الإثنين, سبتمبر 1, 2025
الرئيسيةاخبار سياسية"المولد النبوي".. أنوار الاحتفالات تضيء ظلام الحرب في السودان

“المولد النبوي”.. أنوار الاحتفالات تضيء ظلام الحرب في السودان

“المولد النبوي”.. أنوار الاحتفالات تضيء ظلام الحرب في السودان

الخرطوم – العربية نت – خالد فتحي

تتأجج الحرب في السودان وتتعالى أصوات الرصاص في أطراف المدن، بينما تضيء الساحات الداخلية بأنوار المولد النبوي الشريف. في هذه الأماكن، حيث تمتزج رائحة البخور بالمدائح الصوفية، يتمسك السودانيون بإحياء طقوسهم الدينية، في مشهد يعكس تمسكهم بالحياة وتوقهم للسلام رغم الجراح.

طقوس متوارثة

يُعد الاحتفال بالمولد في السودان عادة متجذرة، حيث ارتبط تاريخياً بالطرق الصوفية الكبرى، مثل الختمية والقادرية والسمانية والتيجانية.

تبدأ الفعاليات عادة قبل أسبوعين تقريباً من الثاني عشر من ربيع الأول، وتصل ذروتها في ليلة العطلة الرسمية. تتباين الموالد السودانية عن غيرها في المنطقة، فهي تجمع بين حلقات الذكر والإنشاد الديني من جهة، والأجواء الشعبية المبهجة التي تزينها المصابيح الملونة والأعلام والموائد العامرة بالحلوى من جهة أخرى.

في الساحات، يبرز “حصان المولد” و”عروس السكر”، بينما يسعى الأطفال لاقتنائهما كجزء من فرحة العيد. تنتشر أصناف تقليدية مثل السمسمية والفولية، فيما ترتفع أصوات الطبول والطارات معلنة انطلاق “زفة المولد” التي تجوب الشوارع بالمدائح والتهليل.

زخم أقل ولكن حضور قوي

هذا العام، ورغم النزوح والمعارك، أقيمت احتفالات في مدن سودانية مختلفة، بينما شهد ميدان الخليفة بأم درمان –أشهر ساحات المولد في السودان– عودة الزفة، وإن بزخم أقل من السنوات الماضية.

يقول عمر عثمان، وهو أحد الزوار لـ”العربية.نت” : “الناس تمضي وتعود إلى الساحة، مشهد يبعث على الألفة والأمل. صحيح أن الزخم تراجع، ولم تعد محال الحلوى والأنوار بالانتشار الذي عهدناه، لكن مجرد إقامة المولد في هذه الظروف أمر يبعث الطمأنينة”.

ورأى عثمان أن مظاهر الاحتفال “رسالة صمود، نعلن بها أن السودانيين لن يتخلوا عن تقاليدهم وارتباطهم بالروحانية مهما اشتدت الأزمات”.

شهادات من قلب الساحة

أم سارة، وهي سيدة خمسينية جاءت مع أطفالها، تقول لـ”العربية.نت”: “أردت أن أُدخل السرور على أولادي. الحلوى والأنوار ذكّرتهم بأن الحياة مستمرة، وأن الحرب لن تسرق فرحتهم”.

خصوصية المولد في السودان

من جانبه، قال الدكتور عبد المحمود أبو، الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، لـ”العربية.نت”: المسلمون في السودان ظلّوا يحتفلون بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم كلٌّ بما يناسبه؛ فمنهم من يحتفل مع أسرته، ومنهم من يحتفل في الزاوية أو المسجد، ومعظم الصوفية يحتفلون في الأماكن والميادين التي تحددها الدولة.
في أم درمان يكون الاحتفال الكبير في مسجد خليفة المهدي، حيث توقّف لمدة عامين بسبب الحرب. والآن، بعد انحسار الحرب عن ولاية الخرطوم، عاد الناس للاحتفال، وهو أمر طبيعي كغيره من مظاهر ممارسة أنشطة الحياة العامة.

أما الشيخ الأمين، أحد أشهر شيوخ الطرق الصوفية بالسودان، فقال لـ”العربية.نت”: “يتميّز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في السودان بخصوصية لافتة، إذ يجتمع الناس على مظاهر الفرح والابتهاج في طقس اجتماعي وديني متفرّد. ويُعرف السودانيون بشدة محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تتجلى هذه المحبة في حلقات المديح النبوي والسيرة العطرة التي تُعقد في الأحياء والساحات العامة، فتمنح الأجواء روحانية خاصة. كما يشارك الأطفال ببراءتهم وبهجتهم في الاحتفال، لتضفي حلاوة المولد حضورا مبهجا يعكس ارتباط المجتمع السوداني العميق بالذكرى النبوية المباركة”.

ما وراء الاحتفال

برأي مراقبين، فإن إصرار السودانيين على الاحتفال بالمولد في قلب الحرب يتجاوز كونه مجرد طقس ديني. إنه –كما يقول الباحث الاجتماعي الطيب محمد الحسن– “آلية مقاومة رمزية، فالمجتمع يحتمي بطقوسه ويؤكد وحدته في مواجهة الانقسام”.

ويضيف لـ”العربية.نت”: “المولد في السودان ليس مناسبة دينية فحسب، بل هو فضاء اجتماعي واقتصادي يلتقي فيه الجميع، من شيوخ الطرق إلى الباعة الصغار، ومن النساء والأطفال إلى الشباب. إنه مساحة جامعة تختصر معنى الصمود الشعبي”.

عودة الأمل

في أم درمان، حيث ارتفعت الزغاريد وتعانقت صيحات التهليل مع ترانيم الدراويش، بدا المشهد لوحة متناقضة: أصوات الحرب في الخارج، وأهازيج الفرح في الداخل.

أحد الحضور وصف ذلك بقوله: “غمرتني مشاعر عظيمة. بدا لي أن مدينتنا تلملم جراحها وتمضي نحو التعافي. المولد أعاد لنا بعضاً من الأمل الذي افتقدناه”.

ورغم ضيق الأحوال، يرى كثيرون أن عودة الموالد إلى الساحات تمثل “بارقة ضوء” وسط العتمة، ودليلاً على أن السودانيين مهما اشتدت محنهم، لا يزالون قادرين على التشبث بالحياة وانتظار فجر سلام طال أمده.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات