث عن الحقيقة كرحلة بلا نهاية:
تظل الأسر في السودان عالقة بين عدم اليقين وغياب السجلات الرسمية، ما يزيد من الضغط النفسي، فالبحث عن المفقودين في الخرطوم، دارفور، الجزيرة، وكردفان ،والمنطقتين غالباً ما يكون مجهوداً فردياً أو عبر لجان صغيرة تطوعية تعمل في ظروف صعبة وتحديات أمنية وصعوبات المواصلات والأنترنت ، فغياب آلية وطنية لتوثيق المفقودين يجعل الحزن يتضاعف، حيث أن كل يوم يمر بدون معرفة مصير الأحباء يزيد من شعور اليأس والعزلة، ويتسبب في تأثير طويل الأمد على المجتمع، لايقتصر علي الصدمات النفسية لا تقتصر على الأسرة الفردية، بل تمتد لتؤثر على المجتمع ككل، وتفكك الروابط الاجتماعية بسبب فقدان أفراد المجتمع، وزيادة حالات الفقر والاعتماد على المساعدات الإنسانية نتيجة فقدان المعيل، واستمرار ثقافة الصمت والخوف التي تمنع مناقشة القضية أو المطالبة بالعدالة.
أم تبحث عن ابنها :
تحكي أم من الخرطوم بأسي كيف إختفي إبنها خلال فترة حرب منتصف أبريل 2023م ، لقد فقدت لقد فقدت ابني في لحظة، ولا أعرف إذا كان حيّاً أو ميتاً. كل يوم أبحث عن خبر، أتصل بالمستشفيات والمعتقلات، وأحياناً أغلق هاتفي لأحمي نفسي من الصدمة، لكن الألم لا يرحل أبداً، فالأمهات اللواتي يعشن هذه التجربة غالباً ما يعانين اكتئاباً شديداً، وأرقاً مستمراً، وشعوراً بالعجز أمام نظام لا يوفر حتى سجلاً رسمياً للمفقودين، ذات الحال ينطبق علي الأطفال الذين يعتبروا من ضحايا هذه الحرب الكارثية بجانب النساء ، ويفاقم غياب الدعم الرسمي والتوثيق من معاناة أسر المفقودين ويجعل البحث عنهم رحلة بلا دليل، كثير من الأسر تعتمد على لجان طوعية أو منظمات حقوقية لتوثيق الحالات، لكن التحديات الأمنية واللوجستية تجعل هذه الجهود محدودة للغاية.
الخاتمة: أمل ضائع وحق في الحقيقة
معاناة الأسر السودانية مع قضية المفقودون تكشف أن الحرب لا تقتل فقط، بل تترك جروحاً نفسية تمتد لأجيال، فالنساء والأطفال ،هم الأكثر تضرراً، ويحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي عاجل، إلى جانب فتح آليات رسمية لتوثيق المفقودين وتحقيق العدالة، فبدون معرفة الحقيقة، يظل الألم مستمراً، وبدون العدالة، لن يكون هناك مصالحة حقيقية أو سلام مستدام في السودان. كل أسرة تبحث عن ابن أو زوج أو أخ مفقود تحمل قصة انتظار يومية، وصراع مستمر بين الأمل واليأس، وهو ما يجعل قضية المفقودين أكثر من مجرد أزمة إنسانية؛ إنها أزمة أخلاقية ووطنية بامتياز( يتبع).
المفقودون في السودان.. قصص الألم والإنتظار (4)
مقالات ذات صلة

